سلوى شقير روزفلت، رئيسة البروتوكول في البيت الابيض في عهد الرئيس السابق رونالد ريغان، هي اول اميركية من اصل عربي ورابع امرأة في تاريخ الولاياتالمتحدة تتسلم هذا المنصب الرفيع، وقد زارت اخيراً لندن لنشر كتابها الجديد "حارس البوابة" عن دار كوارتيث فكانت مناسبة ل"الوسط" للالتقاء بها واجراء حوار مطول معها عادت منه بالتحقيق الآتي: سلوى شقير روزفلت اسم يثير حشرية لمعرفة اللغز الكامن وراء تلك "التركيبة العائلية: شقير روزفلت"! وتستدير عيناك متى عرفت ان شقير روزفلت هي نفسها رئىسة البروتوكول في البيض الابيض. رافقت الرئيس ريغان في جولاته السياسية وزياراته الرسمية، حتى انها كانت من شهود العيان القليلين الذين حضروا التوقيع التاريخي للرئيسين ريغان وغورباتشوف الذي اعلن انتهاء الحرب الباردة. ترفع تقاريرها لجورج بوش وجورج شولتز وهي العين الساهرة على الوافدين من العالم الى البيت الابيض ، والعقل المنسق "للاجواء الديبلوماسية" التي تحيط بأهم القرارات والاتفاقات الدولية الصادرة عنه. في ذلك الوقت برز نشاط الاميركيين من اصل عربي وتشكلت نواة "لوبي عربي" عمل تحت اسم مجموعة "العرب من اجل ريغان - بوش" وبادر الى تنظيم حملات اعلامية كان لها تأثير فاعل بين ابناء الجاليات العربية. وقد ساهم فيها عدد من النافذين الاقتصاديين والسياسيين اللبنانيين والعرب المقيمين في المهجر الاميركي والوافدين اليه آنذاك. في هذه الاجواء كان لذكر اسم سلوى شقير روزفلت وقع له رهبة خاصة في الاوساط العربية - الاميركية التي كان ابناؤها بمختلف "اجيالهم التهجيرية" بما فيها جيل ال 1975 ابان الحرب اللبنانية، يطمئنون لوجود امرأة من اصل لبناني في موقع رسمي، مهم وحساس في الديبلوماسية الاميركية، وفي ذروة زمن كان فيه لبنان بأمس الحاجة الى مد الجسور مع العالم وبالذات مع الولاياتالمتحدة. لذلك لم يكن مستغرباً في المقابلة التي اجرتها معها "الوسط" اخيراً في لندن التي جاءتها للتوقيع على اولى نسخات كتابها "حارس البوابة" ان تقول "إنني كنت اشعر دائماً وعلى امتداد سنوات عملي في الديبلوماسية بأنني كنت املك جسراً مع كافة العوالم". ذلك انها تجمع في شخصها "تعددية" حضارية ثقافية وأثنية غنية، بعضها متأصل والبعض الآخر مكتسب. انها من أصل عربي اهلها من بلدة أرصون اللبنانية، ولدت وترعرعت في ولاية تانيسي الجنوبية، وساكنت شعوباً ومجتمعات متنوعة وغريبة بصفتها صحافية ثم زوجة ضابط رفيع المرتبة في وكالة الاستخبارات الاميركية، انتقل بحكم وظيفته وانتقلت معه الى تركيا 1951 - 1953 واسبانيا 1958 - 1961، ثم الى بريطانيا 1962 - 1967. كما قامت بجولات صحافية ميدانية في اميركا اللاتينية. فكأنما بذلك جمعت العالم من كل اطرافه. جمعها بزوجها أرشيبالد روزفلت جونيور، احد احفاد الرئيس الاميركي الراحل ثيودور روزفلت، اعتزازها بإرثها المشرقي وبأصولها وقيمها الحضارية الاولى. تقول "كان ارشي يعتبر من اهم