تضم الصناعات الاستخراجية Mining & Quarrying حسب التصنيف الاحصائي المتبع في سورية صناعات مثل استخراج النفط والفوسفات والغاز الطبيعي والملح والرمل والبحص والرخام والجص. وحتى نهاية الستينات لم تلعب الصناعات المذكورة دوراً مهماً في الاقتصاد السوري، لكن دورها بدأ بالتعاظم في النصف الثاني من عام 1968 عندما بدأ استخراج النفط في القطر. وكانت كميات من النفط تم اكتشافها في شمال شرقي سورية. وكانت أولى هذه الكميات اكتشفت من قبل شركتين إحداهما أميركية والأخرى المانية قبل 1968 بسنوات عدة في حقول كراتشوك والسويدية والرميلان. ويتميز النفط المكتشف في تلك الحقول بأنه من النوع الثقيل Heavy Crude ذو الكثافة العالية. ومع تزايد دور الصناعات الاستخراجية في الصناعة السورية ارتفعت قيمة اجمالي الناتج لتلك الصناعات من 2،0 بليون ليرة سورية في عام 1970 إلى 6،2 بليون عام 1975. وفي 1980 بلغت الصناعات الاستخراجية 3،7 بليون ليرة، وتعادل هذه القيم على التوالي نسبة 1،6 في المئة و31 في المئة و8،30 في المئة من اجمالي الانتاج للصناعة السورية ككل. وجدير ذكره أيضاً أن قيمة الانتاج النفطي لم تقل مساهمتها عن 80 في المئة من قيمة اجمالي الانتاج للصناعات الاستخراجية منذ عام 1968. نفط وتعود أسباب ارتفاع المساهمة النفطية في ناتج الصناعات خلال النصف الأول من السبعينات بالدرجة الأولى إلى ازدياد الانتاج من مادة النفط من 7،4 مليون طن عام 1970 إلى 6،9 مليون طن عام 1975، وإلى ارتفاع أسعار المادة المذكورة، خصوصاً بعد حرب تشرين الأول اكتوبر عام 1973، وكان العرب خلال الحرب التي وقعت بين مصر وسورية تساندها الدول العربية الأخرى من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، قاموا بايقاف ضخ نفطهم جزئياً إلى الأسواق العالمية التي استجابت لذلك برفع سريع لأسعار النفط. واستمرت عملية رفع الأسعار في شكل مضطرد حتى آخر السبعينات عندما وصل سعر برميل النفط الخام إلى 41 دولاراً أميركياً عام 1979 مقابل 8،1 دولار عام 1971. ويفسر هذا الأمر إلى حد كبير ارتفاع قيمة اجمالي الانتاج للصناعات الاستخراجية خلال النصف الثاني من السبعينات على رقم تناقص الكميات المستخرجة من مادة النفط الخام خلال تلك الفترة. ففي الوقت الذي تراجع فيه النفط المستخرج من سورية 2،4 في المئة خلال الأعوام 1975 و1980 ارتفعت قيمة اجماليه بنحو 23 في المئة. بعد السبعينات وعلى عكس فترة السبعينات، شهد اجمالي الانتاج للصناعات الاستخراجية في سورية تراجعاً بلغ نحو 6،9 في المئة خلال النصف الأول من الثمانينات. وحصل ذلك على رغم بقاء كميات الانتاج من النفط الخام على حالها، بحدود ال 2،9 مليون طن خلال الأعوام 1980 و1985. ويعود السبب الأساسي للتراجع إلى انخفاض أسعار مادة النفط الخام في الأسواق العالمية، إذ انخفض سعر البرميل الواحد للنفط الخام من 36 دولاراً أميركياً في عام 1982 إلى أقل من 18 دولاراً. وفي إطار الجهود الهادفة إلى استكمال عمليات مسح الأراضي السورية لاكتشاف المزيد من الثروات الطبيعية الدفينة فيها، تم