إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اضواء جديدة ورسائل كاشفة في "أكمل بيوغرافيا". امرأتان "جديدتان" في حياة جبران خليل جبران
نشر في الحياة يوم 06 - 04 - 1992

حين صدرت في نيويورك الطبعة الثانية من كتاب النحات الاميركي خليل جبران عن نسيبه جبران خليل جبران تلقى المؤلف اتصالاً هاتفياً من سيدة: هل تعرف ان عمّتي كانت على علاقة مع نسيبك؟
… وانفتح باب الوثائق ليكشف اسراراً من حياة جبران خليل جبران في الولايات المتحدة، ولتحضر في الصورة الادبية امرأتان: جيرترود باري وجيرترود سترن.
من الغريب ان العالم العربي لا "يعرف" هذا الكتاب.
ومن الغريب الا يترجم الى العربية تلقفته فور صدوره طبعة اولى عام 1974، اذ احدث ضجة غير عادية في الاوساط الاميركية لكونه جاء "اكمل بيوغرافيا" يمكن ان تتاح لأديب.
ومن متابعتنا لما يصدر عن جبران، لم نجد هذا الكتاب حتى في بيبليوغرافيا كتابات كثيرة صدرت عنه بعد 1974.
انه جاء قمة الهرم بعد ثلاث محطات كبرى تلت كتاب ميخائيل نعيمة "جبران خليل جبران: حياته، موته، ادبه، فنه" - بيروت 1934، وهو اثار ضجة استهجانية كبيرة في العالم العربي، ثم اثار ضجة اكبر في الاوساط الاميركية حين صدر بالانكليزية في نيويورك عام 1950.
المحطة الاولى كانت عام 1963 حين نشر خليل حاوي اطروحته بالانكليزية: "خليل جبران: خلفيته، مزاجه، اعماله" منشورات الجامعة الاميركية - بيروت - الرقم41 وقال فيها بعض جديد.
المحطة الثانية كانت عام 1966 حين اصدر توفيق صايغ في بيروت عام 1966 كتابه "اضواء جديدة على جبران" قاطفاً بضع رسائل بين جبران وماري هاسكل كانت صدمة ايجابية مفيدة جداً لمتابعي جبران.
المحطة الثالثة كانت اصدار فرجينيا حلو عام 1973 في نيويورك تحقيقها مجموعة الرسائل اعلاه في عنوان "النبي الحبيب" صدرت ترجمتها في بيروت تحت عنوان مغلوط "نبي الحبيب" في ثلاثة اجزاء والترجمة غير دقيقة.
هذه، طبعاً، بالاضافة الى الكتاب الشهير الذي اصدرته باربره يونغ رفيقة جبران اليومية في سنواته السبع الاخيرة بعنوان "هذا الرجل من لبنان" نيويورك - 1945 وصدرت له ترجمة عربية رديئة بعنوان مغلوط ايضاً: "ذاك الرجل من لبنان".
هذه المراجع، الى اهميتها لم تكن سوى تفاصيل تكاد تكون ثانوية، بالنسبة لما ثابر عليه النحات البوسطني خليل جبران وزوجته جين لإصدار كتابهما "خليل جبران: حياته وعالمه" عام 1974 عن منشورات "نيويورك غرافيك سوسايتي" ، وصدرت طبعته الثانية عام 1981.
مناسبة الكلام عليه اليوم، صدور طبعة ثالثة له * منقحة ومزيدة، عن منشورات "انترلنك" ميشال مشبّك وشركاه في نيويورك بغلاف جديد من ليندا دلال صوايا، وتصدير خاص من سلمى الخضراء الجيوسي، وخصوصاً، وهنا الاهم: فصل جديد اضافي بعدما اكتشف المؤلفان على اثر صدور طبعة الكتاب الاولى، علاقة سرية لجبران لم يكن يعرف بها احد حتى كشفتها من كانت تملك الوثائق بعدما قرأت الكتاب.
النسيب يجمع الوثائق
اهمية هذا الكتاب النفيس 456 صفحة قطعاً كبيراً ان ليس فيه سوى وثائق. من الغلاف الى الغلاف، لا رأي شخصياً واحداً فيه. كله وثائق وارقام وتواريخ واسماء ومراجع ومصادر ومقابلات موثقة، اضافة الى 100 صورة فوتوغرافية بالابيض والاسود تنشر للمرة الاولى وتشير الى جبران جديد.
ثلاثون سنة والمؤلفان يجمعان الوثائق الخاصة.