الخبراء في شؤون الشرق الاوسط والعالم العربي. انه رجل ذو معرفة واسعة، يتقن العربية والفارسية والعبرية والتركية والروسية وغيرها. فكان الشريك الامثل بالنسبة الي لأنه كان فخوراً بكل ما احمله وامثله. كان كل واحد منا يكمل الآخر". وفي الحوار عادت مرارا للحديث عن زوجها الذي وافته المنية في العام 1990. وهكذا في كتابها حيث خصصت اكثر من فصل لتعيد شريط حياتها معه منذ اللقاء الاول، وكيف انه فاتحها بالزواج في اليوم التالي. كما تصفه "عقلا خصباً وموسوعة معرفة وقدرة على التسامح والتفهم بلا حدود الا في ما يتعلق بالمتزمتين والمزيفين. يجمع بين حكمة العاقل وحيوية الشباب". في حديثنا اعتبرت السيدة روزفلت ان حياتها "حفلت بالامور المثمرة" اهمها لقاؤها بزوجها الذي احاطها بخبرته وعلمه. وهو الذي جمع الثقافة والذكاء وروح المرح "التي كانت محوراً هاما في نجاح حياتنا الزوجية وسعادتها وفي تسهيل نجاحاتنا المهنية. كلانا كتب مذكراته، وهذا ليس امراً شائعاً بين الازواج. والجدير بالاهتمام هنا ان الكتابين كانا مختلفين، ليس لأننا نختلف بالآراء او وجهات النظر بل لأن تجاربنا الحياتية كانت تحتوي على تنوع غني. ومعارفنا واصدقاؤنا منتشرون في كل انحاء العالم". الاختلاف عن الآخرين ولدت سلوى شقير في مدينة كينغزبورت في ولاية تانيسي الاميركية حيث عمل والدها سليم شقير بائعاً جوالا بعدما هاجر من بلدة ارصون في المتن الاعلى في لبنان في اوائل القرن، ثم اسس فيها متجره الخاص حيث تلقت سلوى درسها "الديبلوماسي" الاول في كيفية التعامل مع الناس وفي قواعد "الاخذ والعطاء" وهي لم تكن تجاوزت بعد الثالثة عشرة من عمرها كما تروي في "حارس البوابة" وعلى الرغم من ذلك ظل منشأها البيتي "ارصونيا" الى حد بعيد. في "البيت اللبناني" تدربت على تحضير القهوة، وتعلمت اصول اللباقة في المحادثة وقواعد حسن الضيافة. وكبرت مع شقيقتها "كاي" في حي تقطنه اقليات متعددة. كان لأرثها وجهه الموجع والمظلم. فالصبية ذات البشرة المائلة الى السمرة، لم تكن تشبه مواطنيها. وبالتالي لم تنل الاعتراف الشرعي الكامل بأنها نموذج وطني صاف مئة في المئة! بقيت مميزة عن الآخرين. وفي "حارس البوابة" تتحدث عن ذلك فتكتب "ان تبدو غريبا باللون او المظهر عن المحليين وتكون بشرتك سمراء كما كان حالي في الثلاثينات والاربعينات في الجنوب الاميركي، واقع ينمي فيك شعوراً بالتأييد والمساندة لكل الذين يتعرضون لمغبات العنصرية واهاناتها". وفي مكان آخر تكتب عن تأثير ذلك على تكوين شخصيتها وتطوير حساسيتها تجاه الآخر "كنت دائما ارغب في اراحة الآخر، اسارع الى شرح الاختلاف بين اسمي واسماء الآخرين. نعم شعرت بالتفرقة العنصرية ولكن بمقدار قليل لأن والدتي كانت امرأة رائعة عملت المستحيل لترد عنا، أنا وأختي، اي موجة تمييز عنصري قد تنشأ حولنا. فكانت تدفعنا الى الدراسة والتحصيل العلمي لتبني فينا الحصانة ضد العنصرية". وتذكر الكاتبة الحفلات