سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
معتبراً ان "لا معنى" للعلمنة في الجزائر . رضا مالك ل "الحياة" : الخوف السياسي انتقل الى الطرف الاسلامي الوضع صعب ... والحكومة السابقة لم تقم بالمبادرات اللازمة
انتقد رئيس الحكومة الجزائرية السابق السيد رضا مالك حكومة احمد بن بيتور، متهماً اياها بعدم القيام بالمبادرات اللازمة. وتحدث عن دور الجيش في تعيين الرؤساء الجزائريين. واعتبر ان العلمنة "لا معنى لها" في الجزائر، مبرراً فشل الوئام المدني في النقص المسجل في التطبيق ومعتبراً ان "الخوف انتقل الى الطرف الاسلامي". واكد "ان العربية لا خوف عليها ولا على مستقبلها في الجزائر". رضا مالك رئيس "التحالف الوطني الجمهوري" وعضو في حكومة بن بيتور، وشغل منصب رئيس المجلس الاستشاري في عهد الرئيس محمد بو ضياف ثم رئيس حكومة، وعضو في المجلس الاعلى للدولة، وهو من المقربين من الرئيس عبدالعزيز بو تفليقة. "الحياة" التقته، وكان هذا الحوار: يقال ان المشاركين في مفاوضات ايفيان مع فرنسا اجّروا الصحراء، وبصفتكم واحداً منهم، اخبرنا القصة؟ - مدة الايجار ست عشرة سنة، ولما استقلت البلاد، طالبنا فرنسا بالانسحاب، ورفضنا بقاءها لما عرضت علينا ذلك، قلنا: لن نقبل ولا نأخذ فرنكاً واحداً منها. تركنا لكم الصحراء 16 سنة ويكفينا اليوم ان تغادروها. واكرر لم نأخذ فلساً واحداً، وعبدالعزيز بو تفليقة لا يزال حياً وقد حضر المفاوضات بعد الاستقلال، وكان ممثل الفرنسيين وزير المال دوبريه. ذهب وفدنا الى باريس التي عرضت عليه ما تفضلت به انت عن الاموال. فأجاب الوفد انه لا يطلب اي شيء لأن الجزائر دولة تنتمي الى مجموعة عدم الانحياز، ولا تستطيع ان تقبل بوجود قواعد عسكرية على ارضها. المعروف ان بعض قياديي الثورة رفضوا توقيع اتفاق ايفيان؟ - تلك مشكلة اخرى تعد من المشكلات الداخلية. كان مجرد صراع داخلي. هواري بومدين كانت له فكرة تفيد ان لا بد من حل المشكلات الداخلية اولاً، ونحن كنا نرى ان استقلال الجزائر فرصة يجب ألا تضيع، لأن الأزمات الداخلية كانت قائمة عام 1954، وفي ايام الثورة وبعدها، وهي لا تنتهي، ولا يمكن ان تجعل حلها شرطاً للدخول في مفاوضات، والبلاد تنتظر منا حل المشكلة مع فرنسا، وبعدها نتفرغ بعضنا لبعض ونحل ما نريد حلّه. وانا شخصياً كنت ارى ان لموقفه هذا ابعاداً سياسية داخلية، وكان الى جانبه علي منجلي وآخران وكانوا جميعاً ضد التوقيع، وليس ضد المحتوى قط، انما ضد الاجراءات الشكلية، لان ما قدمناه لم يكن الاتفاق نفسه وانما مشروع الاتفاق، والخطوط العريضة للمفاوضات هي التي قدمت للمصادقة عليها حتى نواصل اتمام المفاوضات لغاية المرحلة الأخرىة. وفعلاً، فإن هؤلاء الاربعة احتفظوا بأصواتهم لغاية المرحلة الاخيرة. وفعلاً، فإن هؤلاء الاربعة احتفظوا بأصواتهم، لكن بومدين قال: يا جماعة اذا وصلنا الى مرحلة التطبيق فنحن نطبق، ونحن نمشي مع الغالبية على رغم احتفاظنا بأصواتنا، الا اننا نخضع لقانون الغالبية. بالنسبة الى التفجيرات النووية في الصحراء، هل اعطيت الموافقة عليها قبل الاستقلال ام بعده؟ - الموافقة وقعت قبل الاستقلال. ولماذا اخفت السلطات الجزائرية خبر استغلال فرنسا المناطق الصحراوية، ولم تفصح عنها الا في السنوات الاخيرة؟ - ايامها كانت هناك اختلافات، وكانت ستثار عليها ضجة اعلامية عالمية على مستوى الجزائر وافريقيا وغيرهما. عشت كل مراحل الثورة وما بعدها، وتعد مرجعاً اساسياً لتاريخ النظام الجزائري منذ الاستقلال حتى اليوم، او بعبارة اخرى عشت مرحلة بن بلة وبومدين والشاذلي بن جديد وكنت رئيساً للمجلس الاستشاري والحكومة وانت الآن في السلطة، بالنسبة اليك ما هي افضل مرحلة عشتها؟ - هذا السؤال ادبي لا سياسي. لكل مرحلة مميزاتها. طبعاً كانت هناك مرحلة استقرار ومرحلة بناء لاننا لا نريد استقلالاً يتمثل في رفع العلم الجزائري يرفرف عالياً لكنه فارغ المحتوى، وهو ما اعطى الثورة الجزائرية قيمتها، لان المحتوى الحقيقي لها، يتمثل في كون شعبها الذي لم يكن عنده اي شيء، ونهبت خيراته وثرواته من العام 1830 الى حين الاستقلال وهو اعزل امام المستعمر، رفض الاستقلال والسيادة الشكلية. لذا وضعنا برنامجاً كنت فيه وبن بلة وآيت احمد وتوصلنا الى حل هذه المشكلات ليس بواسطة العنف، وانما بالتي هي احسن. وشيئاً فشيئاً تحقق ما كنا نريده، يومها كنت سفيراً في فرنسا وكنا نتكلم مع ديغول، نقول له: لو نحول المرسى الكبير ورشة بحرية كبيرة لتصليح الاجهزة والبواخر. لكن رده كان: أولاً ان العالم كله اصبح يملك مثل هذه الورش، وبالتالي لا فائدة اقتصادية منها، وثانياً هذه القاعدة بحرية وهي مضادة للنووية ولا يمكن تغييرها في سهولة، واذا غيرتموها لن تصلوا الى نتيجة مهمة. لذا كنا نطالب بالتعاون معهم في هذا الميدان، الى ان وصلت طلباتنا الى درجة قال لنا اثناءها انه اصبح يدرك ان هذا الحكم سيؤدي به الى الانسحاب قبل السنوات الست عشرة المحددة في الاتفاق، وطبعاً اصدر مرسوماً نص على ان قاعدة المرسى الكبير ليس لها اي بعد استراتيجي، لذا نحن نتخلى عنها. يقال ان بومدين قبل ان يقوم بالانقلاب في 5 حزيران يونيو 1965 مرر رسالة الى فرنسا لتوافق عليه واخرى الى الولاياتالمتحدة الاميركية. - لا. ابداً، انا يومها كنت سفيراً في فرنسا، وبعدما وقع ما عرف بالتصحيح الثوري، ارسلني بومدين سفيراً الى المغرب، ولما استقبلني الملك الحسن الثاني افهمته اسباب هذا التغيير وابعاده وعلاقته بالمغرب... اما كون فرنسا شاركت في الانقلاب او اعلمت به، فهذا امر لم يحدث قط. بالنسبة اليك هل كانت مرحلة حكم بن بلة تقتضي القيام بالانقلاب، لأنها كانت فاسدة وغير صالحة؟ - كانت الامور تتدهور يوماً بعد يوم على رغم وجود شعارات لا بأس بها، لكن المشكلة ان تنظيم الدولة كان تعباً جداً. بعد موت بومدين، لماذا اختارت المؤسسة العسكرية الشاذلي بن جديد ولم تختر عبدالعزيز بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي؟ - هذه من البديهيات ان يرشح العسكري الاقدم والاعلى رتبة. يومها لم يتوافر هذا الشرط إلا في الشاذلي بن جديد. قال لي الجنرال رشيد بن يلس ان الجيش لم تكن له اي علاقة بتعيين الرؤساء في 1992 حين بدأ يحكم، اما قبل فكان الامر تابعاً لجبهة التحرير الوطني. هل هذا صحيح؟ - الجيش هو الذي اختار الشاذلي، والمسؤولون آنذاك زكوه. هل توقيف المسار الانتخابي كان ضرورياً لخوفكم من الاسلاميين، أم كان ضرورة للبحث عن مشروع مجتمع بديل من المشروع الاسلامي؟ - الاثنان معاً: كان ضرورياً من اجل مشروع جمهوري، وضرورياً لتوقيف الزحف الاسلامي حتى يكون موقف الجزائر واضحاً، لاننا نريد جزائر الحداثة والعصرنة، ونتعامل مع العالم الذي نعيشه بكل وضوح. سمعت كلاماً من احد جنرالات المرحلة، انه توجه شخصياً قبل توقيف المسار الانتخابي الى السفير الفرنسي وابلغه بذلك، طالباً منه ألا تتضامن فرنسا مع الاسلاميين. هل فرنسا آنذاك كانت فعلاً متضامنة مع الاسلاميين؟ - فرنسا كانت مع الشاذلي بن جديد. هل كان الشاذلي مع الاسلاميين؟ - الشاذلي كان مع الاسلاميين حقاً. وكانت هناك تيارات ادت دوراً في ما يتعلق بسياسة فرنسا حيال الاسلاميين الامور يصعب إعطاء تحليل لها اليوم. لكنني اعتقد ان فرنسا بدأت نوعاً من التعاطف مع ظاهرة ما يسمى بالاصولية ليس لانها تحب هذا الاتجاه او ترغب في هؤلاء الناس، وإنما لانها تنظر اليهم كقوة للتدمير تستعملها في الوقت المناسب، كما استعملها الاميركان في افغانستان. حين كنت رئيساً للحكومة طلبت من الدول الغربية المساعدة للقضاء على الاسلاميين؟ - لا، نحن لم نطلب ذلك، لان عندنا سيادة، ولكن أوضحنا الخطة التي سنطبقها، لا اكثر، حتى لا تتدخل هذه الدول في شؤوننا الداخلية. المساعدة هي ان الغرب يعطيك اسماء الاسلاميين لتقبض عليهم؟ - هذه مسائل تدخل في إطار ما يسمى بالمصالح المشتركة، اذ كانت لدينا علاقات مع فرنسا ومع اميركا ومع كل الدول. ولما جاء بوضياف ارسلني الى اميركا فأوضحت لمسؤوليها اموراً وتكلمت معهم في ما كان يعرف بأسامة بن لادن وغيره. وبالنسبة الى الغرب فان مشكلة الاسلاميين مشكلة عالمية، وانا أوضحت الاستراتيجية الخاصة بمنطقتنا، لأن المساعدة التي قدمها الآخرون اليهم كانت عبارة عن تمويل له انعكاس معنوي ومادي. كان يشبه التسمم. كيف كان رد فعل الاميركان آنذاك؟ - حدثت لهم مشكلة، خصوصاً لما قلت لهم ان استعمالهم هذه القوى الاصولية هو بمثابة تدمير للانسان. فالاتحاد السوفياتي لما احتل افغانستان تدخل فيها ونصب حكماً شيوعياً او قريباً من الشيوعية، وانتم اليوم تستعملون هؤلاء الشبان الذين جمعتموهم من كل حدب وصوب، من باكستان ولبنان والجزائر وغيرها، بحجة التوجه الى الجح، ليجدوا انفسهم في اتجاه آخر. ألا يشكل هؤلاء الشبان في المستقبل خطراً عليهم؟ وماذا يكون مصير هؤلاء الذين علمتموهم استعمال المتفجّرات وغيرها من الاسلحة؟ وماذا ستفعلون بهم بعد غسل المخ الذي اخضعتموهم له. المرحوم بوضياف رشح سعيد سعدي لرئاسة الحكومة، فهل هذا صحيح؟ - لا، انها مجرد إشاعات. واسأل سعيد سعدي عن ذلك. سفير جزائري كان في دولة اوروبية قال لي: ان سعيد سعدي قال له سأعيّنك وزيراً، لان بوضياف عيّنني رئيساً للحكومة. لذا اريد ان اعرف هل طرح مثل هذا القرار على مستوى مجلس الدولة ام لا؟ - صحيح نحن كنا نعمل مع بوضياف، لكن هذه النقطة لا استطيع ان اجيبك عنها فأرجو المعذرة. عندما اغتيل بوضياف كان الاسم المطروح في الشارع وفي اوروبا رضا مالك رئيساً للمجلس الاعلي للدولة خلفاً له؟ - كان مجرد رأي لدى اشخاص يمثلون اتجاهات معيّنة لا اكثر. على اي اساس اختير علي كافي بالذات رئيساً للمجلس الاعلى للدولة؟ وهل كان اختياره من جانب المجموعة ام من جانب الجيش؟ - ماذا اقول لك؟ نعم الجيش كان له القرار. الجيش هو الذي تحمل مسؤولية تعيينه. هذا امر لا يمكن اخفاؤه. عام 1994، عندما طرح اسم بوتفليقة رئيساً للدولة وبدأت المفاوضات معه، هل ناقشتم كمجلس اعلى للدولة ذلك، ام كانت هناك اتصالات مباشرة بينه وبين الجيش؟ - اعتقد ان الجيش هو الذي اجرى الاتصالات مع بوتفليقة، ولم يكن لنا رأي في ذلك، ويمكنك ان تسأل علي كافي، فهو كان وقتها على رأس المجلس. لرضا مالك نظرية تهدف الى نقل العنف أو الخوف الى الطرف الآخر، في رأيك هل انتقل الخوف أو لا؟ - نعم انتقل. وانتقل في صفة واضحة. هناك اليوم امور تحدث، ونحن لم نقل قط ان الإرهاب سينتهي بين عشية وضحاها. واتضح ان سياسة الجماعات واستراتيجيتها فاشلة. قدرت سابقاً عدد الارهابيين في الجزائر ب12 الفاً. كم عددهم اليوم في رأيك؟ - انا لا اعطي ارقاماً، فهناك اناس متخصصون في هذه المهمة. نحن تهمنا الامور ذات المستوى السياسي فقط. والجزائر لا يمكن ان ينجح فيها هؤلاء العباد، لأنها بلد متطور، صنع ثورة وتاريخاً، واليوم يفكرون ان يقيموا ثورة اخرى مع اشخاص ليست لديهم خبرة او استراتيجية. هل معنى ذلك ان الوئام فشل؟ - الفكرة لا بأس بها، لكن التطبيق كان ناقصاً، فيه كثير من الجمود وكثير من النقائص. هل انت ضد العفو العام؟ - يا اخي، من قال لك إن هناك عفواً عاماً؟ ليس هناك عفو عام. الواقع ان الناس الذين حملوا السلاح طلب منهم وضعه، ولكن هذا لا يعني عدم النظر في ملفاتهم والتأكد من عدم اقترافهم جرائم واتباعهم التعذيب. ليس هناك عفو شامل وانما وضع للسلاح وتسليم الانفس، على ان ينظر في طريقة رجوعهم الى الحياة العادية. والمحكمة هي التي تفصل في ذلك. لذا نحن وافقنا على مسعى الرئيس الى الوئام المدني. يقول بوتفليقة عن الحكومة - وانت عضو فيها، انها اضعف حكومة عرفتها الجزائر منذ الاستقلال؟ - طبعاً، المرحلة صعبة جداً، والحكومة السابقة لم تقم بالمبادرات اللازمة لحل بعض المشكلات ذات الاهمية القصوى، ولا اعرف هل السبب نقص التجربة والحنكة ام نقص العزيمة والصرامة. في رأيك من هو السبب، رئيس الحكومة ام اعضاؤها؟ - كان يفترض برئيس الحكومة السابقة ان يؤدي دوره كما ينبغي. نحن لا نستطيع ان نتهم هذه الحكومة. فهي تعمل مقدار ما تستطيع لكن هناك بطئاً كبيراً، والناس بدأوا يفقدون الصبر لأن الوضع اصبح صعباً. حديث الشارع يقول ان الاتفاق بين مجموعة سعيد سعدي وجناح الغرب باء بالفشل؟ - هذه مجرد إشاعات. الاسلاميون الذين لا يملكون خطة سياسية واضحة يقولون ان بوتفليقة يعمل مع الديموقراطيين، وبالتالي يكون تخلى عن الاسلاميين الممثلين في الحكومة. مثلاً: اذا كنت انت تنتمي الى حزب اسلامي، واصبحت في الحكومة، اقول لك ان هذه الحكومة منبثقة في إطار دولة جمهورية عصرية، واذا قبلوا الدخول فيها والعمل ضمنها، فاياً تكن انتماءاتهم، لا بد من ان يسيروا وفق قوانين الجمهورية والدستور. اما اذا ارادوا "التخلاط" في امور اخرى، فالدولة ستبوء بالفشل، وهو ما قلته لمحفوظ نحناح والآخرين، لأن الجامع المشترك بيننا هو قوانين الجمهورية. الجمهورية اساسها القانون، فلماذا لم تعتمد حركة الوفاء؟ - هذه مشكلات سياسية محض، ونحن بالتجربة ادركنا ان الاحزاب التي قامت على اساس الشريعة والاسلام أوصلت البلاد والعباد الى المجازر والى امور لم تكن قبلاً في الجزائر، ولا تستطيع الوصلول اليها لولا هذه الاحزاب الاسلامية. اذاً، كان يفترض ان ترد عليه الدولة في شكل قانوني كأن تقول له: إن هذا الحزب مرفوض للاسباب التي ذكرتها الآن؟ - هذا السؤال يجب ان تطرحه على الحكومة. اما انا فأرى ان الاسلام لا تلاعب فيه، لان التلاعب سيؤدي بنا الى التهلكة والمثال قائم. فالانسان الذي يتمتع بوعي سياسي حقيقي وتهمه المصلحة العليا للبلاد، لا بد من ان ينتهج الاسلوب الصحيح، لاننا بلد مسلم وكلنا مسلمون ولنا اخلاقيات اسلامية لن تتغير مع الظروف. انا اتكلم على شخص اسمه الدكتور احمد طالب الابراهيمي الذي ترشح الى الانتخابات الرئاسية وكان في المرتبة الثانية بعد بوتفليقة، وعلى برنامجه. واليوم فجأة اصبح هذا البرنامج إسلامياً في نظركم. او لم يكن في إمكان السلطة الاعتراض على ترشيحه قبل الاعتراض على حزبه في مرحلة متأخرة؟ - هذه امور ككثير غيرها لا تتماشى مع القانون. ولكن، ويا للاسف الشديد، الدولة الجزائرية ما زالت ضعيفة، فلو كانت قوية وصارمة في تطبيق قوانينها لما كنا لنصل الى ما نحن فيه اليوم. هناك فوج من الصحافيين زار اسرائيل، وهناك فوج آخر سيذهب اليها في ايلول سبتمبر المقبل، وبيان الرئاسة واضح وهو إدانة هذا الذهاب. ماذا كان موقفك انت؟ - موقفي الشخصي معروف، حمله البلاغ الذي نشرته باسم التحالف الوطني الجمهوري. بلاغك ايد موقف السلطة؟ - لا، انا لم اؤيد موقف السلطة. وإنما هو رأي شخصي. انا قلت في البيان: اولاً في امور حساسة مثل هذه يجب ان يتصلوا بمسؤولي السياسة الخارجية، كما يحدث في كل الدول. عندما يقوم صحافي فرنسي او اميركي بتصرفات معينة، يسأل مسؤولي السياسة الخارجية لابداء رأيهم في ذلك، لان هذه الاجراءات يجب ان تصبح قاعدة وسنّة، بمعنى ان اي واحد يريد ان يعمل في الخارج لا بد من ان يطلب الإذن والمشورة من سلطات بلده. انا لست مع السلطة فهي حرة عندما وصفتهم بالخونة وبنعوت اخرى. اما موقفي انا فهو انهم لا بد من ان يستشيروا السلطات المعنية قبل القيام بتصرف كهذا. فلماذا هذا التسرع في الحكم عليهم؟ على الصحافي احترام حرية التعبير والتفريق بينها وبين الاختصاص الديبلوماسي وهذه من المشكلات الخارجية. هذا ما هدفت اليه من خلال البيان. في ما يتعلق بالتطبيع هل للصحافي الجزائري الحق في زيارة اسرائيل؟ - لا وألف لا. ولا يحق له إلاّ اذا كانت لنا معها علاقات. اما إذا اراد الذهاب من اجل الإطلاع على ما يحدث هناك، فليطلب المشورة من مسؤولي السياسة الخارجية ويقف على رأيهم في ذلك لأن التطبيع لم يحدث، وهذا ما يخصنا نحن العرب. زيارة بوتفليقة لفرنسا وسوء الفهم الفرنسي في ما يتعلق ب"الخونة"، هل يعنيان ان الزيارة باءت بالفشل؟ - لا، لم تفشل. فهناك امور مهمة واخرى لا اقول تافهة وانما هامشية. المهم ان فرنسا تعرف ان لا بد لها من علاقات متينة مع الجزائر وأقامت له استقبالاً مشرفاً ربما هذه الامور في بلادنا ليست لها اهمية، لكن عندهم هم لها اهمية كبرى وبعد سياسي، كأول رئيس جزائري يزور فرنسا ويتحادث مع المجموعة الفرنسية، وهو امر له اهمية قصوى. انا اعتبر الزيارة سياسية بقصد فتح مجال جديد للتعاون، لأن العلاقات بين فرنساوالجزائر كانت راكدة وكان من المفترض ان يلتقي الرئيس اليمين زروال الرئيس جاك شيراك في الاممالمتحدة لكنهما لم يلتقيا، لان الامور كانت صعبة جداً. زيارة بوتفليقة فتحت مجالاً للعمل والتعاون. وهو امر مهم. وهي ليست زيارة من اجل اجراء مفاوضات اقتصادية او ما الى ذلك. بل زيارة رمز اكثر من اي امر آخر. اما في ما يتعلق بقضية "الحركة" فموققفنا واضح منها، غير اننا لا نأخذ الابناء بذنب آبائهم. اما من خانوا الجزائر في مرحلة معينة فعليهم تحمل مسؤولية افعالهم وهذا ما قاله الرئيس، وان كان من المفترض ان يقوله بليونة اكثر. للمرة الاولى في تاريخ الجزائر، رئيس جمهورية يتكلم في خطابه على الجانب الايجابي للاستعمار؟ - ابداً، بالعكس، كيف تمكنت من تكوين هذا الفهم الخاطئ لما كان يقصده؟ كان لكلامه معنى عميق، فقد قال لهم: لو لم تستعمروا هذه الدول لتقدمت بارادتها المحض نحو العالم المعاصر، ولما احتاجت الى استعماركم. هذا ما قاله وقصده. وقد قال لهم إن مشكلة المديونية بالنسبة الى افريقيا، والجزائر خصوصاً لا يمكن ان تغتفر. وطالب الدولة الفرنسية بأن تعترف بالجرائم التي اقترفتها في حق الجزائر والشعوب الاخرى. كتبت جرائدهم تقول: بوتفليقة يطلب من فرنسا ان تعتذر للجزائر وتطلب المغفرة. وها هي الاعترافات تنشر في الجرائد بدءاً من بيجار وماسو. لماذا لم تتناول وسائل الاعلام الرسمية هذا الخطاب بالتحليل؟ - ماذا اقول؟ إعلامنا الرسمي، ويا للأسف، ما زال ضعيفاً وبعيداً من الواقع. دائماً يتهمونك بأنك وراء توقيف استخدام قانون اللغة العربية عندما كنت رئيساً للمجلس الاستشاري، والآن يبارك عهد بوتفليقة لأنه مع اللغة الفرنسية؟ - هذه مجرد افتراءات. وحتى كلمة العلمانيين لا معنى لها. والعلمنة في الجزائر ليست لها مكانة لأن اوضاعنا تختلف عن الاوضاع القائمة في فرنسا. الصحافة الجزائرية تتحدث عن تراجع عن اللغة العربية وهو فعلاً ما نلاحظه. فخطب الرئيس باللغة الفرنسية، وكذلك رؤساء الاحزاب واعضاء الحكومة. استرجعت الفرنسية في عهد بوتفليقة سيطرتها السابقة، فما قولك؟ - اقول لك ان لا خوف على اللغة العربية ولا على مستقبلها. فنحن طالبنا عام 1977 مديرية الثقافة، وكنا وضعنا برنامجاً بذلك، بطبع امهات الكتب لأجيالنا باللغة العربية. وعندما أنشأنا مركب الطباعة في الرعاية، قلنا لنبدأ بطبع امهات المكتب والاعمال الابداعية منذ الجاهلية حتى الرصافي وشعراء العراق الذين تعرفهم امثال الجواهري ونازك الملائكة، عوض ما نجده من كتب لا تنفع، تتكلم على الشعوذة وليست لها علاقة بحضارتنا وتطورنا. قلنا: احضروا الاساتذة الكبار ليحاضروا في البلاغة العربية التي نحن في حاجة اليها، ولا نقبل باللغة العربية التي تحمل مفاهيم تافهة. اللغة العربية بالنسبة الينا ليست ايديولوجية بل هي وجودنا وحياتنا. لذا نريد ان نعطيها حضورها وقوتها. ولما اردنا ان نجعل العربية لغة التعامل والمراسلات وعقد الاتفاقات، رفضت ذلك كل الدول الاوروبية وقالت لنا انها لن تتعامل بها، والا اوقفت كل ما بيننا. لذا جمد قانون استخدام اللغة العربية، عام 1992. كلنا يدافع عن اللغة العربية، وربما قرأت المقالات التي رددت بها على فهمي هويدي، وليست لنا اي عقدة حيالها. يجب ان تبعد اللغة العربية عن كل المناورات. التصعيد الامني الاخير هل يستهدف بوتفليقة ام هناك امور اخرى؟ وما تفسيرك له؟ - لكي نخرج من هذه الامور نهائياً، لا بد من اليقظة المستمرة ومكافحة الارهاب بكل صرامة، حفاظاً على الشرف الجزائري وعن المواطنين وممتلكاتهم، والعمل من اجل طمأنتهم وراحتهم وهو امر يقره الدستور. وتطبيق العدالة والقانون يجب ألا يكون بصفة همجية. ولا بد من ان يطبق القانون وان يكون صارماً، خصوصاً ان الإنعاش الاقتصادي مرتبط بذلك. من جهة اخرى لا بد للحكومة من إحداث إصلاحات بناءة في كثير من الميادين، ولا بد للمشكلات الإدارية من ان تحل، ونحن نطالبها دوماً بالخروج من الركود والبيروقراطية، ولا بد من ان تكون إدارة حية تتماشى وحاجات المواطنين، ولا بد من مكافحة الإرهاب والتجاوزات في الوقت نفسه، حتى يمكن الامور ان تتطور، خصوصاً اننا نملك الإمكانات والرجال. ولا بد من ان يكون المسؤولون قادرين على تحمل المسوولية. هناك إصدارات اجنبية مثل العدد الكامل الذي خصصته المجلة الفرنسية بروبلام، العام الماضي، حول التجارب الكيميائية الفرنسية في الجزائر حتى العام 1978؟ - هذه ليست داخلة في الاتفاقات الدولية، ويجب ألا نتكلم عليها بتاتاً. هي مجرد تجربة وانتهت. بعد توقيف المسار الانتخابي، هل كانت كل الاعتقالات التي تمت قانونية؟ - بصراحة، البلاد تعاني جداً هذه الافتراءات، وهي ليست صادرة عن الجزائريين، لأن المقصود بها تكسير الدولة الجزائرية، بل وتدميرها، ان استطاعوا لذلك سبيلاً. وهناك جزائريون يسيرون في هذا الخط، ويا للأسف. انا بنفسي اخرجت اناساً من السجن بتهم ملفقة وغير شرعية، وكل ذلك من اجل تجسيد هذه الفكرة.