تتفق مصادر غربية مسؤولة سواء تلك المهتمة بالعلاقات الاقتصادية مع لبنان أو بأوضاعه السياسية على القول ل"الحياة"، ان السلام وحده في الشرق الأوسط، إذا تحقق على المسارين اللبناني - الإسرائيلي والسوري - الإسرائيلي، لن يكفي لتحسين الأوضاع الداخلية الاقتصادية والسياسية في لبنان. فالعوامل الخارجية الناتجة عن سلام محتمل، لن تحقق معجزة إذا لم تكن مقترنة بعوامل داخلية سياسية واقتصادية، تساعد على الخروج من الوضع الاقتصادي الحالي الذي أجمعت على وصفه بأنه يسوده التباطؤ الاقتصادي وأزمة ثقة من القطاع الخاص، وينقصه على الصعيد السياسي رؤية وخطة شاملة للسنوات المستقبلية وانفتاح أكبر على الخارج والخروج من بعض الانزواء على نفسه. وأضافت هذه المصادر "ان عاملاً أساسياً على المدى المتوسط والطويل يشجع أيضاً على انتعاش الحال الاقتصادية في لبنان، هو اصلاح وانفتاح وتحرير الاقتصاد السوري الذي هو امتداد طبيعي للمستثمرين في السوق اللبنانية المحدودة. فعدد سكان لبنان نحو 4 ملايين نسمة بينما عدد سكان سورية 16 مليوناً". وفي تقييم الأوساط الاقتصادية والسياسية الغربية المسؤولة، المختلفة التي التقتها "الحياة" في بيروت هناك اجماع على القول "ان الحكومة اللبنانية الحالية لم تستطع بعد نحو ستة أشهر من ممارستها الحكم، مواجهة المشاكل الأساسية بأداء اقتصادي شامل وفاعل، لأن خطواتها بطيئة ومترددة، على رغم انها تتضمن عناصر جيدة مثل وزير المال جورج قرم ووزير الاقتصاد ناصر السعيدي ووزير الأشغال العامة والنقل نجيب الميقاتي". واعتبرت الأوساط هذه قرم بأنه مسؤول ذو رؤية، أبدى شجاعة بعودته الى مسؤوليات صعبة، متمسكاً بفرض ضريبة القيمة المضافة VAT أو T.U.A وبإعادة جدولة الدين العام. ووصفت الأوساط نفسها هذا التوجه بأنه عامل قوي بالنسبة الى الاستقرار. واعتبرت أن الوزير السعيدي يعطي اشارات جيدة الى الخارج والى الأوساط الغربية التي تتعامل معه. كما أن الوزير ميقاتي يحظى بإشادة الأوساط الغربية المسؤولة لديناميكيته وجديته. وانتقدت هذه الأوساط الإجراء الذي اقترحه وزير الاقتصاد السعيدي برفع الضرائب على السجاير الذي أدّى من جهة الى تشجيع التهريب وكبد الدولة خسائر خصوصاً أن "الريجي" كانت توزع 60 بليون ليرة لبنانية سنوياً تشجيعاً للمزارعين، وهذه الضريبة ستؤدي الى زوال هذا الدعم في رأي الأوساط. وتعتبر المصادر والأوساط الغربية أنه على رغم العناصر الإيجابية فإن الأداء الاقتصادي بطيء، ارتكز حتى الآن على "ترقيعات" لا على خطة شاملة، ورؤية متكاملة واضحة. وأشارت الى أن الوضع الاقتصادي الحالي يعاني من غياب تام لمستوى النمو، الذي كان بدأ ينخفض منذ نهاية 1995. واعترفت أوساط حكومية لبنانية بهذا الواقع، لكنها قالت ل"الحياة"، "اننا نتوقع ارتفاعاً في مستوى النمو لأننا بتنا نعرف سبب المرض وسنوقفه بتنفيذ الإصلاحات المالية. فهناك برنامج عمل لتصحيح الوضع المالي لخمس سنوات، يتضمن اصلاحات في القطاع العام". ورأت الأوساط الغربية المسؤولة أن القطاع الخاص في لبنان مجمد في المرحلة الانتقالية