تكثيف الجهود لايجاد واستثمار هذه الثروات لا سيما على صعيد النفط والغاز. وفي ضوء ذلك، تم البدء بإبرام عقود مع شركات نفطية عالمية غربية اعتباراً من منتصف عام 1975. واعطيت هذه الشركات بموجب العقود حقوق التنقيب عن النفط في مناطق وسط وشرق وشمال شرقي البلاد. ومن بين هذه الشركات "بكتين" و"شل" و"شيفرون". وشكل إبرام مثل العقود المذكورة بداية لسياسة اقتصادية جديدة في سورية على صعيد النفط. فمنذ عام 1964 وحتى منتصف السبعينات لم يتم اعطاء أية امتيازات نفطية لشركات دولية وإنما قامت سورية، أول دولة عربية بتأميم نفطها بالكامل، كما حصرت الدولة تعاونها على صعيد التنقيب عنه واستخراجه ببلدان المعسكر الاشتراكي سابقاً وفي مقدمها الاتحاد السوفياتي سابقاً. وأسفرت عمليات التنقيب التي قامت بها الشركات النفطية الغربية عن اكتشاف آبار نفط جديدة في المناطق المذكورة أعلاه. واكتشفت أول هذه الآبار في محافظة دير الزور آخر 1984، غير ان حجم الكميات المكتشفة حتى الآن يعتبر متواضعاً بالمقاييس العربية والعالمية. وعلى عكس النفط المكتشف في سورية قبل ذلك، فإن النفط الجديد يتميز بأنه من النوع الخفيف Light Crude ذو الجودة العالية. واعتباراً من أيلول سبتمبر من عام 1986 تم البدء باستخراج الأخير بكميات تجارية. وأدى ذلك إلى ازدياد الكميات المستخرجة من النفط الخام في شكل مضطرد خلال النصف الثاني من الثمانينات، فارتفع حجم الكميات من 2،9 إلى 2،25 مليون طن في الفترة بين عامي 1985 و1990 أي مستوى نمو سنوي بلغ 3،22 في المئة. وساهم النمو في ارتفاع اجمالي قيمة الصناعات الاستخراجية إلى أكثر من 6 أضعاف خلال الفترة نفسها من 6،6 إلى 6،41 بليون ليرة سورية. كما ارتفعت مساهمة الصناعات الاستخراجية في اجمالي الانتاج الصناعي من نحو 17 في المئة منتصف الثمانينات إلى 3،28 في المئة عام 1990. نفط خفيف ومع تزايد الكميات المستخرجة من النفط الخفيف تمكنت سورية تدريجاً من الاستغناء نهائياً عن استيراد هذا النوع من النفط آخر الثمانينات. فحتى ذلك الوقت كانت البلاد تستورد سنوياً كميات تراوحت بين 5 و6،6 مليون طن من النفط الخفيف لسد حاجاتها المحلية. وكانت الكميات المستوردة تخلط مع النفط الثقيل ومن ثم يتم تكريرها في مصفاتي حمص وبانياس. وتشكل كميات النفط الخفيف نحو ثلثي النفط المستخرج حالياً من القطر. وخلال النصف الأول من التسعينات استمر تزايد الكميات المستخرجة من النفط، ولكن بوتيرة أقل من نظيرتها في السنوات الخمس التي سبقت ذلك. وبلغت الكميات المستخرجة 3،34 مليون طن عام 1995 مقابل 2،25 مليون طن عام 1990، أي بمتوسط نمو سنوي قدره نحو 4،6 في المئة. وجاء هذا النمو ليعكس امكانات التوسع الضعيفة على صعيد استخراج النفط بسبب محدودية الكميات المكتشفة في الدرجة الأولى. ويقدر الانتاج السوري من النفط الخام حالياً بنحو 600 ألف برميل يومياً، يتم تصدير نحو 360 ألف برميل منها، أما الباقي فيتم تكريره محلياً لتغطية حاجة السوق المحلية بالدرجة الأولى. ويتم التكرير المذكور في مصفاتي حمص وبانياس. ومن المتوقع