ظهرت الصين في دورة الألعاب الاولمبية التي احتضنتها أثينا في آب أغسطس الماضي قوة عظمى بحلولها ثانية خلف الولاياتالمتحدة قبل 4 سنوات من استضافة بكين الدورة الثامنة والعشرين عام 2008. واعتبر رئيس اللجنة الاولمبية الصينية يوان وي مين أن "النتائج التي حققتها بلاده فاقت كل التوقعات وجاءت ناجحة بكل المقاييس. لقد نجحنا في الفترة الانتقالية بين الجيل القديم والصاعد"، مشيراً الى تتويج سبعة أبطال لم يتخطوا العشرين من عمرهم. وتابعت الولاياتالمتحدة سيطرتها على الترتيب العام باحتلالها الصدارة للمرة الثانية على التوالي خارج ارضها وجمعت 102 ميدالية 35 ذهبية و38 فضية و29 برونزية في مقابل 97 ميدالية في سيدني 2000 39 ذهبية و25 فضية و33 برونزية و101 في اتلانتا 1996 44 ذهبية و32 فضية و25 برونزية. وتشير أعداد ميدالياتها الى انخفاضها تدريجياً وبشكل واضح رغم انها حققت الهدف الذي وضعته لنفسها قبل الدورة وهو بلوغ حاجز ال100 ميدالية. في المقابل، فرضت الصين نفسها بقوة وحققت قفزة نوعية نقلتها من المركز الثالث في الترتيب العام في سيدني الى الثاني في اثينا برصيد 63 ميدالية 32 ذهبية و17 فضية و14 برونزية في مقابل 59 قبل 4 سنوات 28 ذهبية و16 فضية و15 برونزية. وتعتبر سيدني الانطلاقة الحقيقية للتنين الصيني لأنه لم يسبق ان نال اكثر من 16 ميدالية ذهبية قبل ذلك. وتراجعت روسيا مركزاً واحداً وانهت الدورة في المركز الثالث برصيد 92 ميدالية 27 ذهبية و27 فضية و38 برونزية، وحافظت استراليا على المركز الرابع الذي احتلته على ارضها في سيدني برصيد 49 ميدالية 17 ذهبية و16 فضية و16 برونزية، في حين تراجعت ألمانيا الى المركز السادس برصيد 48 ميدالية 14 ذهبية و16 فضية و18 برونزية وهو الاسوأ منذ الوحدة بين الالمانيتين عام 1989، علما بأنها حلت خامسة في سيدني. وجاءت اليابان خامسة برصيد 37 ميدالية 16 ذهبية و10 فضيات و11 برونزية مؤكدة تفوق القارة الاسيوية في الالعاب الاولمبية وصعودها التدريجي نحو القمة، وهو ما اشار اليه رئيس اللجنة الاولمبية الدولية، البلجيكي جاك روغ بوضوح حين قال في ختام الدورة "خلال هذه الالعاب شهدنا العملاق الاسيوي يستيقظ، وهنا اتكلم عن الصين بالطبع لكن ايضاً عن اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند واندونيسيا". واضاف "هذا يعني ان اسيا ستكون موجودة بقوة في اولمبياد بكين عام 2008، وتعتبر اللجنة الاولمبية الدولية ان بروز قارة جديدة هام جداً بالنسبة اليها، وعلى الدول العظمى في الرياضة ان تعمل جاهدة للمحافظة على مراكزها الحالية". وشارك في الالعاب الاولمبية التي تعتبر اكبر تظاهرة رياضية في العالم نحو 11 الف رياضي ورياضية تنافسوا في 28 لعبة و300 مسابقة، إضافة الى نحو 6 آلاف اداري ومدرب واكثر من 15 الف اعلامي غطوا ثاني دورة استضافتها اليونان بعد الاولى قبل 106 اعوام. وعلى الصعيد الفردي، فرض السباح الاميركي مايكل فيلبس والعداء المغربي هشام الكروج نفسيهما نجمين للدورة، ودخل الاول تاريخ الالعاب الاولمبية بامتياز باحرازه 8 ميداليات 6 منها ذهبية، من دون ان يتمكن من تحطيم او معادلة الرقم القياسي في عدد الميداليات الذهبية في دورة واحدة وهو سبع ذهبيات الموجود بحوزة مواطنه مارك سبيتز عام 1972 في ميونيخ. ومع ذلك حقق فيلبس، ابن التسعة عشر ربيعاً، انجازاً كبيراً سبقه اليه رياضي واحد هو السوفياتي الكسندر ديتياتين الحائز على العدد نفسه في اولمبياد موسكو عام 1980 في منافسات الجمباز. وفرض الاميركي جاستن غاتلين نفسه أسرع عداء في العالم باحرازه اللقب الاولمبي لسباق 100م امام البرتغالي فرنسيس اوبيكويلو والاميركي موريس غرين الذي فشل في ان يصبح ثاني عداء في تاريخ العاب القوى يحتفظ بلقبه ويخلف مواطنه الاسطورة كارل لويس الذي توج عامي 1984 في لوس انجليس و1988 في سيول. ومثل الكروج هذه المرة تمثيلاً مشرفاً الرياضيين العرب باحرازه ذهبيتي 1500 و5 الاف متر فدخل