الآن وقد أسدل الستار على دورة برشلونة الاولمبية الخامسة والعشرين بعد احتفال ختامي كان متعة للعين وللأذن على حد سواء، اذ جمع بين الرقص والغناء واختلطت فيه ايقاعات الفلامنغو بإيقاعات الجاز، وتحول ملعب مونتخويش نوافير من الضوء وشلالات من النار تحت سماء تمطر نجوماً ملونة وسلّمت الراية الاولمبية الى عمدة مدينة اطلانطا التي ستستضيف الألعاب القادمة في ذكراها المئوية الأولى سنة 1996، لا بد من قراءة تحليلية لدورة برشلونة في ضوء نتائج دورة سيول الماضية لمعرفة مراكز القوى الجديدة وموقعنا نحن العرب فوق خريطة العالم الرياضية. الحصاد العربي وحالة الطوارئ حصاد العرب في دورة برشلونة كان 6 ميداليات منها ذهبية للجزائرية حسيبة بولمرقة في سباق 1500 متر، وذهبية للمغربي خالد سكاح في سباق 10 آلاف متر، وفضية للمغربي رشيد البصير في سباق 1500 متر، وبرونزية للقطري محمد سليمان في السباق ذاته، اضافة الى برونزيتين في الملاكمة، واحدة للجزائري محمد سلطاني والثانية للمغربي محمد عشيق.. ناهيك عن ان فريق قطر لكرة القدم قد حقق نتيجة طيبة اهّلته للدور ربع النهائي. وهذه الميداليات على ضآلتها هي افضل انجاز حققه العرب في الدورات الاولمبية حتى الآن… ومع ذلك فان نتائجنا الأولمبية في برشلونة يجب ان تكون بمثابة ناقوس للخطر يستنفر البلدان العربية لاعلان حالة الطوارئ الرياضية فوراً، استعداداً لدورة اطلانطا. فالأبطال الاولمبيون لا يرتجلون ارتجالاً ولا يتم تعيينهم بقرار او بمرسوم انما هم نتيجة إعداد طويل وتدريب مضنٍ وتخطيط ذكي. وتجربة دولة قطر في هذا المجال جديرة بأن تكون قدوة ومثالاً، فالاستعانة بخبرة المدربين الاجانب وتوفير البنية التحتية من ملاعب ومعدات وتجهيزات وإعداد خطة طويلة المدى انطلاقاً من المدارس وصولاً الى الاندية كل ذلك يضعنا على الطريق الصحيح الذي يقودنا الى مناجم الذهب الاولمبي… و"الوسط" توجه تحية الى جميع ابطالنا الاولمبيين وفي طليعتهم حسيبة بولمرقة التي كرست فوزها ببطولة العالم الصيف الماضي في طوكيو باحرازها ذهبية اولمبية في برشلونة على رغم الاوضاع المأسوية التي تعانيها الجزائر… وقد تحدثت باسم جميع الجزائريين عندما قالت اثر فوزها: "لست سوى جزائرية عادية وأحاول ان اكون واحدة ممن يتحدثون باسم شعب الجزائر... لا اطلب من الجزائريين ان يكونوا جميعهم ابطالاً اولمبيين وإنما ان يعطوا افضل ما لديهم وفي جميع المجالات". بين سيول وبرشلونة في دورة سيول احتل الاتحاد السوفياتي المرتبة الاولى فأحرز 55 ذهبية و31 فضية و46 برونزية وحلّت المانياالشرقية في المرتبة الثانية جامعة 37 ذهبية و35 فضية و30 برونزية بينما حلّت المانيا الغربية في المركز الخامس برصيد 11 ذهبية و14 فضية و15 برونزية اما الولاياتالمتحدة فقد جاءت ثالثة في الترتيب العام برصيد 36 ذهبية و31 فضية و27 برونزية. وفي دورة برشلونة احتلت اسرة الدول المستقلة الاتحاد السوفياتي سابقاً المرتبة الاولى فأحرزت 45 ذهبية و38 فضية و29 برونزية، وحلت الولاياتالمتحدة ثانية برصيد 37 ذهبية و34 فضية و37 برونزية، اما المانيا الموحدة فقد جاءت في المرتبة الثالثة جامعة 33 ذهبية و21 فضية و28 برونزية. حوافز إيجابية والواقع انه بعد انهيار الامبراطورية الحمراء لم يكن من المتوقع ان يحصد منتخب اسرة الدول المستقلة هذا العدد من الميداليات، ولكن النتائج الميدانية اثبتت بصورة قاطعة ان البنية التحتية للرياضة السوفياتية ما زالت سليمة حتى اشعار آخر، والحوافز الايجابية