الموسيقية والمسرحيات التي حضرتها في طفولتها كالاوبرا الشهىرة "كارمن" وكانت في الحادية عشرة من عمرها، كما حفلة عائلة ترامب الغنائية التي خلد فيها "لحن الموسيقى" قصتها. وفي العاشرة من عمرها كانت تقرأ الكتاب الخالد "ذهب مع الريح" الى جانب كتب فلوبير ودوما وتولستوي وشكسبير والالياذة لهوميروس. في حديثها الى "الوسط" تعبر عن ذلك قائلة: "أحبنا الجميع في محيطنا واحترمنا وذلك بفضل والدين وفرا لنا بيتاً آمناً. وكانت امي نموذج الام اللبنانية التي تقيم المائدة لاكثر من ثلاثين شخصاً وتحضر في الوقت نفسه دروسها لنيل شهاداتها الجامعية التي حصلت عليها وهي في العقد الرابع من عمرها. هذا التحدي ورثته! لكن الحياة بالنهاية كلها تحد. الاهم يكمن في ان يصنع المرء افضل ما يمكن بما عنده". وتعقب قائلة: "اعتقد ان اللبنانيين يتقنون ممارسة لعبة البقاء هذه والنخوة مستمرة فيهم بالوراثة اذ انهم باتوا معروفين بتشبثهم بالحياة وقدرتهم على الصمود ورغبتهم في البقاء والتطور. وقد اثبتوا ذلك مرة اخرى في الست عشرة سنة الاخيرة". وفي احدى صفحات كتابها نجدها تدوّن: "خلال عملي في البيت الابيض لم يشر يوما الى اصولي العربية او يذكر عنها الا بكل احترام وتقدير". رغم ذلك لم يخل مسارها الديبلوماسي في البيت الابيض من بعض هواة سياسة الغمز واللمز كمن اتصل بمكتب حزب الجمهوريين يوم تعيينها رئيسة البروتوكول ليعترض على اصولها العربية! في كتابها "حارس البوابة" كما في حديثها الى "الوسط" تركز سلوى شقير على الثقافات المتنوعة التي اخذت منها افضل قيمها ورموزها. فأغنت فلسفتها الحياتية وبلورت العدىد من مفاهيمها المهنية واصول تعاملها "الديبلوماسي". وأتى التحاقها بمعهد "فاسار"، الذي يضم اصحاب الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية، تجسيداً لرغبتها في ان تكون "جزءاً من تيار ثقافي عقائدي بدأ يقوى في الولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ورأى فيه الكثيرون بعثاً لروح وطنية اميركية، في هذا المعهد تخرجت عربية واحدة قبل دخول شقير اليه هي نجلاء عزالدين التي تربطها بها صلة قرابة. وكان المعهد العتبة الاولى لدوائر النجاحات التي دخلتها ابنة "تانيسي" في طريقها الى البيت الابيض. في "فاسار" تعرفت على شخصيات بارزة كجاكلين بوفييه التي اصبحت في ما بعد جاكلين كنيدي ثم جاكلين اوناسيس والتي تصفها الكاتبة "بالشخصية المتواضعة والموهوبة أدبيا والتي شهدت شهرة متوهجة لا مثيل لها ومأساة تراجيدية يصعب التعبير عنها بالكلام". اما سلوى شقير فتخرجت حاملة شهادة امتياز في العلاقات الخارجية واستطاع هذا المعهد خلال عامين ان يحولها من صبية جنوبية شرهة في مطالعاتها، غير واثقة بنفسها ومكبلة بكل انواع العقد الاثنية الى امرأة رفيعة الثقافة. رئيسة البروتوكول وتروي الكاتبة انه عندما اتصل بمنزلها في واشنطن مايكل ديفير، ابرز معاوني الرئيس ريغان لابلاغها قرار