بالرغم من أن المسؤولين في الولاياتالمتحدة أرجعوا تعذيب السجناء في سجن جوانتانامو إلى "حفنة صغيرة من الحراس الخارجين عن النظام،" أو حاولوا التخفيف من أثره بقولهم "إنَّ التعذيب مورس ضد عدد قليل من المُحتجزين ممن يملكون قيمة معلوماتية عالية،" فإنَّ التعذيب قد ارتُكب على نطاق واسع، ومن المؤكَّد أن عدداً كبيراً من القادة العسكريين قد أمروا بذلك. هذا ما يقوله كتاب أصدره ناجٍ من سجن جوانتانامو. يقول مؤلف الكتاب، مراد كورناز، وهو مواطن تركيّ كَبُرَ وعاش في ألمانيا، لكن تم تشويه سمعته مِن قِبل وسائل الإعلام الألمانية وغيرها التي أطلقت عليه اسم "طالبان الألماني": إن التعذيب في كافة السجون الأمريكية التي احتجزت فيها "كان مألوفاً، وشائعاً، ومتكرِّر الحدوث، وإنه مورس من قِبل الكثير من الحراس". ويضيف المؤلف في كتابه الذي عنونه ب"خمس سنوات من حياتي: رجل بريء في جوانتانامو"، أن ضربه بدأ وهو على متن الطائرة التي أقلته من باكستان (حيث تم جَرُّه من حافلة عامة وبيعه من قبل الشرطة الباكستانية مُقابل 3000 دولار) إلى سجنه الأول في أفغانستان عام 2001. ويحكي كورناز: "لم أتمكن من رؤية أو معرفة كم كان عدد الجنود، لكن إذا ما لجأت إلى ضجيج الأصوات التي كنت أسمعها لأصدر حكمي، فيجب أن يكونوا كثيري العدد. كانوا يتوجهون من سجين إلى آخر، يضربوننا بقبضات أيديهم وهراواتهم وأعقاب بنادقهم بينما كانت أيدينا مُصفَّدة بأرضية الطائرة. كان الجو بارداً كثلاجة. وكنتُ جالساً على معدن بارد. كانَ الهواء الجليديّ يأتينا من فجوة، أو منفذ، أو مروحة، لا أعرف. حاولت أن أنام وأنا بحالتي هذه، لكنهم واصلوا ضربي وإيقاظي. ... لم يتعبوا أبداً من ضربنا. كانوا يضحكون طوال الوقت. وفي معسكر أشعة أكس، بجوانتانامو في كوبا، كتب كورناز: كان علينا أن نبقى جالسين على مقاعدنا خلال النهار، وفي الليل كان علينا أن نستلقي. إذا استلقيت خلال النهار فستُعاقَب. لم يُسمح لنا بالحديث. لم يكن مسموحاً لنا أن نتكلم مع الحراس أو ننظر في وجوههم. لم يُسمح لنا بالرسم على الرمال، أو الصفير، أو الغناء، أو الابتسام. في كل مرة كنت أكسر فيها، من دون دراية أو عمد، قاعدة من هذه القواعد، أو لعدم تطبيقي قاعدة جديدة لم يتم تبليغنا بها، يأتي فريق من (قوة الرد السريع) ويضربني. في مرَّة من المرّات ضربوني (وأنا على النقّالة) بعد أن قمت بإضراب عن الطعام. وعن فترة ما قبل جوانتانامو، وخلال المرحلة الأولى من سجنه لدى القوات الأمريكية في قندهار وباكستان، كتب كورناز: أحصيت سبعة حراس كانوا يضربون سجيناً بأعقاب بنادقهم ويركلونه بجزمهم حتى مات. لقد عذَّبَ الحراس رجلاً أعمى كان عمره قد تجاوز التسعين بنفس طرق التعذيب التي تعرضنا لها. كان هناك بالسجون رجال ضعفاء وكبار في السن، بعضهم أقدامهم مسحوقة، وآخرون سيقانهم أو أذرعهم مكسورة أو تحول لونها إلى الأزرق أو الأحمر أو الأصفر بسبب الصديد. كان هناك سجناء يعانون من كسور في الفكين، والأصابع، والأنوف، وتورم مرعب في الوجوه التي تحولت إلى ما يشبه فجوات المناجم. لم يقتصر الأمر على تجاهل الحراس لجراحات هؤلاء الرجال، لكن الأطباء المتواطئين يقومون بفحص السجناء ثم يقدموا المشورة للحراس عن المدة التي سيبقى فيها هؤلاء أحياء. في واحدة من المرات رأيت حراساً يضربون سجيناً بلا أرجل. مازال هناك ما هو أسوأ من هذا، - يقول كورناز – إذ هناك أطباء شاركوا في عمليات