سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مسؤولان فرنسيان يكشفان ل"الوسط": طلبنا ضمانات قوية من اللبنانيين والسوريين لإجراء انتخابات نيابية حرة ."لا إعمار ولا انتعاش اقتصاديا لأن الدولة سائبة والعجز فاضح"
كشف مصدر حكومي فرنسي ل"الوسط" أن الحكومة الفرنسية طلبت من المسؤولين اللبنانيين والسوريين مجموعة "ضمانات قوية" لتأمين إجراء الانتخابات النيابية في لبنان مطلع الصيف بحرية. وأكد أن فرنسا تعارض "انتخابات معروفة النتائج سلفا". فقد التقت "الوسط" مسؤولين فرنسيين اثنين، الأول يتابع عن كثب تطورات الأوضاع السياسية في لبنان، والثاني مهتم بالملف الاقتصادي اللبناني" وزار بيروت في الفترة الأخيرة، وحصلت منهما على معلومات دقيقة عما يجري في لبنان، وعن حقيقة موقف فرنسا تجاه هذا البلد، وعن مضمون الاتصالات الجارية بين باريسوبيروت ودمشق حول الملف اللبناني. وقد وافق المسؤولان على التحدث إلى "الوسط" بصراحة شرط عدم ذكر اسميهما اللذين نحتفظ بهما. وفي ما يأتي حصيلة هذين اللقاءين: يلاحظ المصدر الفرنسي الأول أن لبنان "لا يزال يتخبط في حالة من الفوضى العامة التي تبدأ برؤوس الدولة والوزراء وتنتهي في الإدارات. فالخلافات الشخصية والمنافسات شلت عمل الحكومة السابقة وربما يكون رئيس الحكومة الجديد رشيد الصلح أكثر قدرة على التفاهم مع رئيس الجمهورية الياس الهراوي وعلى تحقيق نوع من الانسجام داخل الفريق الحكومي". وإذا كانت سورية، كما يقول المصدر قد رغبت في الإبقاء على الحكومة السابقة برئاسة عمر كرامي حتى موعد الانتخابات النيابية، إلا أن انفجار الوضع الاجتماعي عجل في الاستحقاقات. الوضع الاجتماعي أفلت من أيدي الدولة والنقابات وأرباب العمل. ويعتبر المصدر "أن الانفجار الاجتماعي له نتائج إيجابية ذات وجهين: الأول أنه، للمرة الأولى، جعل اللبنانيين على اختلافهم يتوحدون إزاء حالة من التردي المستمر بحيث اختفت الانقسامات السابقة. والثاني أن الحركة الاجتماعية التي أسقطت الحكومة السابقة لا بد انها ستدفع الحكومة الجديدة إلى إعادة النظر بالممارسات الحكومية السابقة وأن تعي خطورة الوضع وتعيد ترتيب الأولويات بحيث يتم وضع حد للفوضى العامة واتخاذ التدابير الجذرية التي لم يجرؤ أحد على اتخاذها في الماضي". ويتطرق المصدر الحكومي الفرنسي إلى موضوع الانتخابات النيابية المتوقع أن تجري في الصيف فيقول "أن موقف باريس منها ينطلق من اعتبار أن لبنان لم يعرف الانتخابات منذ عشرين عاما. ومن حيث المبدأ، فان تنظيم الانتخابات أمر جيد. لكن يجب تأمين ضمانات عدة تكفل حرية المرشح وحرية الناخب في أن يقترع بعيدا عن الضغوط من أي نوع كانت". المصدر الفرنسي يستبعد أن تطرح مسألة الانتخابات في القريب العاجل. إذ أن "ثمة عددا من التدابير يجب أن تؤخذ وعددا من المشاكل يجب أن تحل". ويعود المصدر إلى التأكيد "أن الانتخابات يجب أن تكون ديموقراطية فعلا وأن فرنسا طلبت من المسؤولين اللبنانيين والسوريين عددا من الضمانات القوية، وأن هذه القضايا ناقشها المسؤولون الفرنسيون مع المعنيين بالأمر". لكنه يعترف بأنه "لا يمكن الحصول على ضمانات بالمعنى القانوني