باريس هي إحدى أكثر العواصم الغربية اهتماما وبالتالي اطلاعا، على ما يجري في الجزائر. "الوسط" التقت مصدرا فرنسيا مسؤولا، معنيا مباشرة بمتابعة أخبار الجزائر وتحليلها ورفع تقارير عنها إلى الجهات العليا، طرحنا عليه مجموعة من الأسئلة: * إلى أين تسير الجزائر بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف وتعيين علي كافي خلفا له؟ * هل تتخوف فرنسا من وقوع الجزائر في حالة عامة من الفوضى؟ * هل القوات الجزائرية المسلحة متماسكة أم لا؟ وقد وافق المصدر الفرنسي المسؤول الرد على هذه الأسئلة واطلاع "الوسط" على ما لدى المسؤولين الفرنسيين من معلومات، شرط عدم ذكر اسمه. يلاحظ المصدر الفرنسي أن اغتيال الرئيس محمد بوضياف عاد بالجزائر إلى المحطة التي كانت فيها يوم 11 كانون الثاني يناير مع فارق مهم هو أن الوضع ازداد تدهورا بحيث ظهر أن الدولة "لا تمسك بخيوط الوضع في يديها". الجزائر اليوم تجد نفسها في مواجهة الأسئلة ذاتها التي واجهتها عند تشكيل المجلس الأعلى للدولة واستدعاء بوضياف لترؤسه. يعتبر المصدر الفرنسي أن المشكلة لا تكمن بتاتا في شخصية من يخلف بوضياف على رأس المجلس الأعلى للدولة، ولكن في ما يريد أن ينفذه من سياسة وفي هامش الحرية الذي يتمتع به، أي في المشروع السياسي الذي يحمله وفي الوسائل المتوافرة لديه. ويؤكد المصدر الفرنسي أن مصدر القلق الفرنسي قائم في "تخوف باريس" في أن يتم الاعتماد على العنف والقمع سياسة وحيدة تحل محل الحوار الذي تدعو إليه فرنسا باستمرار بين الحكم الجزائري وخصومه من القوى السياسية التي تقبل الحوار معه". ونسأل المصدر الفرنسي عما إذا كان تعيين علي كافي خلفا لبوضياف على رأس المجلس الأعلى للدولة يعني انه يمكن انتظار بعض التغيير في السياسة المتبعة حتى الآن إزاء جبهة الإنقاذ الإسلامية؟ فيجيب المصدر الفرنسي بأنه " ليس ثمة ما يدفع إلى الجزم بان الهيئة العسكرية في الجزائر التي رفضت مرة أخرى أن تحتل واجهة المسرح السياسي مفضلة دفع مدني إلى رئاسة المجلس الأعلى حرصا على انسجامها وعلى صورة الجزائر الخارجية، مغلقة تماما على أي نوع من أنواع الحوار. ثمة حدود وشروط يفرضها الجيش ويقبل الحوار من صمنها". لكن المصدر الفرنسي يريد التزام جانب الحذر حتى تظهر أولى معالم الاستراتيجية السياسية الجديدة التي ستسير عليها السلطات الجزائرية. وإذا كانت أولى تصريحات الرئيس الجديد تشدد على ضرورة "فرض هيبة الدولة" مما يظهر أن القوات المسلحة عازمة على الاستمرار بتطبيق سياستها الأمنية، إلا أن السلطات الجزائرية فتحت بالمقابل خط الحوار مع التشكيلات السياسية وذلك على أعلى مستوى، ومن ذلك الاجتماع الذي جرى بين اللواء خالد نزار وزير الدفاع وعضو المجلس الأعلى للدولة وعدد من الشخصيات السياسية والحزبية القيادية في البلاد. وفي رأي المصدر الفرنسي أن هذه الاتصالات قد تكون مقدمة لبدء حوار وطني بين الأحزاب والسلطة. ولا يستبعد المصدر الجديد، على رغم أنه كان جزء من النظام الذي حكم الجزائر منذ الاستقلال، أكثر مرونة من بوضياف الذي أراد أن يحاور الشعب فوق رأس الأحزاب التي كان يقول عنها أنها لا تمثل سوى نفسها. ونطرح على المصدر الفرنسي الرسمي سؤالين اثنين: هل الجزائر معرضة للغرق في حال من الفوضى؟ وهل لها مخاوف من انفراط عقد القوات المسلحة؟ ويجيب المصدر الفرنسي على السؤال الأول بان اختيار كلمة "فوضى" ربما لا يكون مناسبا تماما. ذلك أن "الدولة الجزائرية قائمة" وان كانت الآليات السياسية معطلة، كما دل على ذلك اغتيال بوضياف واستمرار أعمال العنف السياسي وتعطل الحوار واهتراء الآلة الإنتاجية. أما بخصوص الجيش، فيلاحظ المصدر أن دوره حاسم في الجزائر حيث مستقبل البلاد مرهون بخياراته. وفي رأيه أن القوات المسلحة وقوات الأمن بشكل عام قابلة للتأثر بما يجري خارج الثكنات، خصوصا في مستوياتها الوسطى والدنيا، الأمر الذي تعكسه عمليات الفرار من صفوف القوات المسلحة والالتحاق بالإسلاميين ومشاركة بعض العسكريين الفارين في عمليات إرهابية. مهما يكن من أمر، فان المصدر الفرنسي يعود ليؤكد قلق حكومته من الوضع الجزائري ومن تعطل الحوار الذي يعني غياب الحد الأدنى من التوافق على مشروع عام لإنقاذ الجزائر يوضع بمشاركة كل المكونات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمجتمع الجزائري. " القمع وحده لا يكفي ومن الضروري أن تفتح أفاق جديدة أمام الجزائريين". ويؤكد لنا المصدر أن فرنسا حريصة على تسهيل عملية التحديث الاقتصادي في الجزائر التي تقترب من النجاح بمقدار ترافق الخطط الإصلاحية مع جو سياسي واجتماعي غير متشنج، أي عن طريق إقامة هذا الحوار الوطني الموعود. في رأي المصدر الفرنسي أن بدء الحوار سيفهم على انه إشارات إيجابية للمستثمرين الذين يترددون في الذهاب إلى الجزائر بسبب الغموض الذي يلف الوضع السياسي. ونقول للمصدر انه إذا كانت فرنسا حريصة على مساعدة الجزائر فلماذا ترفض إعادة جدولة ديونها العامة؟ الجواب الفرنسي على هذا التساؤل، أن فرنسا هي رئيس نادي باريس ولا يمكنها أن تنتهج سياسة متفردة عن الآخرين، خصوصا أن النادي المذكور غرضه تحديد سياسة موحدة لكل الأطراف الدائنة، وبالتالي لا يجوز لفرنسا أن تعمد إلى جدولة ثنائية للديون الجزائرية العامة. غير أن الحكومة الفرنسية مستعدة للوقوف إلى جانب الجزائر إذا رغبت في إعادة جدولة عامة مع كل أعضاء نادي باريس.