منذ متى؟ منذ وفاة جبران.
ها هو المؤلف يعترف: "الحاجة الى سبر عالم خليل جبران بدأت بي عام 1932 وكنت لا ازل في العاشرة. وفاته قبل عام من ذلك كان لها وقع كبير على عائلتي، وخصوصاً على والدي نقولا جبران، وهو كان ابن عم الشاعر ورفيق طفولته في بشري ورفيق شبابه في بوسطن. وحين تزوج والدي من امي روز جبران، نسيبته هي الاخرى، كان الشاعر اقرب الناس اليهما، وهو الذي كان عرّابنا جميعاً في المعمودية، وهو الذي اعطانا اسماءنا: هوراس، سوزان، خليل انا حافظ وسلمى… ولم يكن في طفولتي حدث ابرز من مجيء "انكل خليل" من نيويورك الى بوسطن، فنهرع الى العمة مريانا وكانت تسكن شقة متواضعة في تايلر ستريت لنأنس الى هذا الشخص الاسطوري الذي كان الجميع يتهيبون حضوره، وكانت سهرات عزف العود والناي لا تنقطع في تلك الشقة تكريماً له كلما جاء. وذات يوم، وكنت احمل خبزاً له ولشقيقته، اجلسني بجانبه وراح يعلمني كيف امزج الالوان المائية".
رسائل مريانا المحترقة
وبعدما يثير المؤلف ذكريات مؤلمة عن حالة البيت وحالة العمة مريانا بعد موت جبران، يروي حادثة يعتبر انها اكثر ما يأسف له في حياته: "ذات يوم احد، كنت عن غير قصد شريكاً في مؤامرة اتلاف وثائق لا تقدير اليوم لعظمة اهميتها. ذلك ان مريانا، حين ذهبت في صيف 1931 مع جثمان جبران الى لبنان، طلبت منا ان نجمع لها بريدها ونحفظه لدينا الى حين عودتها، وكان بعضه موجهاً الى جبران مباشرة. وحين عادت، مكسورة بالحزن والقهر والغم، كانت الرسائل في غيابها ملأت كيساً قماشياً كبيراً، فلم تعرها اهتماماً لوقت طويل، الى ان كان بعد ظهر ذاك الاحد، حين استدعتني وطلبت مني، لكونها امية لا تعرف القراءة، ان اقرأ لها اسم المرسل، فإذا عرفته، وقليلاً ما عرفت من الاسماء، احتفظت بالرسالة لفتحها، والا طلبت مني ان اتركها جانباً بدون فض. وبعدما انتهيت، كانت الرسائل المفتوحة اقل من عشر، وبقيت الرسائل الاخرى جميعها مختومة، فطلبت مني ان احمل الكيس كما هو واخرج به الى زاوية الشارع واحرقه بما فيه، واذا بي، بجهل ابن العاشرة، اتلف نحو مئتي رسالة عليها طوابع من مختلف انحاء العالم، في بعضها وثائق عن جبران، وفي بعضها الاخر رسائل مباشرة اليه، وفي قسمها الاخير رسائل تعزية الى مريانا بوفاته".
ويكبر الفتى خليل، ويعي ما فعل، فينذر ان يجمع كل حفنة عن الشاعر الراحل، وبدأ من مريانا "التي زودتني بكل ما لديها عن اخيها، اوراقاً وثياباً واشياء خاصة، واضاف ابي الى تلك الثروة ثروة اخرى مما كان يملك، ورحت اضيف اليهما ما تجمع لدي من كتب عنه ومقالات من مختلف انحاء العالم. وعام 1966، وكانت زوجتي التحقت بي في هذا العمل الجبار، رحنا نقرأ واحدة فواحدة رسائل ماري هاسكل اليه ورسائله اليها 615 رسالة متبادلة بين 1904 و1931 ومجموعة 47 دفتر يوميات مذكراتها عنه، كانت ماري اوصت بها لمكتبة جامعة نورث كارولاينا. وكان ان تجمعت لدينا مكتبة كاملة من الوثائق والرسائل والصور غير المنشورة، فقررنا زوجتي وانا، عند مطلع السبعينات ان نتوقف عن التفتيش والبحث والتجميع بشكل هواية وان ننصرف بكامل وقتنا لإنجاز غربلة هذا الكم الهائل وتصنيفه في كتاب. واذا بهذا الكتاب ثمرة ذاك الجهد المضني الطويل".