تعيينها رئيسة التشريفات في البيت الابيض كانت في البرازيل تبتاع من احد اسواقها خرزة زرقاء توركوازية استحوذت على انتباهها حفر على ظهرها بالاجنبي حرف "أل" "L" اتسمت بها خيراً واعتبرتها مؤشرا لحظ آت لا سيما ان الحرف المحفور هو ذاته الحرف الاول للقب كانت تدعى به: "لاكي" اي المحظوظة. شغلت سلوى "لاكي" روزفلت منصب رئيسة البروتوكول من العام 1982 حتى 1989. كان عهدها اطول عهد في تاريخ هذه الدائرة، وهي تحمل الرقم الثاني عشر في سلسلة رؤساء البروتوكول في البيت الابيض. كما كانت المرأة الوحيدة في العالم التي ترأس التشريفات. اما زملاؤها في الدول الاخرى فكانوا جميعهم رجالا. شغل منصبها اربع نساء فقط في الولاياتالمتحدة. وهي معتزة اليوم لأنها نجحت في فتح الطريق امام النساء للتربع في هذا المنصب. وتسارع الى القول "ان الكنديين عينوا اخيراً امرأة رئيسة لدائرة تشريفاتهم". وفي "حارس البوابة" تفرد الكاتبة لهذه الميزة النسائية فصلا كاملا بعنوان: "وجودي كامرأة" كتبت في احدى صفحاته: "التحدي الاكبر في عملي وربما الفرحة الكبرى بل مغامرة المغامرات كانت في كوني امرأة تترأس هذا المركز". أهي ناشطة في صفوف الحركة النسائية او متحمسة لمبادئها؟ تكاد السفيرة تقفز من مقعدها لتجيب: "انني لست من النساء المعاديات للرجال. بل احب الرجل واحترمه. واعتقد ان كل واحد منا يصب في الاعمال التي يقوم بها طاقة وجهداً واسلوباً يختلف بها عن الآخر. هناك دور للنساء وآخر للرجال. في الوقت نفسه اؤمن بأن المرأة تستطيع القيام بالاعمال التي يقوم بها الرجل. اعتقد انه بامكان العالم ان يدور بشكل افضل اذا كانت المساواة فيه بين قدرات الرجل والمرأة مصانة. بالنهاية النساء هن الامهات اللواتي ينشئن ابناء مثقفين ومنتجين فإذا كانت الام جاهلة فكيف يستطيع الولد ان يتعامل وتطور العالم الخارجي؟!". رؤية سياسية غير متفائلة وعن السياسات الدولية تقول "ان هذا الزمان غير مستقر، بات كل شيء فيه غير واضح. في زمان الحرب الباردة كنا نعرف اين يقف اعداؤنا واين يقف حلفاؤنا، كنا نمتلك نوعا من الوضوح. اليوم ربحنا الحرب الباردة، واود هنا ان اشير الى ان العالم بأجمعه ربح تلك الحرب، لأن الديموقراطية والحرية هما المنتصرتان. وانا لست من التيار الذي يروج بأننا نحن الاميركيين الذين ربحنا تلك الحرب. اما ما نتج عنها من عودة روسيا وأوروبا الشرقية الى الاسرة الدولية فإنه لحدث سار. ولكن السؤال الذي يثير القلق في النفوس هو كيف يمكن استيعاب كل هذه الدول الضخمة والشاسعة الواسعة. لا شك ان مرحلة الانتقال هذه من المسائل الصعبة والدقيقة. لا شيء معروف. وان هذا الشعور بعدم الوضوح هو الجانب السلبي والمزعج لهذا الموضوع". رأيها هذا ذكرني بما دونته في احد فصول كتابها عن حديث جرى بينها وبين الرئيس الصيني لي بانغ اثناء زيارة له الى الولاياتالمتحدة حين قال لها: "العالم ليس كما يراه الاميركيون او يرغبون في ان يكون. وهو