هل صحيح ان المسؤولين الفلسطينيين يدرسون حالياً، جدياً وبشكل مفصل، إنشاء قوة شرطة فلسطينية تتولى مسؤوليات الامن في الضفة الغربيةوغزة فور التوصل الى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي حول الحكم الذاتي؟ الموضوع له اهميته اذ يعكس، ضمناً، الحرص الفلسطيني على التوصل الى اتفاق سريع حول الحكم الذاتي مع حكومة اسحق رابين. وقد تسربت معلومات مثيرة للاهتمام الى الصحف الاجنبية والاسرائيلية عن "قوة الشرطة الفلسطينية" هذه، بعضها نقلاً عن الدكتورة حنان عشراوي، وبعضها الآخر نقلاً عن مسؤولين فلسطينيين آخرين. من هذه المعلومات: ان قوة الشرطة الفلسطينية هذه ستتألف من 20 الف رجل معظمهم من اعضاء حركة فتح، وأن مجموعة عمل تدرس هذا الموضوع برئاسة فيصل الحسيني الذي ناقش المسألة مع مسؤولين اردنيين التقاهم اخيراً في عمان. وتضيف هذه المعلومات، ايضاً، ان هناك مجموعة عمل اخرى تتألف من شخصيات من القدس تبحث حالياً عن رجال شرطة سابقين في الضفة وغزة لاعادة تدريبهم وتأهيلهم وضمهم الى قوة الشرطة الفلسطينية. وتفيد معلومات اخرى ان فيصل الحسيني اختار فاروق الامين، وهو ضابط شرطة سابق برتبة رائد من بيت لحم خدم في صفوف الشرطة الاردنية في الضفة الغربية، لانشاء قوة الشرطة الفلسطينية هذه وتولي رئاستها. اضافة الى ذلك كله علمت "الوسط" من مصادر اميركية وثيقة الاطلاع ان موضوع انشاء قوة شرطة فلسطينية نوقش جدياً بين الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي الى مفاوضات السلام، وذلك ابتداء من كانون الأول ديسمبر الماضي، لكن المسألة احيطت بالتكتم الشديد. وأكدت هذه المصادر الاميركية لپ"الوسط" ان حكومة رابين تؤىد انشاء قوة شرطة فلسطينية في الضفة وغزة "شرط ان تكون صلاحياتها محدودة وعدد افرادها غير كبير"، لكنها تعتبر انه يجب التفاوض مع الفلسطينيينوالاردنيين "بشكل دقيق وحول كل التفاصيل المتعلقة بهذه القوة قبل الموافقة رسمياً على إنشائها". ما رأي المسؤولين الفلسطينيينوالاردنيين بهذه المعلومات؟ فيصل الحسيني أكد لپ"الوسط" ان "عدد افراد قوة الشرطة الفلسطينية سيعتمد الى حد كبير على طبيعة المهام التي ستكلف بها القوة في المستقبل، وقد يصل عدد افرادها الى ما بين 20 و30 الف رجل. لكن من المبكر الخوض في هذه التفاصيل قبل انهاء الدراسات اللازمة والتي ستأخذ في الاعتبار قضايا كثيرة". وأشار الحسيني الى ان الوفد الذي زار الاردن لاعداد دراسات عن هذا الموضوع هو جزء من لجان فنية شكلت لتحضير ملفات مختلفة تتناول كيفية بناء ووضع تصورات لأجهزة الحكم الذاتي التي سيجري التفاوض بشأنها. "اللجان الفنية المذكورة تواصل انشطتها داخل الاراضي المحتلة وخارجها من اجل جمع المعلومات اللازمة". واعترف الحسيني بأن نشاط اللجان الفنية هذه داخل الاراضي المحتلة يصطدم بعقبات ليس اقلها عدم مساعدة السلطات الاسرائيلية للطواقم الفنية للاستفادة من الدراسات الموجودة والمعلومات المفصلة التي تحتويها خزائن الوثائق في الوزارات الاسرائيلية او الدواوين التابعة