خلافاً لتقديرات سابقة، فان الطلب العالمي سيشهد في السنوات العشرين المقبلة توسعاً يزيد بكثير عن التوقعات التي تحدثت عن اتجاه معظم الدول الصناعية في اوروبا الغربية والولاياتالمتحدة الى زيادة اعتمادها على مصادر اخرى لتوليد الطاقة. ويذهب بعض التقديرات الى حد القول ان العالم سيواجه ازمة طاقة حادة في السنوات الخمسين المقبلة، انطلاقاً من ان الاحتياط العالمي العالي لن يكفي الاستهلاك لاكثر من 43 سنة. ووفقا لتقديرات بريطانية، فان الطلب على الفحم الحجري تراجع بنسبة 7.0 في المئة في العام الماضي، وللسنة الثانية على التوالي، في بلدان مستهلكة كبرى مثل أسرة الدول المستقلة الاتحاد السوفياتي سابقاً والولاياتالمتحدة الاميركية وبعض دول اوروبا الغربية مثل المانيا وفرنسا وايطاليا، في حين ان الطلب على الطاقة النووية لم يرتفع سوى بنسبة 5 في المئة، خصوصاً بعد تزايد نفوذ جماعات حماية البيئة وتزايد الشكوك بمدى سلامة المفاعلات النووية لانتاج الطاقة الكهربائية. وطبقا لتقرير اعدته شركة "بريتش بتروليوم"، فان العالم الصناعي سيجد نفسه مضطراً للاتكال اكثر من اي وقت مضى على الاحتياط النفطي في العالم العربي، كما ان دول الخليج العربي، خصوصاً السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والكويت، ستكون الاكثر قدرة على تغطية النقص الحاصل في الاسواق العالمية. ويقدر التقرير حاجة العالم الى 30 مليار دولار لتطوير المصافي واستكشاف مناطق واحتياطات جديدة وزيادة فعالية التقنيات المستخدمة حالياً لتحسين مستوى الانتاج. ويناقض التقرير الانكليزي تقديرات تحدثت عن تراجع الاستثمارات النفطية في العالم بسبب ارتفاع الكلفة والتخوف من تدني اسعار النفط. لقد بلغ التدني في الانتاج العالمي في العام الماضي نسبة 8.0 في المئة، ومن 5.65 الى 2.64 مليون برميل يومياً، وفي الاتحاد السوفياتي سابقاً تراجع الانتاج حوالي المليون برميل يومياً، اي ما نسبته 10 في المئة من اجمالي الانتاج سابقاً. ومن غير المتوقع ان ينجح الروس وأسرة الدول المستقلة، في رفع مستوى انتاجهم في خلال السنوات الخمس المقبلة لاعتبارات عدة، ابرزها عدم توافر الاستثمارات المالية الكافية. كما ان الصادرات النفطية الروسية ستكون مرشحة هي الاخرى لمواصلة التراجع، ان لم يكن للتحول الى واردات فور انجاز الاصلاحات الاقتصادية التي بدأت اخيراً، وحاجة الماكينة الانتاجية الروسية لمزيد من الطاقة. كذلك، فان الاقتصاد الاميركي الذي سجل العام الماضي تراجعاً في حجم استهلاكه النفطي، نتيجة ازمة الركود التي يعاني منها منذ فترة، سيجد نفسه بحاجة الى زيادة استهلاكه نتيجة عودة العجلة الى الدوران، وحاجة المصانع الاميركية الى العمل بكامل طاقتها الانتاجية. وكما هي الحال في الولاياتالمتحدة الاميركية، كذلك هي في اوروبا بشطريها الغربي والشرقي. فلقد زاد استهلاك دول مجموعة السوق المشتركة بنسبة 3.0 في المئة في العام الماضي، الا ان هذه الزيادة هي اقل بكثير مما كان يجب ان تبلغه بسبب ازمة الركود التي تسيطر على معظم دول اوروبا الغربية. اما بالنسبة الى اوروبا الشرقية، فان الاستهلاك تراجع بنسبة 9.4 في المئة. الا ان هذا التراجع سيكون ظرفيا، على ما يبدو بسبب التطورات السياسية والاقتصادية التي كانت دول الكتلة الشرقية مسرحاً لها طوال السنتين الماضيتين، عندما سقطت الانظمة الشيوعية ومعها البنى الاقتصادية الموجهة لتتحول الى انظمة تبحث عن صيغة لاقتصاد السوق. ويقدر معظم المحللين ان اقتصادات اوروبا الغربية ستستأنف حركة النمو في خلال السنتين المقبلتين بنسبة لا تقل عن 3 في المئة، في حين ان الاقتصادات الشرقية قد تتأخر، لكن ليس لاكثر من ست سنوات. كيف سيواجه العالم مسألة زيادة الطلب على النفط في السنوات الخمس المقبلة؟ راسيل سيل مدير "بريتش بتروليوم" يرى ان العالم سيكون مضطراً لزيادة اعتماده على منطقة الشرق الاوسط التي تمثل ثلثي الاحتياط العالمي، وبالتحديد على 3 دول هي السعودية التي تملك حاليا 8.25 في المئة منفردة من الاحتياطات المؤكدة، والكويت 4.9 في المئة ثم دولة الامارات العربية المتحدة 2.9 في المئة. اما بالنسبة الى دولة مثل العراق تملك 10 في المئة من الاحتياط العالمي، فانه من غير الاكيد ان تنجح بغداد في اعادة تأهيل قطاعاتها النفطية في السنوات الخمس المقبلة بسبب ما يوصف عادة بالمصاعب المالية التي يعاني منها العراقيون، وتتمثل في حجم فاتورة الديون الخارجية التي تبلغ اكثر من 80 مليار دولار، والفترة التي تحتاجها بغداد لاستعادة الثقة الدولية بالتعامل معها. كذلك، فان من غير الاكيد حتى الآن ان تؤدي جهود الحكومة الجزائرية لاجتذاب استثمارات اجنبية للعمل في قطاعها النفطي الى نتائج قريبة. ويشار الى ان الجزائر تملك ما نسبته 9 في المئة من الاحتياط العالمي من النفط. وتتأثر معدلات الانتاج في دول عدة بمستويات الاسعار العالمية للنفط. ويجمع خبراء نفطيون على ان مستوى الپ17 دولاراً للبرميل سيكون الحد الادنى في السنوات العشر المقبلة، في حين ان الحد الاقصى قد يرتفع الى 35 دولاراً، الا انه سعر غير واقعي كما هو غير اقتصادي سواء للدول المنتجة او للدول المستهلكة. وتتجه معظم التقديرات الى الحديث عن 20 - 25 دولاراً للبرميل كسعر مقبول من جميع الاطراف، على اعتبار ان سعرا دون 17 دولاراً سيؤدي الى ازمة انتاج في الدول المصدرة، في حين ان سعراً فوق 35 دولاراً سيربك الدول الصناعية المستهلكة. ان تنمية المصادر البديلة للطاقة قد تحتاج الى 25 سنة على الاقل، حسب تقديرات متطابقة، كما ان القيود التي تتجه اوروبا واميركا الشمالية الى وضعها على وارداتها من النفط لن تؤدي سوى الى زيادة الكلفة على اقتصاداتها من دون الحد بالمقابل من الاستيراد. والاتجاه لزيادة احلال الغاز كمصدر نظيف للطاقة مكان النفط سيحتاج هو الآخر الى اكثر من 15 سنة، والى زيادة الاحتياط العالمي. في هذه الاثناء سيبقى الشرق الاوسط مركز الثقل في السوق الى حين نجاح جميع الخطط الموضوعة او التي لم توضع بعد.