تهيمن على الأوساط الغربية المطلعة على الملف الاقتصادي الايراني حالة من التشاؤم، وذلك بعد ان ارتاحت هذه الاوساط في آذار مارس الفائت للنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات النيابية الايرانية، وللانتصار الذي احرزه الرئيس علي اكبر هاشمي رفسنجاني فيها، والذي عزز مواقع دعاة السياسة الاقتصادية الليبرالية، ووضع في يد الرئيس الايراني، للمرة الاولى منذ توليه السلطة في العام 1989، سلطات واسعة تمكنه من اطلاق برنامجه في تخصيص المؤسسات العامة، ورفع الدعم عن الاسعار، وتخفيف القيود التي تمنع الاقتصاد الايراني من الانفتاح على الخارج. وبعد مرور اقل من سنة على انتصار رفسنجاني يبدو ان التفاؤل زال، وان الوضع الاقتصادي في ايران متردٍّ الى حد يصعب على المسؤولين اخفاؤه عن الرأي العام المحلي وعن الدوائر الغربية. ومن المفارقات ان ايران، التي تنتج نحو 4 ملايين برميل من النفط في اليوم، والتي كان من المفترض ان تحصد ثمار السلام الذي حل في العام 1988 بعد حربها المديدة مع العراق، تقف حالياً على حافة الافلاس، فاحتياطات المصرف المركزي من العملات الصعبة تقدر بنحو ملياري دولار، وهذا الرقم لا يغطي الا استيراد شهر واحد فقط. كما ان عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها أدى الى تجميد تنفيذ العقود المبرمة، خصوصاً مع الشركات الاجنبية، وسجّل الدين القصير الأجل أرقاماً قياسية لم يعرفها في اسوأ سنوات الحرب، وبات يتجاوز 10 مليارات دولار، ويتراوح الدين المتوسط الأجل خمس سنوات حسب مصادر جديرة بالثقة، ما بين 14 و15 مليار دولار. ولكن كيف وصلت حكومة الرئيس رفسنجاني الى هذا الوضع؟ تفيد مصادر غربية ان طهران ارتكبت خطأين: فهي من جهة لم تتمكن من تنظيم حركة الاستيراد في العام 1991، وبالغت من جهة ثانية في تقدير حجم مواردها النفطية في العام 1992. ويبدو ان حكومة رفسنجاني حرصت على اشباع الرغبات الاستهلاكية لرأي عام عانى طوال سنوات الحرب من الحرمان الاستهلاكي، فوجدت نفسها امام فاتورة استيراد بلغت قيمتها نحو 28 مليار دولار في العام 1991، وأمام عجز تجاري تراوح ما بين 5 و7 مليارات دولار. اما في ما يتعلق بالعائدات النفطية فقد أعلنت ايران ان قدرتها على الانتاج تصل الى 4 ملايين برميل في اليوم. غير ان الخبراء يقدرون ان باستطاعة ايران ان تنتج نحو 4،3 ملايين برميل من النفط في اليوم. اما قدرتها على التصدير فهي أقل من ذلك، خصوصاً ان العمل في ورشة ترميم المنشآت النفطية في خرج لن ينتهي قبل آخر العام 1993. ومما لا شك فيه ان الخبراء الايرانيين توقعوا ارتفاعاً ملموساً في اسعار النفط حين وضعوا خططهم الاقتصادية، ولكن الارتفاع المتوقع لم يحصل. ففي العام 1991 صدّرت ايران من النفط ما قيمته 16 مليار دولار. وتوقع الايرانيون ان ترتفع قيمة العائدات النفطية الى نحو 18 مليار دولار في العام 1992، ولكن هذه الزيادة لم تحصل، بل حافظت الصادرات الايرانية في العام 1992 على مستوى 1991، بالاضافة الى نحو 5،2 مليار دولار قيمة الصادرات غير النفطية مثل الفستق والسجاد... ويعتقد الخبراء ان الخروج من الازمة النقدية الايرانية الراهنة يتطلب من طهران العمل على اعادة جدولة قروضها المتوسطة الأجل، ولكن المشكلة تكمن في أن على الحكومة الحصول على موافقة المجلس قبل اعتماد هذا الحل، وان الرئيس رفسنجاني لن يقدم على هذه الخطوة لمعرفته المسبقة بأن المجلس سيرفضها. فالمشكلة المالية الايرانية اخذت ابعاداً سياسية خطيرة من شأنها، اذا عجز الرئيس الايراني عن معالجتها، تهديد مستقبل برنامج الاصلاح الاقتصادي. واعتقد رفسنجاني، بعد الانتخابات النيابية في آذار مارس العام الماضي وتخلّصه من الراديكاليين، انه بات يتمتع بكل الصلاحيات التي تساعده على تنفيذ برنامجه الاصلاحي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والذي كانت ابرز عناوينه: توحيد أسعار الصرف، وتخصيص المؤسسات العامة، ورفع الدعم، والغاء مراقبة الأسعار. وتدل المؤشرات على ان النواب الايرانيين اكتشفوا ان الكلفة الاجتماعية لبرنامج الاصلاح الاقتصادي مرتفعة للغاية، فقرروا العمل على عرقلة تنفيذه، خصوصاً بعد ارتفاع حدة التذمر في اوساط الطبقات الشعبية والوسطى التي عانت اكثر من غيرها من الارتفاع الصاروخي في اسعار المواد الاستهلاكية، والتي عجز الرئيس رفسنجاني عن اقناعها بالصبر ريثما تحقق سياسته في تحرير الاقتصاد النتائج المرجوة منها. ويعتقد المراقبون ان اصلاحاً اقتصادياً بهذا الحجم يتطلب مواقف حاسمة، واستعداداً، اذا دعت الحاجة، الى اعتماد سياسة القمع، ولكن الخلافات بين رفسنجاني وعلي خامنئي لا تسمح للرئيس باتخاذ قرارات حاسمة ولا تساعده على اخراج البلاد من أزمتها. وتؤكد المعلومات ان الأعوام الثلاثة المقبلة ستكون قاسية للغاية بالنسبة الى ايران، خصوصاً ان التضخم مرشح للارتفاع، وأن الاستثمار الاجنبي سيواصل هربه من ايران.