التعذيب. لقد طُلِبَ من طبيب أسنان أن يقلع الأسنان الفاسدة لسجين غير أنه قام بقلع كافة أسنانه الفاسدة والسليمة. ويضيف: سجين آخر ذهب إلى طبيب لعلاج إحدى أصابعه التي قضمها الصقيع الشديد فما كان من الطبيب إلا أن بتر الأصابع الأخرى. رأيت جروحا مفتوحة لم يتم علاجها. رأيت العديد مِن الأشخاص بسيقان وأذرع وأقدام مكسورة بسبب التعذيب. الكسور أيضا بقيت دون علاج حيث لم أر أبدا أي شخص بجبيرة أو قالب لعلاج الكسور. وفي عودته ثانية إلى جوانتانامو، كتب كورناز: كان السجانون ينهكون سجناءهم عمداً بتقديم القليل من الطعام لهم، إنه نظام "حمية التجويع". تتكون وجبات الطعام في جوانتانامو من "ثلاث ملاعق من الأرز، وقطعة من الخبز الجاف تصاحبها ملعقة من البلاستيك". هذه هي وجبة الطعام، لا أكثر ولا أقل. في بعض الأحيان كان السجانون يلقون قطعة إضافية من الخبز من فوق السور العازل المُشبَّك، ليمتِّعوا أعينهم بطريقة تلقي السجناء هذه القطعة الثمينة!. السجناء الذين كانوا ينقلون إلى أسرّة المستشفى كانوا يوضعون في زنزانات مصمَّمة عمدا لزيادة آلامهم ومعاناتهم. وعن تجربته الشخصية في هذا السياق يقول: كانت زنزانة المستشفى مثل الأفران. الشمس تضرب باستمرار على سقفها المعدنيّ عند الظهر، وبشكل مباشر على جوانبها الأخرى في الصباح وبعد الظهر. أمضيت ما يقرب من العام وحيداً في ظلام زنزانة المستشفى، سواء في بردٍ كالثلاجة أو حرارة كالفرن مع القليل من الطعام. في واحدة من المرات قضيت ثلاثة أشهر متتالية في حبس انفرادي. يمكن وضع السجناء في الحبس الانفرادي لأصغر مخالفة لأنظمة السجن الغريبة، كعدم طيّ البطانية بشكل صحيح. "كنت دائما ما أُعاقَب، وأُذَل، لسبب بسيط أو دون سبب". في واحدة من المرات وُضعت في الحبس الانفرادي لمدة 10 أيام لتغذيتي الطيور ببعض فتات الخبز بعد اقترابها من زنزانتي!. وعلاوة على الضرب المنتظم الذي كنت أتلقاه من أفراد "قوة الرد السريع"، الذين يُداهمون الزنزانات فجأة بهراواتهم، تلقيت صدمات كهربائية موجعة. كانوا يسلطون الصعقة الكهربائية على قدميّ. تم يغطسون رأسي في دلو من البلاستيك مملوء بالماء: يُمسكني أحدهم من شعر رأسي، ويسحب جنود آخرون ذراعي إلى الخلف، ثم يتم دفع رأسي داخل الماء، ثم يسحبون رأسي إلى الخارج ويسألوني "هل أحببت هذه الطريقة؟ هل تريد المزيد؟. كنت أشعر بانفجار داخل معدتي عندما يعيدون رأسي تحت الماء. كانوا يسألونني "أين فلان؟" و"أين فلان؟" و"من أنت؟"، حاولت أن أتكلم لكن لم أستطع. ابتلعت بعض الماء، وأصبح من الصعب جدا التنفس. حقاً إنَّ الغرق وسيلة رهيبة للموت!. كانوا يضربونني على المعدة، ثم يدفعون رأسي تحت الماء على نحو مُتكرر. في كل مرة كنت أشعر أن قلبي قد توقف. لم يتوقفوا، تصورت نفسي أصرخ تحت الماء. كُنت سأقول لهم كل شيء يريدون سماعه. في وقت مبكر من عام 2002 قررت السلطات الأميركية والألمانية أنني بريء، وأني كنت طالباً في الدراسات القرآنية بباكستان عندما قبض عليّ من قبل "صيادي المكافآت" وباعوني للأميركيين على أنني إرهابي. لكن بالرغم من ذلك، استمروا في تعذيبي لسنوات. في مرة من المرات تم تعليقي، مثلي مثل باقي السجناء الآخرين، بسلاسل معلقة بالسقف وذراعاي وراء ظهري حتى "شعرت وكأن كتفيّ كانا في طريقهما للانخلاع عن باقي جسدي." بعد فترة، بدت الأصفاد وكأنها قطعت معصميّ ووصلت إلى العظم. شعرت كما لو أن شخصاً يحاول سحب ذراعي