للفوز كانت اقوى من العوامل السلبية ويمكننا ان نختصرها بحافزين اساسيين: الحافز الأول شخصي لأن ابطال اسرة الدول المستقلة حرصوا على التألق لكي يجذبوا انظار الشركات التي تحتضن نجوم الرياضة وترعاهم، وهكذا يشقون طريقهم الى الثروة بعدما كانت الدولة "تحتكرهم" اذا صح التعبير... والحافز الثاني وطني بصورة ما لأن هؤلاء الابطال يشتركون في فريق موحد للمرة الاخيرة، وقد أرادوا ان يودعوا الالعاب الاولمبية في ظل النظام العالمي الجديد وداعاً يليق بسمعة ما كان يعرف ببلادهم قبل انهيارها فجاء وداعهم ذهبياً ومن عيار 24 قيراطاً. وقد اكد لاعبو اسرة الدول المستقلة مرة جديدة في برشلونة انهم اسياد الجمباز ورفع الاثقال فأحرزوا في الجمباز 9 ذهبيات من اصل 16. وفازوا في رفع الاثقال بپ5 ذهبيات من اصل 9. وما يؤسف له ان حبات العقد في اسرة الدول المستقلة ستنفرط بعد دورة برشلونة وسيشارك اللاعبون في اطلانطا تحت راية جمهورياتهم، وهذا يعني ان الفوز بالمرتبة الاولى لن يكون في متناول أي من هذه الجمهوريات الجديدة. الاحتكار الاميركي الولاياتالمتحدة في هذه الدورة حسنت موقعها وحققت تقدماً ضئيلاً فحلّت في المركز الثاني بدلاً من المركز الثالث في دورة سيول، ولكنها أصيبت بنكسة قياساً الى ما كانت تطمح الى تحقيقه فقد خططت لانتزاع المرتبة الاولى من ورثة الاتحاد السوفياتي وكانت برشلونة فرصتها الاخيرة.. ولكن الرياح تجري احياناً بما لا تشتهي السفن، فجاءت غلتها من الذهب في السباحة وفي ألعاب القوى اقل مما كانت تتوقع بعدما تلقت ضربات موجعة في هاتين الرياضتين وفي مسابقات كانت معقودة اللواء للأميركيين باستمرار. ولكن الولاياتالمتحدة تستطيع ان تفاخر جميع الدول المشاركة بأنها الدولة الوحيدة التي سجلت ثلاثة ارقام عالمية في العاب القوى لم يسجل سواها في برشلونة، فحقق الاميركي كيفن يونغ في سباق 400 متر حواجز رقماً مقداره 78،46 ثانية الرقم السابق للاميركي ادوين موزيسي 02،47 ثانية، وحقق الفريق الاميركي في سباق التتابع 4 X 100 متر رقماً عالمياً مقداره 40،37 ثانية الرقم السابق للاميركيين 50،37 ثانية، وحطّم الفريق الاميركي في سباق التتابع 4 X 400 متر رقماً عمره 24 عاماً ومقداره 16،56،2 د. مسجلاً 74،55،2. وهذه انجازات تدل على ان المدرسة الاميركية في التدريب تتوجه نحو النخبة اكثر مما تتوجه نحو الكثافة العددية. نكسة المانيا أما المانيا الموحدة فقط هبطت في الترتيب العام من المرتبة الثانية الى المركز الثالث وعجزت عن ان تجمع الميداليات التي جمعتها المانياالشرقية وحدها في الدورة السابقة، ففي السباحة فقط هبط رصيدها الذهبي من 10 ميداليات احرزتها في دورة سيول الى ميدالية واحدة في دورة برشلونة. ولكن المانيا قادرة على تجاوز هذه المحنة لأن عامل الزمن كفيل بتعطيل الحساسيات والحزازات بين شطري البلاد وبتوفير الانسجام بين المدربين والرياضيين وهو امر لا غنى عنه اذا كانت المانيا تتطلع الى منافسة الولاياتالمتحدة في اطلانطا وهي قادرة فعلاً على المنافسة. الخطر الأصفر وفي الدورات المقبلة لا بد لدول الطليعة من ان تحسب حساباً للخطر الاصفر، فالصين حققت تقدماً هائلاً اذ حلت في المركز الرابع جامعة 16 ذهبية و22 فضية و16 برونزية، بينما جاء ترتيبها في دورة سيول في المركز الحادي عشر مكتفية بپ5 ذهبيات و11 فضية و12 برونزية، علماً ان الصين في هذه الدورة اقتحمت مواقع في السباحة وفي الجمباز كانت محرمة على غير الاميركيين والسوفيات. وكانت عودة