ويبدو واضحاً، حقاً، ذلك الجهد المضني الطويل". فمن بيبليوغرافيا الكتاب في آخره، يتبين كم استطاع المؤلفان ان يجمعا عن جبران في مختلف لغات العالم وبلدانه، حتى يكاد لا يغيب مرجع واحد في اية بقعة من العالم، ولا بأية صيغة: كتاباً كان ام رسالة ام اطروحة ام مقالاً ام جزءاً من مقال.
ملاحقة يومية لجبران: منذ الولادة 6/1/1883 في بشري، حتى الوفاة الساعة الحادية عشرة الا خمس دقائق من ليل الجمعة 10/4/1931 في مستشفى القديس فنسنت نيويورك، بعيداً خطوات معدودة عن "الصومعة" الاستوديو الذي عاش فيه 20 سنة متتالية في المبنى الرقم 51 من الشارع العاشر غرباً. وما بين الولادة والموت ذكريات الطفولة الاولى، فسنوات الشقاء مع العائلة، فقرار السفر، فالسفر الى بوسطن، فسكنى ذاك الحي الصيني الفقير القذر، فسنوات الدراسة الابتدائية في دنيسون هاوس حيث انتبهت اليه، المرشدة جيسي فريمونت بيل فكتبت رسالة الى فرد هولاند داي تلفته فيها الى الصبي جبران فيتلقفه داي ويرعاه ويهيئ له معرضاً عام 1904 زارته في ساعاته الاخيرة ماري هاسكل فتعرفت الى جبران و… كان ما كان بينهما من قدر صاخب.
في مقال ضئيل، لا يمكن ان "نُكَبْسِل" جميع محاور الكتاب الذي يضوّىء على حياة جبران في دقة عجيبة ماراً بعلاقاته المتعددة مع جوزفين بيبدي وشارلوت تيلر واخريات عديدات، لكنه يتركز في معظمه على السيدة التي كانت وراء ايصال جبران الى الفرص الذي عرف كيف يقطفها: ماري هاسكل التي رعته سبعاً وعشرين سنة متواصلة بكل امانة واخلاص، وكان مديناً لها بكل عمق. مع اشارة الكتاب، طبعاً، الى ما كانت عليه باربره يونغ من اهمية فبعدما تزوجت ماري هاسكل في سافانا جورجيا كانت باربره حاضرة يومياً مع جبران في الاستوديو حتى لحظته الاخيرة، حتى ليمكن القول انه مات على يدها.
عازفة البيانو
جديد الطبعة الجديدة، كما قلنا، هو الفصل الاخير. ويبدأ هكذا: "بعد شهرين على صدور الطبعة الاولى من هذا الكتاب تلقينا اتصالاً هاتفياً من سيدة قالت: "هل تعرف ان عمتي كانت على علاقة مع نسيبك؟" وكان ذاك السؤال فاتحة نافذة جديدة على علاقة جبران حين كان في الثالثة والعشرين مع سيدة كانت تكبره بثلاث. اجتمعنا بالسيدة المهاتفة وهي استاذة الفن في جامعة بوسطن، فوافقت على ان تعطينا الوثائق التي كانت في حوزتها من عمتها، واذ بنا، وقد ظنّنا اننا كتبنا اكمل بيوغرافيا يمكن ان تصدر عن كاتب في القرن العشرين، نكتشف تلك المرأة: جيرترود باري، عازفة بيانو متحررة ومعروفة في بوسطن تلك الحقبة. وحين قرأنا 16 رسالة اخذناها من نسيبتها استدللنا على عشرات الرسائل الاخرى من نسيب اخر لها مكتوبة بخط جبران. واذا بنا نكتشف دور شخص جديد من اصدقاء جبران: سليم سركيس، الذي على ما يبدو كان هو صلة الوصل في التقاء جبران بجيرترود".