للكلمة. ما يمكن الحصول عليه هو مجموعة من الالتزامات الأخلاقية. وإذا كان وجود قوات غير لبنانية في لبنان لا يمنع أن تكون عملية الانتخاب محاطة بعدد من الضمانات، فالانتخابات يمكن أن تجري. فالمهم ضمان حرية هذه الانتخابات". ويلاحظ المصدر الفرنسي أن سياسة فرنسا إزاء لبنان "لم تتغير إطلاقا في العمق، فهي تقوم على احترام سيادة لبنان وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية وعلى انسحاب القوات غير اللبنانية منه وأن يحافظ لبنان على هويته المميزة في المنطقة". غير أن المصدر يستدرك بقوله "أن هناك عددا من الاعتبارات التي لا بد من الالتفات إليها والتصرف على ضوئها من غير أن يعني ذلك بتاتا تغييرا في عمق الموقف الفرنسي". من هذا المنطلق، يقول المصدر الفرنسي، أن باريس مع تنفيذ بنود اتفاق الطائف بلا استثناء، ومع انسحاب القوات السورية إلى البقاع في أيلول سبتمبر المقبل. وعملا باتفاق الطائف فالانتخابات يمكن أن تحصل. وفرنسا تعرف انه من الأفضل مرافقة هذه الانتخابات والعمل على أن تتم في أفضل الظروف. لكن فرنسا ليست أبدا مع انتخابات معروفة النتائج سلفا وعلى شاكلة ال99 في المئة. وفرنسا تقول لأصدقائها الذين يبدون تحفظات عليها أنها "مستمرة في العمل والمطالبة بتوفير أفضل الشروط لها إذ انه ليس من السليم البقاء خارج اللعبة السياسية. واللعبة الآن وبعدما انتهت الأزمة الحكومية عنوانها الانتخابات، ويمكن لها أن تؤمن عددا من المكتسبات التي توظف لاحقا. وفرنسا تريد أن تفهم اللبنانيين أنهم ليسوا وحيدين في تعاطيهم مع السوريين وهي مستعدة لأن تقول للسوريين أن ثمة بعض الأمور التي لا تسير في الاتجاه الصحيح". ويشدد المصدر الفرنسي على أن حكومته، في اتصالاتها مع اللبنانيين ومنهم البطريرك الماروني صفير "تسعى لإبراز صحة تحليلها باعتبار أن المعارضة المستمرة لا تنفع، والتقدم المرحلي سياسة أكثر ذكاء". وعن العماد ميشال عون، يقول المصدر أنه "إذا كان يطرح أسئلة في محلها إلا أن عليه أن يفي بالتزاماته إزاء فرنسا، فليس صحيحا قوله أنه لم يلتزم بشيء حين وافقنا على استقباله في فرنسا". ويضيف المصدر أن حكومته "تنوي هذه المرة الاتصال المباشر مع عون ولن تكتفي بالرسائل، وباريس حريصة على تهدئته". وهذا ما حدث بالفعل فقد توجه مسؤول فرنسي الى مقر عون في مارسيليا لمطالبته بالتوقف على الإدلاء بتصريحات علنية تهاجم الحكم اللبناني وسورية والانتخابات. مأساة الوضع الاقتصادي ماذا عن الوضع الاقتصادي في لبنان؟ يتوقف المصدر الحكومي الفرنسي الثاني الذي التقيناه في تحليله للوضع الاقتصادي في لبنان أمام مجموعة من الظواهر التي لمسها من خلال معاينته للوضع على الأرض واحتكاكه بالمسؤولين اللبنانيين. فما يقفز إلى العين هو الفوضى وتدمير بنى الدولة الإدارية التي لم يتم بناؤها مجددا. ويؤكد المصدر الحكومي الفرنسي "أن السيطرة فعلا على الوضع الاقتصادي لا يمكن أن تتم ما لم تقم الدولة بإعادة إرساء بنيتها الإدارية التحتية. فلا يكفي أن يكون هناك وزير ومدير عام وأجهزة بل يجب أن يتوافر من يجبي فواتير الكهرباء والهاتف ومن يعاين حالة توزيع المياه