تقدم اقتصادي سوري بارز، هو الدكتور عارف دليلة، بمشروع من خمس نقاط لاصلاح القطاع العام في سورية يعتمد على مبدأ منح عمال وموظفي شركات القطاع العام حصة كبيرة من شركاتهم على شكل اسهم بما يجعل ممثليهم اعضاء في مجالس ادارة هذه الشركات. وقدم الدكتور دليلة مشروعه امام "ندورة الثلاثاء الاقتصادية" التي تنظمها "جمعية العلوم الاقتصادية السورية" وتعتبر اهم منابر القضايا الاقتصادية في سورية. وقال الدكتور دليلة ان القطاع العام في سورية يحتاج الى اصلاح جوهري يمسّ بمشكلته الحقيقية وهي غياب المالك الحقيقي. فالدولة "هي مالك اسمي وغائب يهمها حصيلة النشاط الاقتصادي وليس ادارته وتطويره". وأشار الى ان مشروعه يسعى كي تكون الملكية العامة بالمعنى الحقيقي، وليس هناك مالك له مصلحة حقيقية في الحفاظ على القطاع العام والاستثمار العقلاني لوسائل الانتاج ولوقت العمل والرقابة الصارمة على اعمال الادارة اكثر من العامل في المشروع الحكومي نفسه. وفي ما يلي النقاط الرئيسية لمشروع الدكتور دليلة استاذ الاقتصاد في جامعة دمشق: 1- تحقق شخصية المشروع الاعتبارية المستقلة بتحديد القيمة الحالية لرأس المال وتسوية كل حسابات رأس المال وتصفية التشابكات مع الغير. 2- تخصيص نسبة من رأس المال المقدر اعلاه تتراوح بين 15 في المئة للشركات الحديثة ذات الاوضاع الجيدة و25 في المئة للشركات التي تمر بظروف صعبة للتوزيع على شكل اسهم على العاملين من دون مقابل. ويمكن ان تصل هذه النسبة الى 75 في المئة. 3- يشكل العاملون جمعية عمومية، بصفتهم مساهمين وتقوم هذه الجمعية بدورها، كما في شركة مساهمة من حيث مناقشة تقارير مجلس الادارة ولجنة المراقبة وتخضع هذه التقارير لتصديق الجمعية العمومية. وتنتخب الجمعية ممثليها في مجلس الادارة بنسبة تتناسب والحصة التي يملكها المساهمون في رأس المال، ويكون من بين المنتخبين نائب للمدير العام. 4- تحمل الاسهم الموزعة قيمتها الاسمية من دون ان تتحمل الشركة او الدولة اية مسؤولية عن صرف قيمته لمالكها او سعر تداولها، وتكون قابلة للتداول فوراً ويحصر تداولها بين العاملين في الشركة على ان لا تتجاوز ملكية المساهم الواحد 5 في المئة من مجمل الاسهم. 5- يعين الوزير المختص المدير العام عندما تكون حصة الدولة اكثر من 51 في المئة من مجمل الاسهم بينما يكون المدير العام من اعضاء المجلس الذين انتخبهم المساهمون اذا كانت حصتهم اكثر من 51 في المئة. وإضافة الى هذه الاصلاحات على عمل المؤسسة الاقتصادية الحكومية، اقترح الدكتور دليلة مجموعة من الاصلاحات على هيكل النشاط الحكومي الاقتصادي، مثل تحويل الوزارات الى وزارات عمل ومراكز للمعلومات والاستشارات وإقامة مجلس اعلى للقطاع العام المساهم على غرار المجلس الاعلى للزراعة والاستثمار والسياحة. وأشار دليلة الى ان القطاع العام السوري يتحمل عبء قرارات خاطئة اقتصادية وادارية خلال الثمانينات أدت الى تراجع ادائه بشكل واسع. من هذه القرارات: - قرار منع استيراد بعض المواد او اخضاعها لنظام الحصص "الكوتا"، مما ادى الى تهريب كميات كبيرة من هذه المواد بشكل غير قانوني وخسارة خزينة الدولة لعوائد الجمارك عليها لو تم استيرادها بشكل رسمي ومنظم. - شمول الاعفاءات الضريبية والمزايا التشجيعية لكل الانشطة، مما جعل مزايا المناطق الحرة متواضعة من دون الاستناد الى الجدوى الاقتصادية للنشاط المشمول بالمزايا شركات تأجير السيارات السياحية ومن دون اشتراط اعادة استثمار الارباح المشمولة بالاعفاءات الضريبية. - عدم اخضاع السياسات المالية والقطع للاعتبارات الاقتصادية. وشرح دليلة مؤشرات تراجع الاداء الاقتصادي السوري خلال الثمانينات حيث كانت معدلات الادخار والاستثمار خلال هذه الفترة سالبة ولم تغطِ الاستثمارات الجديدة الاستهلاك في رأس المال الثابت. وتظهر الاحصاءات الرسمية ان قيمة الناتج المحلي الصافي بتكلفة عوامل الانتاج عام 1990 تساوي 106 في المئة منها عام 1985، اي ان معدل الزيادة السنوي يقل عن 1 في المئة. فقد ارتفع الرقم القياسي للانتاج الزراعي من 1985 الى 1990 من 105 الى 115 فقط، اي ان معدل الزيادة السنوية يقارب 2.5 في المئة وهو يقل عن معدل الزيادة السنوية للسكان الذي يتجاوز 3.3 في المئة. اما في مجال الصناعات التحويلية فقد كان الرقم القياسي لانتاجها عام 1990 يساوي 100 في المئة من انتاجها عام 1985، اي من دون اية زيادة، بينما حققت الصناعات الاستخراجية نمواً ملحوظاً بسبب ارتفاع انتاج النفط. وسرد الدكتور دليلة بعض الامثلة على تراجع الانتاج الصناعي في القطاع العام. ففي العام 1986 بلغ انتاج الغزول القطنية 41 الف طن وفي العام 1990 تراجع الى 37 الف طن وبلغ السماد الازوتي في العام 1986 110 آلاف طن بينما تراجع في 1990 الى 93 ألف طن. وأشار الى ان هذا الاتجاه نحو تراجع الانتاج لم يكن محصوراً بالقطاع العام بل ساد ايضاً في القطاع الخاص على رغم المزايا التي منحت له في النصف الثاني من الثمانينات، خصوصاً في مجال الاعفاءات الضريبية والاحتفاظ بنسبة 75 في المئة من عائدات التصدير بالعملة الصعبة بعد ان كانت الحكومة تفرض على المصدرين صرف هذه العوائد في المصرف التجاري السوري بسعر صرف بعيد عن السعر الحقيقي الذي دفعه المصدر في شراء المواد الاولية لانتاجه. وقال الدكتور دليلة انه يمكن الاستدلال على ظاهرة توقف النمو في انتاج القطاع العام من مؤشرين هما: 1- المجموع التراكمي لرؤوس الاموال في هذا القطاع لم يزد الا من 59 بليون ليرة عام 1986 و1990 من 140 الف عامل الى 146 الف عامل. ونفى دليلة ان تكون عملية التخصيص او بيع القطاع العام لرأس المال الخاص الحل لمشاكل القطاع العام، مشدداً على ان مشروعه يجب ان يناقش بشكل جدي كأحد المخارج من تلك المشاكل من دون التفريط بفكرة الملكية العامة ونتائجها الاجتماعية والسياسية. وطالب بعلانية اعلامية واسعة في مناقشة القضايا الاقتصادية "التي يجب ان تخرج من الظلام".