وهكذا، اضيئت حقبة من حياة جبران كانت تنقص عنها اضواء ابتدأت علاقتهما عام 1906، العام الذي شهد خروج جوزفين بيبدي من حياته، وقبل ان تدخلها ماري هاسكل بشكل يومي. والعلاقة بدأت اصلاً مع سليم سركيس الذي كتب اليها رسالة حزيران 1904 من مكتبه في جريدة "مرآة الغرب" في نيويورك. ونكتشف التأكيد من رسالة لاحقة كتبها اليها من مكتبه في "مجلة سركيس" من القاهرة عام 1908 اذ يقول لها: "حين اردت ان اعطيك مثالاً عن اللبناني، اشرت اليك بالتعرف الى جبران. ولست نادماً فهل انت نادمة؟". ويجزم المؤلفان ان لا. فرسائل جبران اليها هي الاكثر حمية عاطفية وزخماً غرامياً وشبقاً من كل مراسلاته الباقية الى جميع النساء اللواتي عرفهن. وفي شقتها تريمونت ستريت رقم 552 كانا يلتقيان ويتبادلان الحب. وحتى بعد انتقاله الى نيويورك بقي على اتصال بها، فيكتب اليها عام 1914: "ايتها اللذيذة جيرترود، قولي انك لا تزالين تبتسمين وتضحكين تلك الضحكة المثيرة الراعشة التي كانت تشعلني في تلك المرحلة السحيقة حين كنت صديقة للقمر". ويكتب اليها1909 من باريس: "فكري بي قليلاً حين تكونين محدقة في ديانا". واللافت انه كان يشبهها كثيراً بديانا، رمز الجمال والحب والجنس. وفي قمة علاقته معها يقول: "اقبّل عينيك ويديك وحلقك كما كانت ديانا تقبلنا تلك الليلة" 1907. ويصدر كتابه الانكليزي الاول "المجنون" فيرسل نسخاً منه اليها والى صديقاتها ويكتب اليها في لهجة اكثر نضجاً وحكمة: "وحده العمل هو الطريق الى الوصول" 1919.
سليم سركيس ايضاً
وتتزوج جيرترود عام 1922 من عازف كمان ايطالي، فتتلقى تهانئ من سركيس وجبران على السواء. واذا برسالة جبران اليها آخر ما كتب لها، ومنها: "في رسالتك مرح يشير الى سعادتك. وأظن رفيقاتك سعيدات لسعادتك. انت واحدة من قليلات في هذا العالم يستحققن كل خير وسعادة. مع تمنياتي القلبية لك ولزوجك، واعتبريني دائماً صديقك: جبران". اما رسائله الى سليم سركيس في مصر فاستمرت الى الحرب العالمية الثانية، وكان نشر بعض رسائلهما في مجلته عام 1908، ومنها: "تسألينني عن حياتي الليلية؟ في الليل عادة، ألتقي في المكتبة العامة او مكتبي بعض الاصدقاء، اسألي جبران عنهم فهو يسمع بهم، ومنهم الدكتور شبلي الشميل فيلسوفنا الثائر، وجرجي زيدان مؤرخنا، ورشيد رضا المصلح الاجتماعي، والشيخ يوسف الخازن مفكرنا، وسليمان البستاني مترجم هوميروس. قد تكونين سمعت ان جبران يكتب منذ سنتين في جريدة "المهاجر" النيويوركية مقالات تحت عنوان "دمعة وابتسامة". انني اتابعها جميعها وأعيد نشرها في مجلتي".
ومما اكتشفه المؤلفان كذلك، كما نفهم من هذا الفصل الجديد في الطبعة الجديدة، عدا مجموعة الرسائل بين جبران وجرترود باري، وثيقتين من رسم جبران عند مطالع سنواته في اميركا. الاولى حملها اليهما المونسينيور يوسف لحود راعي كنيسة سيدة لبنان المارونية في بوسطن حالياً من احد ابناء رعيته عن ابيه الراحل صديق جبران في صباه، وهي مجموعة رسوم تذكارية للفتى جبران وهو يرعى الاغنام في غابة الارز. والوثيقة الثانية حملها اليهما بائع كتب متجول، وهي نسخة من كتاب عن عمر الخيام بقلم ناتان هاسكل دول، صادر عام 1898، ويحمل غلافه رسم الشاعر الفارسي بريشة وتوقيع "خ. جبران"، مما يلغي كل شك حول مصداقية ما كان جبران يقوله عن بدئه بالرسم المحترف قبل عودته القصيرة الى لبنان. وكان دول يومها من اشهر مؤلفي السيرة في اميركا، ومع ذلك اعتمد غلافاً رسمه فتى في الخامسة عشرة اسمه خليل جبران.
وجه في المأتم
وثيقة اخيرة يؤكدها المؤلفان في هذا الفصل الجديد: بعد صدور الطبعة الاولى من كتابهما وقعا على وثيقة من احد مؤرخي الفنان فرد هولاند داي تؤكد انه "كان يقيم معارض صوره الفوتوغرافية في محترفه كورنهيل ستريت، رقم 69 وأحد ابرز الذين التقطتهم عدسة كاميراه فتى لبناني اسمه خليل جبران كان يمارس فن الرسم في محترف داي الذي كان يهتم به ويرعاه".