وكل ما يشكل الخدمات الأساسية التي تتخبط الدولة في إعادة تأمينها. فالبنية التحتية الأساسية غير مؤمنة، بل أنها اختفت تماما في بعض القطاعات". ويتساءل المصدر هل أن المسؤولين اللبنانيين خياليون إلى درجة أنهم يأملون عودة الحياة إلى الماكينة الاقتصادية ما لم ينجحوا في إعادة تشكيل وتشغيل البنية الإدارية؟". ويروي المصدر الفرنسي انه خلال زيارة إلى لبنان أصيب بالدهشة عندما تبين له أن عددا من كبار المسؤولين اللبنانيين في وزارة المالية يتميز بجهله التام لوضع المديونية في لبنان إزاء عدد من المدينين الخارجيين. ويشدد على أن ما يصدم هو "غياب وزارة للمالية جديرة بهذا الاسم. فثمة عجز فاضح في التعاطي مع حاجات لبنان من الخدمات والبنى التحتية على المستوى المالي. فإذا كانت الحاجات معروفة فان الوسائل السياسية الضرورية للتعاطي معها والوسائل البشرية غير متوافرة". وتشخيص هذا المصدر - وهو خبير اقتصادي - انه "ما دامت مالية الدولة سائبة على هذه الحال، فلا اعمار ولا إعادة بناء ولا انتعاش اقتصاديا". ويرى المصدر الفرنسي نفسه انه على الدولة اللبنانية أن تنظر بواقعية إلى ما يمكنها أن تقوم به وما تحصل عليه من مساعدات وقروض. ويلاحظ أن مصادر التمويل محدودة في نهاية المر. فإما أن تعمد الدولة إلى الادخار الداخلي القسري مثل الضرائب أو الطوعي مثل سندات الخزينة أو إلى الاقتراض من الأسواق المالية الدولية أو انتظار المساعدات الحكومية الخارجية". ويلاحظ المصدر الفرنسي "أن الوسيلة الأولى تبدو غير ناجعة بالنظر إلى مردودها السلبي السياسي ولعجز الدولة عن اتخاذ قرار سياسي في هذا الاتجاه والتمسك به. وتبقى أمام الدولة المساعدات الخارجية والاقتراض. لكن المساعدات الخارجية بدت حتى الآن ضئيلة بالمقارنة مع حجم الحاجات. أما المساعدات الأخرى فهي لا تأتي. ولا يبقى أمام الدولة سوى الاقتراض أما المؤسسات المالية الدولية صندوق النقد، البنك الدولي... أو من الأسواق الخارجية. لكن الاقتراض، عدا عن كونه مكلفا، فانه يفترض عودة الثقة بلبنان. الثقة هنا سياسية واقتصادية على السواء. فهل حازت الدولة على ثقة السوق المالية الدولية؟ وهل هذه السوق عندها اليقين أن ما تقرضه اليوم للبنان ستستعيده بعد 4 أو 5 سنوات؟ وما يقال عن القروض والمساعدات يقال أيضا عن الاستثمار والتوظيف للأفراد والهيئات والشركات الدولية الخاصة". أين الدولة؟ يؤكد المصدر الحكومي الفرنسي أن عامل الثقة أساسي، وهو مرهون بالاستقرار السياسي والاجتماعي وبقدرة الدولة على توفير الضمانات والخدمات الأساسية التي، شيئا فشيئا، تكون لها نتائج متكاثرة ودينامية على الحركة الاقتصادية. وهنا يقول المصدر "أن الدولة اللبنانية إذا كانت تحتاج إلى عدة شهور لسداد مبلغ 300 ألف فرنك فرنسي فان شكوكا تدخل إلى قلوب المستثمرين". وخلاصته أن الدولة اللبنانية لن تنجح في جذب الأموال الخارجية ما لم يتيقن المدينون من أن الدولة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها وإنها أصبحت في وضع يمكنها من ممارسة وظائفها الأساسية. فالمجموعة الدولية لن تساعد لبنان إلا عندما يساعد لبنان نفسه وثمة جهد مشترك