التاريخ من بابه الواسع، ودون الرامي الاماراتي الشيخ احمد بن حشر آل مكتوم اسم بلاده في السجلات الاولمبية باحرازه ذهبية الحفرة المزدوجة، واعاد المصارع كرم جابر ابراهيم اسم مصر الى الواجهة. وطغى تتويج هؤلاء النجوم الاربعة وصعودهم الى اعلى درجة من المنصات على خيبات الامل العربية الاخرى وعلى تراجع الحصاد الاولمبي العربي. وتألقت السويد في رياضة ام الالعاب باحرازها 3 ذهبيات كانت من نصيب كارولين كلوفت السباعية وستيفان هولم الوثب العالي وكريستيان اولسون الوثبة الثلاثية. وباتت الجامايكية فيرونيكا كامبل العداءة "الذهبية" لجزر البحر الكاريبي والاكثر تتويجاً فيها باحرازها ذهبيتي 200م والتتابع 4 مرات 100م وبرونزية 100م. وأكدت "الروسية الطائرة" يلينا ايسينباييفا انها الاقوى في مسابقة القفز بالزانة عندما احرزت الذهبية مسجلة رقماً قياسياً عالمياً مقداره 4.91 متر امام مواطنتها سفتلانا فيوفانوفا، فيما خرجت الاميركية ستايسي دراجيلا بطلة سيدني من الدور الاول. وقاد نجم سان انطونيو سبيرز الاميركي ايمانويل جينوبيلي منتخب بلاده الارجنتين الى احراز اول لقب اولمبي في كرة السلة، وحذا حذوه مواطنه كارلوس تيفيز بقيادة منتخب كرة القدم الى اللقب الاولمبي الاول. ابرز الخاسرين ولعل ابرز ما طبع دورة أثينا خيبة امل الاميركيين ومنتخب احلامهم الذي فقد لقب بطل مسابقة كرة السلة بخسارته امام الارجنتين في نصف النهائي. ولم يعد المنتخب الاميركي ذلك البعبع المخيف وجاءت نتائجه في اثينا لتؤكد خيبة امله في بطولة العالم عام 2001 في انديانابوليس عندما خسر لقبه لمصلحة صربيا وحل خامساً. وهي المرة الثالثة التي يفشل فيها المنتخب الاميركي في احراز اللقب الاولمبي لكرة السلة في تاريخ الالعاب الاولمبية منذ ان اعتمدت اللعبة رسمياً اعتباراً من عام 1936 وحدث ذلك عامي 1972 في ميونيخ، 1988 في سيول. ولم يظهر المنتخب الاميركي بالصورة المنتظرة منه وتأثر كثيرا لغياب ابرز نجومه لأسباب عدة ابرزها العملاق شاكيل اونيل والهداف كوبي براينت، وتعرض لثلاث هزائم امام بورتوريكو وليتوانيا والارجنتين علما بانه تأهل بصعوبة الى الدور ربع النهائي قبل ان يستعيد هيبته بتغلبه على اسبانيا، لكن الارجنتين قالت الكلمة الاخيرة وأخرجت النجوم من دور الاربعة. وخرج نجوم عدة خاليي الوفاض من الدورة الاولمبية في مقدمتهم السباح الروسي الكسندر بوبوف والعداءتين الاميركية ماريون جونز والبريطانية باولا رادكليف. وحلت جونز، نجمة العاب سيدني ثلاث ذهبيات و2 برونزية، خامسة في مسابقة الوثب الطويل، واستبعدت مع منتخب بلادها من نهائي سباق التتابع 4 مرات 100م بسبب خطأ في تسليم العصا، وبالتالي لم تكن عودتها موفقة بعد غياب نحو عام بسبب بالولادة. واضافت جونز خيبة املها الى خيبة امل صديقها ووالد ابنها العداء تيم مونتغومري حامل الرقم القياسي لسباق 100م 9.78 ثانية الذي لم يتمكن من التأهل الى الاولمبياد في تجارب انتقاء المنتخب الاميركي، وهما يواجهان اتهامات مع العديد من العداءين والرياضيين الاميركيين بتناول مواد ممنوعة في اطار قضية مختبر بالكو. من جهتها، انسحبت رادكليف من سباقي الماراتون وعشرة آلاف متر وودعت الاولمبياد بالدموع. ولم يكن حال بوبوف، بطل الثنائية في اولمبيادي برشلونة واتلانتا، افضل من جونز ورادكليف حيث فشل في بلوغ نهائي سباقي 100م و50م في منافسات السباحة. وفقد الاميركي الن جونسون لقبه في سباق 110م حواجز بعد تعثره وسقوطه على الارض في نصف النهائي. وألقت المنشطات بظلالها على دورة أثينا حيث وصل عدد الحالات الايجابية الى 25 حالة بينها ثلاث حالات رفض الخضوع لفحص المنشطات مقابل ثماني فقط في دورة سيدني قبل أربعة اعوام، ولا تزال آثار هذه الآفة تمتد الى مواقع اخرى فلم يكتف الانسان بايذاء نفسه وانما جرب ايذاء الحيوان ايضاً قصداً او عن غير عمد حيث يعلن بين الفينة والاخرى عن تنشيط بعض الخيول التي شاركت وتوجت في الدورة.