للمرة الاولى في تاريخ العلاقات الاميركية - الاسرائيلية، تستخدم الولاياتالمتحدة المساعدات المالية والاقتصادية "كأداة ضغط" على الحكومة الاسرائيلية لتغيير سياستها في الاراضي العربية المحتلة. هذا ما فعلته ادارة الرئيس بوش حين اعلنت، بلسان وزير الخارجية جيمس بيكر، ان الولاياتالمتحدة لن تقدم ضمانات قروض قيمتها 10 مليارات بلايين دولار لاسرائيل الا في مقابل تجميد كامل للنشاط الاستيطاني الاسرائيلي في الاراضي العربية المحتلة. فقد اعلن بيكر يوم 24 شباط فبراير الماضي، في شهادة ادلى بها امام لجنة فرعية للمخصصات تابعة لمجلس النواب الاميركي، انه يطرح خيارين على حكومة اسحق شامير بشأن هذا الموضوع: اما ان توقف الحكومة الاسرائيلية النشاط الاستيطاني بما في ذلك اقامة البنية الاساسية مقابل ضمانات قروض قيمتها عشرة مليارات دولار على مدى خمس سنوات. او ان تكمل اسرائيل المنازل التي كانت قيد الانشاء بالفعل اعتباراً من اول يناير كانون الثاني 1992 لكن تقبل قدراً اقل من المال كل سنة على حدة على اساس تخفيض دولار مقابل كل دولار تنفقه على المستوطنات. واضاف بيكر: "والاختيار متروك لاسرائيل". وهذا يعني، عملياً، ان الادارة الاميركية وضعت حكومة شامير امام خيارين صعبين للغاية "احلاهما مر" وان على هذه الحكومة ان تختار بين ان تحصل على الاموال التي هي في امس الحاجة اليها حتى لا تعاني مصاعب اقتصادية هائلة تحت وطأة تدفق مئات الآلاف من المهاجرين الجدد، او ان تستمر في بناء المستوطنات في الاراضي العربية المحتلة، لكنها لا تستطيع الجمع بين الاثنين. وقد حرص بيكر على اعلان هذا الموقف الاميركي المتشدد بعد ايام قليلة من انتخاب اسحق رابين زعيماً لحزب العمل، الذي تبدو حظوظه للتغلب على اسحق شامير في الانتخابات النيابية المقبلة اقوى من حظوظ سلفه شيمون بيريز. ويعتبر المراقبون في واشنطن ان ادارة بوش "تراهن على رابين وتحاول دعمه ضد شامير" على امل ان يؤدي فوزه في الانتخابات الى تأليف حكومة اتحاد وطني في اسرائيل والى تحقيق تقدم في المفاوضات العربية - الاسرائيلية. وقد اثار هذا الموقف الاميركي المتشدد ازاء قضية المستوطنات ارتياحاً عربياً وفلسطينياً. وقد حرص بيكر ايضاً على اعلان موقفه هذا في الوقت الذي بدأت الجولة الجديدة من المفاوضات العربية - الاسرائيلية في واشنطن. والجديد في هذه الجولة ان الوفد الاسرائيلي قدم مشروعاً يتضمن وجهة نظر حكومة اسحق شامير من مسألة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وهو رد على مشروع الحكم الذاتي الذي قدمه الفلسطينيون خلال جولة المفاوضات في كانون الثاني يناير الماضي. وقدم الاسرائيليون مشروعهم هذا بناء على طلب بيكر الذي الح عليهم ليردوا على المشروع الفلسطيني. غير ان المشروع الاسرائيلي احدث صدمة لدى الفلسطينيين فرفضوا مناقشته والدخول في تفاصيله، وذهب احد اعضاء الوفد الفلسطيني الى حد القول: "ان من قدّم هذا المشروع يستحق كسر عنقه". وأكدت مصادر مطلعة في واشنطن لپ"الوسط" ان المشروع الاسرائيلي يعطي حكماً ذاتياً "للسكان" الفلسطينيين في مجالات محدودة بينما تبقى اسرائيل هي مصدر السلطة في الضفة الغربية وغزة، وهي المسؤولة الوحيدة عن الامن. ويعتبر المشروع ان من حق المستوطنين الاسرائيليين البقاء في الضفة وغزة، ولا يتطرق الى انسحاب القوات الاسرائيلية من هذه الاراضي ويتجاهل موضوع "انتخاب" هيئة الحكم الذاتي الفلسطيني، ويعتبر ان من الضروري قيام "تعاون وتنسيق كاملين" بين هيئة الحكم الذاتي الفلسطيني والسلطات الاسرائيلية ويطالب بابقاء كل الروابط بين الاراضي المحتلة واسرائيل، ويشدد على ان هيئة الحكم الذاتي الفلسطيني لا سلطة لديها على المستوطنين الاسرائيليين. وذكر مصدر فلسطيني بارز لپ"الوسط" انه اذا لم يتدخل بيكر لادخال تغييرات اساسية على هذا المشروع الاسرائيلي، فلا يمكن التوصل الى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي حول الحكم الذاتي.