ليس فقط تغيير المعادلة روسيا - اميركا. الحقائق الجديدة على خريطة القوى في هذا العالم هي الصين واليابان واراضي اوروبا الشاسعة الواسعة". أقفلت الكتاب لأعود واسأل السفيرة وجها لوجه عن تلك الخريطة الجديدة وعن قصة "النظام الجديد" وعن مقولة المرحلة بأن "الولاياتالمتحدة شرطي العالم". هنا ايضا اخفضت رئيسة البروتوكول السابقة شعلة تفاؤلها. فهي ترى ان "المهمة رهيبة وتعد من المهمات الكبرى. فالقيم التي ترمز اليها الولاياتالمتحدة تاريخيا والتي تسعى الى تحقيقها، وهنا لا اقول اننا استطعنا دائما ان نكون على مستوى هذه الطموحات والآمال، بالنهاية لسنا الا بشر، تلك القيم والمبادئ ليست امراً سهلاً. اعتقد ان إرساء ديموقراطيات في العالم اليوم وفي دول حرمت منها لسنوات خلت، عمل في غاية الصعوبة. هل نتمكن من القيام بتلك المهمة؟ لا اعلم. ارى اننا نعيش اليوم في الولاياتالمتحدة اجواء غريبة متلبدة قليلا. فنحن غير مسرورين او راضين على "واشنطن" - هكذا نسمي حكومتنا هناك - ولا نعتقد ان الكونغرس يقوم بالاعمال التي يجب ان يقوم بها. فنحن نعاني من أزمات عدة، ربما اهمها العجز الكبير في الميزانية ولا اعتقد ان هذه المسألة او غيرها ستجد حلولا او طرق معالجة لها قبل الانتخابات المقبلة. لذلك سنكون في اجواء عكرة حتى تشرين الثاني نوفمبر المقبل. ورشة العمل هائلة ولست متأكدة من اننا نعي او ندرك مدى اهمية كل خطوة نقوم بها. ولم يعد بحوزتنا اليوم الموارد التي كانت لدينا سابقاً لنزيد مثلا دعمنا للمؤسسة العسكرية في لبنان فتمسك زمام الحكم في البلاد. ثم هناك مسألة يوغوسلافيا هل ندخل او لا؟ كل هذه الامور تثير جدلا عارماً في الاوساط الاميركية". والحالة هذه ماذا يمكن ان تقوله بشأن مسألة الشرق الاوسط و"موسم" المفاوضات، فرميت السؤال: "أمتفائلة أنت بالسلام في الشرق الاوسط؟". تعيد السىدة شقير نص السؤال كفاصل تحضر به السامع لاجابة تحمل صعوبة اكبر من السؤال نفسه: "متفائلة بالسلام في الشرق الاوسط؟"... ليتني كنت... لا اعلم. ربما كنت اكثر تفاؤلا بالوضع في لبنان بمعنى ان الامور فيه قد تتحسن للافضل". قلت: والشرق الاوسط قصة اخرى! "إنها المهمة الكبرى التي تقع على عاتقنا. وكما تعرفين ان الرئيس جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر رغبا فعليا باجراء محادثات السلام. وهما يدفعان بكل جهد لديهما، لكن الامر في غاية الصعوبة. فالمصلحة او الرغبة بسلام في المنطقة ليس امراً تجتمع عليه الاطراف بالنسب نفسها. وهناك عوامل اخرى لها تأثيرها ايضا. مثلا اي نوع من حكومة اسرائيلية ستمسك زمام الامر في المراحل المقبلة؟ من سيكون رئيسا للولايات المتحدة. السفيرة "العربية" وكأن العالم يقفل عليك كل بواباته! ازاء تلك اللوحة السياسية الدولية التي تمليها عليك خبيرة في شؤون الديبلوماسية الاميركية ومن اصل لبناني وتتكهن بها "اجواء" دورته المقبلة، يفلت منك هكذا شعور معلق بحبال الهواء تندفع باقتراح مجاني لتلك الخبيرة التي تملك "جسراً مع كل العالم" وتسألها: الا تستطيعين ان تلعبي دوراً بناءً في زوبعة تلك المنطقة كأن تتسلمي منصبا ديبلوماسيا في لبنان مثلا؟ فاتني انها اجابت عن ذلك في الكتاب. فذكرتني وتابعت: "ان كلفت بتسلم مهمة ديبلوماسية في لبنان سأرفضها. لأنني اعتقد ان الناس يظلمونك غالبا في هكذا ظرف. وهذا موقع أرى انه من الصعب علي ان اقبل نفسي فيه. عندها قد افضل معالجة قضايا اسبانيا مثلا لأنني اعرف اسبانيا واتقن الاسبانية". تتوقف قليلا لتستطرد قائلة: "لقد خبرت تماما هذه البدعة التي تسمى "الخلفية الاثنية" وكيف تستعمل وسيلة لتفسير او تحليل دوافع الاخرين. وانني اعتبر هذا الامر غير محق او جائز". لا شك ان مسألة الهوية عند سلوى شقير روزفلت يأخذ حيزا وفيراً في مذكراتها. وعلى صفحات كثيرة في "حارس البوابة" تعود الكاتبة الى "عامل" الاصول وإرث الاجداد والخلفية البيتية - العائلية وتلحظ مدى تداخلها في حبكة اهم محطات حياتها وبلورة جوانب عديدة من فلسفتها. في كتاب سلوى شقير جعبة من الملاحظات والاشارات والتعليقات جميعها يتمحور حول "النصف الاثني" الآخر لهويتها. وقد تسترسل الكاتبة احيانا كثيرة فتخصص مقاطع وفيرة للحديث عن لبنان او حضور العرب السياسي في المهجر الاميركي. في الخمسينات بعد زيارة الى لبنان تكتب الى احدى قريباتها: "باختصار وجدت ان لبنان مبني على اسس اقتصادية غير صحيحة ويبدو ان حدوث أزمة فيه بات قريبا. فبدل ان تنفق اموال البلاد على الاساسيات تذهب الى شراء السيارات والكماليات. والبلاد لا تنتج شيئاً، وكل بضائعها مستوردة. سياسيا الفساد يعم في اوساط اهل النظام الذين ينفخون جيوبهم على حساب الشعب". ولا ينقطع التواصل في الوجدان "اللبناني" عند سلوى شقير روزفلت. فهي تعي معاناة البلد الذي "تحول الى رمز عالمي للفوضى"، ولكنها تقول "اذا كانت الحرب والنزاعات الدينية استطاعت ان تهدم بلداً عريقاً كلبنان، فيجب الا نرضخ". "الوجه العربي" في هويتها الاميركية كان عاملا مؤثراً في تسيير مهامها الديبلوماسية كما عند تعاملها مع الرسميين الاسرائيليين، اذ تكتب: "كان هدفي ان اظهر للاسرائيليين مدى رقي قيم اجدادي وفضائلهم العريقة في الضيافة والذوق ودفء العاطفة وعزة النفس. وكانت فرصة ذهبية لاثبت عبر هذه المعاملة المترفعة انه بمستطاع مواطنة اميركية من اصل عربي تحتل منصباً بروتوكوليا رسميا ان تكون كأي اميركي آخر". ولا تتعثر سلوى شقير روزفلت بثنائية هويتها رافضة القلقلة التي تثار حولها، وقد حرصت على توضيح ذلك في حوارها ل"الوسط" قائلة: "لا اعتبر نفسي عربية - اميركية. إنني اميركية. احمل كل مفاهيم تلك الشخصية واحكامها وانفعالاتها. لكنني في الوقت نفسه احمل كل الاعتزاز بأصولي وجذوري الاولى". ربما كان ذلك في بعض الاحيان اكثر من اعتزاز اذ تكتب في "حارس البوابة" وعن حملة الاعلام الاميركي التي تحاول باستمرار تشويه