إذ توجد في لبنان حالياً، ودائع في المصارف بقيمة 35 بليون دولار، غير مستخدمة للاستثمار، فهي مجمدة. وهي بمثابة محرّك محتمل كبير للاقتصاد اللبناني، لو لم يكن النظام الاقتصادي معطّلاً، ويعاني من أزمة ثقة، وغياب النمو والتباطؤ. إلا أن المصادر الرسمية المعنية بالوضع الاقتصادي نفت في حديثها ل"الحياة" أن تكون هذه الأموال غير مستخدمة. وذكرت المصادر الغربية المسؤولة أن هناك بليوني دولار من المساعدات والبروتوكولات المالية الخارجية، التي لم تستعمل بعد من الجانب اللبناني. فلكل من فرنسا وإيطاليا واسبانيا وغيرها من الدول بروتوكولات لمشاريع في لبنان لم يستخدم إلا ثلثها. فمثلاً لدى فرنسا اتفاقية مالية بنحو 570 مليون فرنك لم يستخدم إلا ثلثها، وكذلك ايطاليا التي لديها اتفاقيات مالية بقيمة 145 مليون دولار لسنة 97 - 1998 منها 15 في المئة هبات والباقي قروض ميسّرة بشروط استثنائية مع التساهل في فترات السماح لمشاريع أساسية في قطاع المياه والزراعة والصحة استخدم ثلثها فقط. وعزت الأوساط الغربية ذلك الى الخلافات السابقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري التي عطلت استخدام هذه الاتفاقات واقرارها في المجلس النيابي. وأكدت أن الرئيس الحص مدرك حاجة لبنان لاستخدام هذه الأموال ووقع على تنفيذ بعض المشاريع. وأكدت أوساط الحص ل"الحياة" أن هذه الأموال ستستخدم وأن الحكومة قدمت مشاريع ب680 مليون دولار من مجمل المساعدات الخارجية الى المجلس النيابي، وأنها وضعت خطة عمل بين مجلس الإنماء والإعمار ومجلس المالية لتحريك استعمال القروض على أن توضع خطة على ثلاث الى خمس سنوات لانفاق 900 مليون دولار سنوياً من مبلغ البليوني دولار المتوفر من الخارج. أما وزير المال قرم فيختلف في الرأي مع الذين يقولون ان الأداء الاقتصادي للحكومة اللبنانية ضعيف، فعلّق قائلاً ل"الحياة" ان انجازات الحكم في الأشهر الستة الماضية كانت إيجابية من نواح عدة: أولاً كان البلد على حافة الانهيار المالي والنقدي. وكان الفلتان المالي في المالية العامة معروفاً. وكان من أولويات الحكومة الجديدة أن تضع حداً له وأن تعيد الثقة بالليرة اللبنانية، وتؤمن الاستقرار في سوق القطع. ونجحت في ذلك، بل زادت ثقة المصارف الأجنبية في لبنان، وأخذت الحكومة قرضاً ب540 مليون دولار في نهاية كانون الثاني يناير وأصبح الآن سوق القطع متوازناً والاكتتابات في سندات الخزينة تزيد. ثم أرست الحكومة الخطة الضرائبية الجديدة مع برنامج للإصلاح الضريبي أصبح واضحاً للجميع، مع الضريبة على القيمة المضافة التي سيبدأ تطبيقها في مطلع عام 2001، والضريبة الموحدة على الدخل، ثم تسهيل حياة المكلّف مع الدوائر الضريبية. أضاف "أدخلت الحكومة قضية الخصخصة في شكل مقبول للرأي العام وأصبحت الفكرة مقبولة كما ستتقدم بمشروع قانون الخصخصة الى المجلس النيابي". وسأل "من كان يفكر أن في الامكان زيادة الضرائب في البلد مثلما نجحنا في وضعها؟ كان الاعتقاد السائد أنه من المستحيل فرض الضرائب. فالإنجاز الحكومي لا بأس به نظراً الى الظروف التي كنا فيها". الا أن الأوساط الغربية المسؤولة لاحظت في حديثها أن "إدارات الوزارات في لبنان مثل الأشباح إذ أنها تعاني من فراغ وغياب أي بنية تحتية أو حضور، حتى لتلقي اتصالات الإدارات الخارجية، فوحده مجلس الإنماء والإعمار لديه البنية التحتية للتعاطي مع الجهات الخارجية". أضافت المصادر "نتيجة غياب النمو، والجمود الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، انخفضت حركة الاستيراد في الربع الأول من هذه السنة 12 في المئة، في ذلك ناحية إيجابية من جهة، كونه خفض الانفاق، لكنه من ناحية أخرى يقلّص العائدات الجمركية التي يرتكز عليها الاقتصاد اللبناني بنسبة 50 في المئة من عائداته". ورأت المصادر أن من مصلحة لبنان أن يبيع في أسرع وقت مؤسساته العامة الخاسرة الى القطاع الخاص، لإيقاف الخسائر، فأعطت مثلاً شركة كهرباء لبنان التي تكبد الدولة خسائر ب230 مليون دولار سنوياً وهو المستوى الذي كان لسنة 1997 - 1998، مشيرة الى أن الشركة غير قادرة على العمل من دون التقنيين الإيطاليين الذين يقومون بتشغيلها. وتنتقد المصادر التأخير في أخذ القرار حول قانون الخصخصة، الذي أضاعت الحكومة ستة أشهر في أخذ القرار في شأنه، بعد تردد حوله إذا كان يجب أن يكون قانوناً لإطار عام للخصخصة، أو قانوناً خاصاً لكل مشروع على حدة، كما تبنته أخيراً، وترى أن أخذ القرار قبل ستة أشهر حول الخصخصة كان في امكانه ابتلاع بعض العجز في الموازنة. المصادر الغربية رأت ان الاصلاحات التي انتهجتها الحكومة في شأن الدين العام، خصوصاً بالنسبة الى العجز هي الطريق الصحيح. وأي حكومة كانت، السابقة أم الحاضرة، عليها أن تواجه مشكلة العجز الناتج من الدين العام، الذي يبلغ بليونين ونصف البليون دولار سنوياً. ولكن أداء الحكومة ضعيف حسب المصادر الدولية، على رغم وجود وزراء جيدين. ورأت المصادر الغربية أن مكافحة الفساد أمر ايجابي وتشجعه الأوساط الغربية، إلا أن من الخطأ أن يكون تركيز النظام السياسي الحالي على التطلع الى الوراء بدلاً من وضع رؤية شاملة مستقبلية تتميز بالخروج من الإنزواء على النفس، السائد حالياً. واعترفت أوساط لبنانية رسمية، واسعة الاطلاع على تفكير الرئيس اللبناني العماد اميل لحود، ان الأداء الاقتصادي في لبنان حالياً فيه خلل لكنها بررت ذلك بأن عملية انتقال السلطة من العهد السابق الى الحاضر كانت دستورية مع انتخاب الرئيس اميل لحود، وانقلابية مع خروج رئيس الحكومة السابق من الحكم. فالخطوة لم تكن متوقعة، وشكلت صدمة، فجاءت هذه الحكومة بمثابة حكومة طوارىء برئاسة الدكتور سليم الحص كشخصية سياسية مرموقة تحظى باحترام وتقدير في مختلف الأوساط. واعتبرت الأوساط اللبنانية الرسمية أن الوضع الأمني كان فقط عامل انتقال واستمرارية طبيعيين، بين الماضي والحاضر، وأن التغيير الذي حصل بخروج الحريري أدّى الى ارباك. وتتوقع الأوساط الغربية في المقابل أن يستمر التباطؤ الاقتصادي في لبنان للسنوات الاثنين أو الثلاث المقبلة على رغم أن أحد المسؤولين الغربيين علّق "أن لبنان مثل الفلّين سيظل عائماً".