لها. وزير الداخلية الاردني السيد جودت السبول قال في تصريح خاص لپ"الوسط" ان طرح هذا الموضوع على الصعيد الاعلامي سابق لأوانه وأضاف: "ان من مسؤولية اهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة القيام بكل نشاط لتنظيم شؤونهم سواء كانت امنية او غير ذلك. والاردن لم ولن يتأخر في تقديم كل ما يمكن ان يساعد اخوتنا داخل الأراضي المحتلة لانشاء قوة فلسطينية". وفي تصريح لاحق اكد الوزير الاردني ان بلاده تجري حالياً محادثات مع الجانب الفلسطيني لتكوين شرطة فلسطينية وجهاز دفاع مدني تكون جاهزة لتسلم مهامها بعد إنهاء الاحتلال. وقال السيد عباس زكي رئيس اللجنة العليا للانتفاضة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح لپ"الوسط" ان اعضاء الوفد الفني الفلسطيني الذي يتابع موضوع اعداد دراسة عن قوة الشرطة الفلسطينية عقد لقاءات عدة مع مسؤولين اردنيين وفلسطينيين نوقشت خلالها تفاصيل هذا الموضوع. ويأتي الحديث عن قوة الشرطة الفلسطينية في وقت استقبل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وفداً من رجال الشرطة البريطانيين الذين خدموا في فلسطين حتى العام 1948، واستمع الى ملاحظاتهم باهتمام. ولم يستبعد مرافقون للوفد البريطاني ان تتم الاستفادة من خبرات بعض هؤلاء البريطانيين اذا اقتضت الضرورة. وأكد الدكتور سري نسيبة رئيس الطواقم الفنية في الضفة وغزة لپ"الوسط" وجود تعاون مع الرائد فاروق الامين وآخرين من الضباط الفلسطينيين "للافادة من خبراتهم، خصوصاً انهم عملوا في الشرطة الاردنية في الاراضي المحتلة وانهم مطلعون على كيفية عمل جهاز الشرطة الاسرائيلية داخل الاراضي المحتلة. وفي اتصال اجرته معه "الوسط" في عمان، قال الرائد فاروق الامين المرشح وفقاً لبعض المعلومات لرئاسة قوة الشرطة الفلسطينية. انه يعد دراسات حول هذا الموضوع لكنه اضاف: "ان الحديث في التفاصيل امر متروك البت فيه للسيد فيصل الحسيني والدكتورة حنان عشراوي". وذكر الرائد فاروق الامين انه انضم الى سلك الشرطة الاردني في العام 1956 وتخرج برتبة ضابط في دورة عسكرية اتمها في قطاع غزة، كما تولى مسؤولية الشرطة في منطقة بيت لحم في اوائل السبعينات واستقال من وظيفته في آذار مارس 1988 بعد ان قدم رجال الشرطة الفلسطينيون استقالتهم من العمل داخل الاراضي المحتلة بسبب نداء وجه اليهم من القيادة الوطنية الموحدة في الاراضي المحتلة. واعترف الامين الذي يعمل في مكتب لتعليم قيادة السيارات في بلدة بيت جالا منذ استقالته من وظيفته بأنه يرتبط بصداقة شخصية متينة مع فيصل الحسيني، لكن ذلك لا يعني ان انباء توليه لرئاسة قوة الشرطة الفلسطينية صحيحة. ووصف الانباء التي تحدثت عن ان قوة الشرطة ستضم 30 الف رجل بأنها "غير دقيقة، ومبالغ فيها، لأنه لا يوجد دراسة جاهزة حتى الآن تحدّد ذلك". هذه المعلومات والتصريحات كلها تؤكد حقيقة أساسية: ان القيادة الفلسطينية تدرس جدياً موضوع انشاء قوة فلسطينية في الضفة الغربيةوغزة، وكأن اتفاق الحكم الذاتي مع الاسرائيليين مضمون و"آت لا ريب فيه".