أن يتراجع حجم الكميات المستخرجة بحدود 10 آلاف برميل سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب انخفاض الكميات المتوقع انتاجها من بعض الحقول المستثمرة من جهة، ولعدم توافر امكانات في الوقت الحاضر لوضع حقول جديدة قيد الاستثمار خلال الفترة نفسها. الفوسفات وعلى صعيد الفوسفات تم اكتشافه في وسط البلاد شمال شرقي تدمر. ويقدر الاحتياط المكتشف بنحو بليون طن. وبدأ استثمار الفوسفات في سورية عام 1971. وفي عام 1977 بلغت كمية الانتاج من الفوسفات الخام 4،0 مليون طن، ارتفعت إلى 3،1 مليون طن في عام 1980. وفي عام 1985 كان مستوى الانتاج أقل من مثيله عام 1980، إذ بلغ 2،1 مليون طن. ونظراً لوجود احتياط كبير، وضعت خطة لزيادة كميات الفوسفات المستخرجة إلى 15 مليون طن عام 2000. غير أن الكميات المذكورة لم تتجاوز ال 6،1 مليون طن منتصف التسعينات. وتعود أسباب البطء في زيادة الكميات المستخرجة إلى الصعوبات المرتبطة بايجاد أسواق تصدير وإلى عدم توافر امكانات لتصنيع كميات كبيرة من المادة الخام محلياً. وهناك مصنع واحد في حمص يقوم بانتاج الأسمدة من الفوسفات المستخرج في البلاد. ويذكر ان كميات الأسمدة المنتجة في القطر السوري لا تغطي حاجة السوق السورية. الغاز الطبيعي أما بالنسبة للغاز الطبيعي فتم اكتشاف كميات كبيرة منه، ويقدر الاحتياط السوري بنحو 226 بليون متر مكعب. أما الانتاج الحالي فيبلغ نحو 7 ملايين متر مكعب، وتقل الكميات المستغلة عن 50 في المئة من الكميات المستخرجة. أما الجزء الباقي، سيما المرافق منه لعمليات استخراج النفط، فيتعرض للضياع. وهناك خطة لزيادة نسبة الاستفادة من الكميات المستخرجة. ونظراً لتوافر احتياط كبير، فمن المتوقع أن يحتل الغاز الطبيعي موقعاً ريادياً في الصناعة والاقتصاد السوريين. ومما يستدعي ذلك بالدرجة الأولى زيادة الطلب المحلي وتوافر امكانات تصدير الغاز إلى البلدان المجاورة. فمن ناحية الطلب المحلي، فإن حاجات الاستهلاك المنزلي تتزايد بسرعة بسبب نسبة النمو السكاني العالية. كما يتم إعادة تجهيز مشاريع توليد الطاقة الكهربائية القديمة منها والجديدة لكي يتم تشغيلها باستغلال الغاز المتوافر برخص بدلاً من الوقود الأعلى كلفة. أما بالنسبة للتصدير، فجرت محادثات مع كل من تركياولبنان لتزويدهما بالغاز السوري، وإذا كانت المحادثات مع تركيا توقفت أخيراً بسبب التوتر الذي يسود العلاقات السورية - التركية هذه الأيام، فإن إبرام اتفاق مع لبنان بهذا الخصوص أصبح مرجحاً. خلاصة ونتائج تطورت الصناعات الاستخراجية وازدادت أهميتها على صعيد الصناعة والاقتصاد السوريين في شكل عام. ولعب النفط الدور الأكثر أهمية في هذا الخصوص. غير أن التطور اختلف من فترة إلى أخرى بسبب تأثر هذه الصناعات بالتغيرات التي حصلت في الأسواق العالمية على صعيد أسعار النفط، إذ أدى انخفاض أسعار مادة النفط الخام في الأسواق الدولية إلى تراجع مساهمة الصناعات الاستخراجية في اجمالي الانتاج الصناعي بمقدار النصف تقريباً خلال النصف الأول من الثمانينات. ومع البدء بتنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة اعتباراً من منتصف الثمانينات، لوحظ تزايد الاهتمام بتطوير الصناعات الاستخراجية. وأدى ذلك إلى ازدياد أهميتها من جديد نهاية العقد. وشمل الاهتمام في شكل خاص كلاً من صناعتي استخراج النفط والغاز الطبيعي. وإذا كانت امكانات استخراج المزيد من النفط غير متوافرة حالياً، فإن تطوير القطاع النفطي ينبغي أن لا يحصر بالتركيز على كيفية زيادة الكميات المستخرجة، لأن القسم الأكبر من هذه الكميات يتم تصديره كمادة خام. وبما ان امكانات تصديره مكرراً متوافرة، فإنه يُنصح بتوسيع طاقات التكرير محلياً. ويمكن لذلك أن يتم من خلال تحديث المصفاتين القائمتين وإقامة مصفاة أو مصفاتين جديدتين إذا ثبت وجود جدوى اقتصادية من وراء ذلك. وعلى عكس النفط، فإن استخراج المزيد من الغاز الطبيعي والفوسفات ممكن، غير ان زيادة الانتاج من الغاز ينبغي ان تتم على أساس معالجته والتوسع في استهلاكه محلياً وعلى أساس تصديره إلى السوق اللبنانية. ومما يحفز على ذلك كون انتاجه قليل الكلفة. كما ان استهلاكه أقل ضرراً بالبيئة من المنتجات البترولية التي تستهلك على نطاق واسع كالمازوت أو الديزل والفيول وغيرها. وعلى سبيل المثال، فإن التوسع في استهلاك الغاز الطبيعي يمكن أن يشمل التدفئة المنزلية وتدفئة المكاتب ووسائل النقل العامة والمؤسسات الصناعية الكبيرة. وعلى صعيد الفوسفات، فإن زيادة الانتاج منه ينبغي ان تترافق مع إقامة مصانع تقوم بمعالجة المادة الخام وتحويلها إلى أسمدة. فحاجة السوق المحلية إلى الأخيرة لا تزال كبيرة نظراً للأهمية الكبيرة التي يحتلها القطاع الزراعي في البلاد. إن تحديث الصناعات الاستخراجية وتطويرها يمكن أن يوفر لسورية مصادر دخل إضافية يمكن استخدامها لتطوير قطاعات تساهم في تحسين أداء الاقتصاد السوري. غير ان القيام بذلك يتطلب توفير مصادر تمويل وتكنولوجيا غير متوافرة حالياً لدى القطاع العام الذي لا يزال يسيطر على هذه الصناعات، وعليه فإنه ينبغي العمل بجدية لايجاد صيغ يتم من خلالها تشجيع القطاع الخاص للمشاركة في عملية التحديث. ونظراً لضخامة رؤوس الأموال التي تتطلبها المشاريع المرتبطة بتحديث الصناعة الاستخراجية، فإن القطاع الخاص لن يكون متحمساً جداً للقيام بمشاريع كهذه في بلد مثل سورية. وهنا تطرح نفسها صيغة القيام بمشاريع مشتركة مع الدولة على هذا الصعيد كأكثر الصيغ واقعية. وبقي أن يشار إلى أهمية استخدام السيولة المالية الذي تحققه الصناعات الاستخراجية كعائدات في تحديث المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية للقطاعات الأخرى، لأن استخدام السيولة المالية ينبغي أن يتم في مشاريع تحقق جدوى اقتصادية وتولد المزيد من فرص العمل. وكما أظهرت تجربة السبعينات، على سبيل المثال، فإنه كان من الأفضل بمئة مرة لو تم استخدام عائدات النفط لتطوير الصناعات النسيجية والغذائية المبنية على المنتجات الزراعية، بدلاً من استخدامها لإقامة صناعات كهربائية والكترونية وغيرها على شكل جزر معزولة عن باقي فروع الاقتصاد السوري. * اقتصادي سوري.