من مغرزها، وعندما علقوني مِن الخلف مرة أخرى شعرت كأن كتفيّ قد انخلعا تماماً. بقيت على هذا الوضع خمسة أيام. كان الجنود يأتون ثلاث مرات في اليوم ينزلونني فيها إلى الأرض كي يفحصني طبيب ويقيس نبضي. وما إن يقول الطبيب "حسناً" (أوكي) حتى يرفعني الجنود إلى أعلى من جديد. لقد فقدت كل إحساس بذراعيّ ويديّ. مازلت أشعر بآلام في أجزاء من جسدي، خاصة في صدري وحول قلبي. من على بعد مسافة قصيرة تمكنت من رؤية رجل آخر يتدلى من سلاسله ميتاً. بعد ذلك عرفت أن أكثر من سجين مات بسبب هذا النوع من التعذيب. عندما نُقِلَ كورناز إلى "معسكر 1"، داخل منظومة جوانتانامو نفسها، تم وضعه في زنزانة داخل حاوية عملاقة ذات جدران معدنية تخضع لرقابة قصوى. وكتب عن هذه التجربة: بالرغم من أن الزنزانة لم تكن أصغر من تلك في معسكر أشعة أكس، إلاّ أن السرير قد قلَّص المساحة المتبقية إلى ثلاثة أقدام ونصف في ثلاثة أقدام ونصف. في نهاية الزنزانة كان هناك مرحاض من الألومنيوم وحوض، وقد أخذا كامل ما تبقى من مساحة الزنزانة. كيف سأتحرك وأعيش هنا؟ بالكاد رأيت شعاعاً باهتاً للشمس. لقد أبدعوا في تحقيق الكمال لزنزانتهم هذه!. شعرت وكأنني حُشِرت حيّاً في علبة سردين، أو في حاوية سفينة. بالرغم من أن بعض الساسة في الولاياتالمتحدة لم يعتبروا الحرمان من النوم شكلاً من أشكال التعذيب، وسخروا من الضرر الذي تجلبه هذه الممارسة على السجناء، إلاّ أنَّ هذه التقنية كانت وسيلة خبيثة في التعذيب. لقد استُخدِمَت في روسيا البلشفية لتعذيب الأعداء وكانت تعرف باسم "الحزام الناقل". في عام 2002 تولى الجنرال جيفري ميلر قيادة جوانتانامو "فأصبحت الاستجوابات أشد قسوةً، وأكثر تواتراً، وأطول مُدةً". يقول كورناز: بدأ ميلر مهامه ب"عملية ساندمان" (أو الرجل المنوِّم، وهو رجل تزعم الأسطورة أنه يوقع النعاس في عيون الأطفال بعد ذرّ الرمال فيها). تقضي هذه العملية بنقل السجناء إلى زنزانات جديدة في كل ساعة أو ساعتين لحرماننا من النوم تماماً. في كثير من الأحيان، ما إن أكون بالكاد قد وصلت إلى زنزانة جديدة وأستلقي على السرير وأنا مُصفَّد بالسلاسل، حتى يأتون ثانية لنقلي. في واحدة من بنود عملية ميلر، أجبرني الحراس على أن أقف وأجثم على ركبتيّ 24 ساعة في اليوم. من فصولها الأخرى، وهذا ما حصل معي: فما إن يرى الحراس أني أغلق عيني، حتى يبدؤوا بركل باب الزنزانة أو تسديد لكمة إلى وجهي". من بنودها أيضاً أنه بين فترات عمليات النقل من زنزانة لأخرى "تم استجوابي عشرات المرات. أستطيع أن أقدِّر أنَّ بعض الجلسات استغرقت ما يصل إلى 15 ساعة، يختفي خلالها المحقق لعدة ساعات". في جلسات التحقيق أجلس في مقعدي مقيَّداً بالسلاسل أو راكعاً على الأرض. وما إن يسقط جفنا عينيّ طلباً للنوم حتى يُسدد لي الجنود ضربتين عنيفتين لإيقاظي. أيام وليال دون نوم، نقل دائم من زنزانة لأخرى مع ضرب وإذلال. دائماً ما كنتُ أتمنى أن أخطو خطوة واحدة خارج جسدي، لكني لم أستطع. أمضيت ثلاثة أسابيع دون نوم. جاء الجنود في الليل وجعلونا نقف لساعات تحت تهديد السلاح. في هذه الفترة بلغ وزني أقل من 58,8 كيلوجراماً. وأخيرا، في أغسطس 2006، أطلق سراح كورناز إلى ألمانيا. وفي عام 2008 أدلى بشهادته عن جوانتانامو أمام الكونجرس من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة. خلال سنواته الخمس التي قضاها في الحبس لم يتم اتهامه بارتكاب أية جريمة!.