يجب أن يتم، من جهة المؤسسات والهيئات المالية، وسياسي وبنيوي من جانب السلطات اللبنانية. وفي غياب هذا الجهد، فان لبنان سينتظر طويلا قبل أن تتدفق عليه المساعدات والقروض". ويقول المصدر الفرنسي "أن ثمة مؤشرات لا تخطئ في تحليل الوضع اللبناني. فالسوق المالية هي العقلانية بذاتها. وترددها يعني أن لبنان لم ينجح في كسب ثقتها تماما. الأمر نفسه ينطبق على المستثمرين اللبنانيين أنفسهم الذين يتريثون في التوظيف في لبنان". ويخبرنا المصدر أن هذه الحالة تحفز الحكومة الفرنسية على تفضيل منح لبنان هبات أو مساعدات بشروط تفضيلية لكنها بطبيعتها تكون محدودة ومتواضعة. يلاحظ المصدر أن الدولة اللبنانية فشلت حتى الآن في السيطرة على التوازنات الاقتصادية الكبرى، الأمر الذي يفسر انهيار الليرة اللبنانية أمام العملات الأجنبية. وتقضي قاعدة التوازنات الكبرى بالسيطرة على التضخم والعجز التجاري والعجز في ميزان المدفوعات. لكن الدولة، وفق ما يقوله المصدر الفرنسي، امتنعت حتى الآن لأسباب تتعلق بالوضع السياسي وغياب سلطة قوية، عن اتخاذ مجموعة من التدابير الاقتصادية التي تفرض نفسها، منها على المستوى الاقتصادي العام ومنها على مستوى القطاعات. ويعترف المصدر الفرنسي بأن لهذه التدابير ثمنا سياسيا واجتماعيا ولكنها "ضرورية ولا مهرب منها لأنها وحدها تفتح الطريق أمام وقف التدهور الاقتصادي في لبنان ولوصول المساعدات والقروض الخارجية". ويتساءل المصدر: هل في لبنان حكومة قوية للتصدي بشجاعة لهذه التدابير؟ ويرى المصدر الفرنسي أن على اللبنانيين الذين عانوا من الحرب طويلا أن يقبلوا بخوض عدد "من التجارب الاقتصادية المؤلمة". ولا يستبعد أن تكون التظاهرات الأخيرة ذات تأثير لجهة فتح أعين المسؤولين لوعي الحالة الاقتصادية ولدفعهم، أخيرا، إلى التعرف بحكمة وحزم إذ أن "ثمة حاجة لوقف التدهور وإذا حصل الانفجار الاجتماعي فلأن هناك شعورا بأن النزول إلى الهاوية ما زال مستمرا وأن لا أمل بالتحسن". لكن الأزمة، كما يقول المسؤول الفرنسي، أن الحكومة اللبنانية "لم تظهر أنها قادرة على تقديم مشروع معقول لنقاهة الاقتصاد اللبناني ولوقف حال الفوضى العامة". وفي رأيه، أن المواطنين اللبنانيين بحاجة إلى "جرعة من التفاؤل والأمل" والى أفق جديد. والحال أن الموظفين والعمال والصناعيين وأرباب العمل والتجار يعانون تحديدا من الأفق المسدود، خصوصا أن الأوهام التي رافقت نهاية الحرب تبددت، وأن إعادة البناء تتطلب التضحيات. وفي رأيه أن ثمة خيارات يجب القيام بها "وأن ثمة معادلات ضرورية لصون النسيج الاجتماعي على الدولة أن تحرص عليها"، ويبدو حتى الآن، كما يقول المصدر الحكومي الفرنسي، أن استراتيجية الدولة اللبنانية - إذا جاز الحديث عن إستراتيجية - تقوم على عدم المس بالادخار الوطني والتلكؤ عن القيام عن القيام بالإصلاحات اللازمة والتعويل على الأموال الخارجية". لكن هذه الاستراتيجية فشلت لأن المدينين الخارجيين "يفرضون إعادة ترتيب أوضاع البيت الداخلية". غير أن أصحاب البيت مشغولون بشؤون أخرى وبالتالي فان الوصول إلى تحقيق هذا الهدف لا يبدو قريبا جدا، وان تغيرت الوجوه والحكومات.