صورة العرب و"الاجهاز على انسانيتهم وتجريدهم منها" تكتب: "ربما العرب هم المجموعة الوحيدة التي تتعرض لحملات تسخيف وتهكم في الولاياتالمتحدة. فهم يصورون على انهم ارهابيون ومباح بالتالي "تصريف" وجودهم وعدم الاعتراف بهم، وهم لا يستحقون اي نوع من الاهتمام او التأييد"، لكنها تعود فتذكر القارئ بأن "الارهاب ادخل الى الشرق الاوسط على انه وسيلة تحرير وطني وشامير من ممارسيه البارزين". اين تقف رئيسة البروتوكول من كل هذا؟ تجيب في كتابها: "لقد عانيت شخصيا من هذه الاحكام المسبقة ولكنني البس عباءة آل روزفلت الواقية، اما اصدقائي واقاربي فلا يتمتعون بهذا الامتياز لذلك اتحدث باسمهم". وفي الميدان الشعبي الاميركي لا تعمل السيدة روزفلت "عربيا" فالعروبة مقتل، كما عبرت عنها في كتابها "قبلة الموت"، بالنسبة لمسار اي مسؤول او موظف رسمي في البيت الابيض. وهي لا تنتمي الى اي تجمعات عربية - اميركية باستثناء مجموعة "تضم حوالي مئتي اميركي من اصل لبناني يجتمعون مع الاداريين والمسؤولين في البيت الابيض لاثارة وبحث كل المواضيع المتعلقة بلبنان والحث على دعمه وتقديم العون المطلوب له. فهناك جالية لبنانية ضخمة ومن المتوجب على اعضائها تمثيل وطنهم الام والدفاع عن ارض اجدادهم". اما نشاطات الجاليات فترى فيها "تقدماً وحركة اذ اصبح للاميركيين من اصل عربي موقع ومنبر على الساحة، ولكن دون دور فعال كلوبي عربي خصوصاً بالمقارنة مع اللوبي الاسرائيلي او اليهودي المتفوق. "وحتى اللوبي التركي او اليوناني كلاهما اقوى من اللوبي العربي". اما بالنسبة لابنة "تانيسي" المتأصلة من ضيعة ارصون في الجبل اللبناني والتي كلما قطعت قمة نجاح وعز في "الوطن الاميركي" تراءت لها قمة اخرى حتى وصلت الى البيت الابيض، فقد حان وقت "النقلة النوعية" الاخرى: تقول في ختام حديثها ل"الوسط": "لقد عملت في الصحافة وفي الدولة وصرت كاتبة. لكنني اليوم مهتمة اكثر بما يجري في عالم ال "بيزنس" فعالم الاعمال والاقتصاد ما زال مجهولا بالنسبة الي. وهذا لا يليق طبعاً بلبنانية او ذات اصول لبنانية مثلي". تضحك عند استفاق الارث "الميركانتيلي" العتيق في ملاحظتها تلك ثم تخبرني عن مشروع كتاب آخر لم تقرر بعد صيغته التي تتأرجح بين ان تكون "قصة او مقالة". ختاماً اسألها: هل من جولات في الافق او نشاطات ديبلوماسية عبر الحدود؟ تعود الى وجهها ملامح "الديبلوماسية الباطنية" الدافئة التي طالما اتقنتها وتمازح قائلة: "لقد قالت لي والدتي ان الوقت حان لاستقر في بيتي وعلي ان اسمع كلامها!". فهل فتحت سلوى شقير روزفلت باب التاريخ لتقوم بالدور "المكتوب" لها وتحدث الزوابع التي تريد ومن ثم تغلقه وتخرج من مداره؟! يبدو انها مصرة على ان تبقى خارج دورة الزمن الدولي المقبل "زمن غير مستقر ولا مستتب!" كما قالت. * "حارس البوابة - في كواليس البيت الابيض"/ سلوى "لاكي" روزفيلت/ دار نشر QUARTET BOOKS/ لندن/ 1992/ISBN070437008 5.