كوبا الى المشاركة في الألعاب الاولمبية بعد مقاطعتها دورتي لوس انجليس 1984 وسيول 1988 عودة مظفرة بكل المقاييس فقد حلت خامسة في الترتيب العام وحصدت 14 ذهبية و6فضيات و11 برونزية وأثبتت مرة اخرى هيمنتها على الملاكمة اذ انتزعت 7 ذهبيات من أصل 12… وحلّت اسبانيا البلد المضيف سادسة برصيد 13 ذهبية و7 فضيات وبرونزيتين، علماً انها في دورة سيول جاءت في المركز السادس والعشرين بذهبية واحدة وفضية واحدة، وللجمهور الاسباني فضل لا ينكر في تحقيق هذه النتيجة المشرفة، ويجب ان ننتظر دورة اطلانطا لنرى اذا كان بوسع الاسبان ان يكرروا هذا الانجاز. كارل لويس ملكاً أما على الصعيد الفردي فقد كان وجه برشلونة طالع يمن لنجوم، وطالع شؤم لآخرين. فكارل لويس مثلاً اعظم رياضي عرفه هذا العصر عانده الحظ في نيو اورليانز، فلم يتأهل في التجارب الاختبارية لتمثيل الولاياتالمتحدة في سباق الپ100 متر الذي يحمل رقمه العالمي.. ولكن برشلونة بايعته ملكاً للمرة الثالثة في مسابقة الوثب الطويل بعدما هزم مواطنه مايك باول وأحرز اللقب الاولمبي، وقد عاد من برشلونة بذهبيتين إثر فوزه بسباق التتابع 4 X 100 متر ليرفع رصيده من الذهب الاولمبي الى ثماني ذهبيات معادلاً رقم الاميركي راي ايوري الذي احرز 8 ذهبيات ايضاً بين 1900 و1908، متخلفاً بميدالية واحدة عن الفنلندي بافونورمي الذي حصد 9 ذهبيات بين 1920 و1928. وفيتالي شيربو كما ذكرنا في العدد الماضي أحرز ست ذهبيات في الجمباز فدخل تاريخ الألعاب الاولمبية من الباب العريض… اما لاعب كرة المضرب السويسري مارك روسيه، وهو لاعب مغمور، فانه لم يصدق انه احرز ذهبية فردي الرجال بعد سقوط المصنفين العشرة الأوائل في العالم، وانهيار جميع الترجيحات والتوقعات. وفي المقابل عبس الحظ في وجه سيرغي بوبكا الذي سجّل 30 رقماً عالمياً في القفز بالزانة فأخفق في تخطي ارتفاع 5.75 متر، هو الذي حقق 11،6 متر في الهواء الطلق و13،6 متر في قاعة مقفلة. ولم يكن الاميركي مايكل جونسون والجزائري نورالدين مرسلي افضل حظاً من بوبكا فأخفق الأول في التأهل لنهائي سباق 200 متر وحل الثاني سابعاً في سباق 1500 متر وكلاهما كان المرشح الاوفر حظاً لاحراز الميدالية الذهبية.. وفي ختام هذه القراءة لنتائج الألعاب الأولمبية تجدنا نردد كما ردد آلاف المشاركين والمشاهدين في ملعب مونتخويش في ليل التاسع من آب 1992: وداعاً برشلونة وإلى اللقاء في اطلانطا. لائحة الميداليات دورة برشلونة 1992 الدولة ذهبية فضية برونزية المجموع 1 - الدول المستقلة 45 38 29 112 2 - الولاياتالمتحدة 37 34 37 108 3 - المانيا 33 21 28 82 4 - الصين 16 22 16 54 5 - كوبا 14 6 11 31 6 - اسبانيا 13 7 2 22 7 - كوريا الجنوبية 12 5 12 29 8 - هنغاريا 11 12 7 30 9 - فرنسا 8 5 16 29 10 - اوستراليا 7 9 11 27 11 - ايطاليا 6 5 8 19 12 - كندا 6 5 7 18 13 - بريطانيا 5 3 12 20 14 - رومانيا 4 6 8 18 15 - تشيكوسلوفاكيا 4 2 1 7 لائحة الميداليات دورة سيول 1988 الدولة ذهبية فضية برونزية المجموع 1 - الاتحاد السوفياتي 55 31 46 132 2 - المانياالشرقية 37 35 30 102 3 - الولاياتالمتحدة 36 31 27 94 4 - كوريا الجنوبية 12 10 11 33 5 - المانيا الغربية 11 14 15 40 6 - المجر 11 6 6 23 7 - بلغاريا 10 12 13 35 8 - رومانيا 7 11 6 24 9 - فرنسا 6 4 6 16 10 - ايطاليا 6 4 4 41 11 - الصين 5 11 12 28 12 - بريطانيا 5 10 12 27 13 - كينيا 5 2 2 9 14 - اليابان 4 3 7 14 15 - اوستراليا 3 6 5 14