وأخيراً يكشف المؤلفان عن رسالة جاءتهما بعد عامين على صدور طبعتهما الاولى تقول: "قرأت سيرتكما عن جبران وهي افضل ما صدر عنه على الاطلاق. انني آخر حب عرفه جبران في حياته حتى انه عرض عليّ ان اتزوجه" وكان التوقيع: "جيرترود ستيرن"، تلك المرأة "التي ظنناها سراً مغلقاً، اذ لم تذكرها ماري هاسكل في مذكراتها سوى بأنها كاتبة من بوسطن كانت حاضرة مأتمه، وذكرها ميخائيل نعيمة بشكل مبهم جداً. صعقتنا المفاجأة فاتصلنا بها، ووضعت في تصرفنا رسائل متبادلة بينهما قبل 45 سنة، ثم قابلناها فروت لنا اخباراً عن الشاعر في اسابيعه الأخيرة وعن شدة آلامه وتكتمه عليها، وكانت آخر مرة زارته فيها قبل وفاته بأسبوع واحد".
عندما يتدخل نعيمة
ولعل من اطرف ما اكتشفه المؤلفان في رسائل جيرترود ستيرن، رسالة من ست صفحات كتبها اليها ميخائيل نعيمة راوياً لها زيارته في آب اغسطس 1932 الى قبر جبران وجولته هناك، و"امتعاضه" من كون الناس راحوا يقابلونه بالكلام عن جبران في شكل تمجيد وتقديس، وكانوا يعتبرونه نقياً فوق الشبهات "ولم يكونوا يعلمون حقيقة ما كانه جبران من تعاطيه الخمر والنساء". ويختم تلك الرسالة بقوله: "كم عرف جبران ان يخفي حقيقته عن الآخرين"، مما اغضبها كثيراً حتى انها مزقت رسالة نعيمة اللاحقة اليها ولم تعد تكتب اليه". ولعل هذه الظاهرة التي دفعت بنعيمة الى وضع كتابه عن جبران بالشكل الحاد كما لينزع عن صديقه تلك الهالة والكتاب كما نكتشف من هذه البيوغرافيا، جمع اكثر معلوماته صباح 20 نيسان ابريل بعد عشرة ايام على وفاة جبران، خلال لقاء اربع ساعات بماري هاسكل في فندق تومسون قرب محطة "غراند سنترال ستايشن" في نيويورك قبل ان تستقل القطار عائدة الى سافانا" حتى قامت على كتابه تلك الضجة التي زادها غلياناً صدور حقائق تجاهلها نعيمة، او جاء بها غير دقيقة، وبرزت تامة في كتابات باربره يونغ وفيرجينا حلو وتوفيق صايغ وحرفية الرسائل بينه وبين ماري هاسكل مما لم يكن نعيمة يظن، حين وضع كتابه، انها ستظهر الى الوجود.
حقيقة جبران ظهرت في هذا الكتاب الموثق الذي اعتبره النقاد "اكمل بيوغرافيا عن اديب صدرت في القرن العشرين".
وانها، فعلاً، كذلك، نصاً ووثائق وصوراً فوتوغرافية تلاحق جبران من سنواته الاولى حتى يوم مأتمه. والاهم، انها مكتوبة باداء اكاديمي حيادي، لا حس فيه لعاطفة ولا اثر لانفعال، مع انها مكتوبة بقلم اقرب الناس مطلقاً الى صاحب "النبي"، وبأسلوب كرونولوجي حي نابض يخيل للقارئ معه ان جبران سيخرج حياً امامه من بين دفتي الكتاب، كما ليحقق ما قالته سلمى الخضراء الجيوسي في تصديرها: "ما زال جبران حياً حتى في حقول الادب العربي التي تزداد غنى بأصحاب المواهب الجديدة. قد يكون الادب العربي الحديث احد اغنى الاداب اليوم في العالم، لكن الحيز الاكبر في غناه يدين بالفضل الى اعمال جبران الريادية".
وبالاكاديمية نفسها يمكننا القول بعيداً عن اي انفعال: من دون العودة الى هذا الكتاب، لا يمكن ان يكتب احد عن جبران، ويكون حقاً كتب.
كلام الصور
1 - العائلة قبل السفر الى بوسطن: الوالد خليل جبران بالقمباز وهو بقي في لبنان، الى جانبه زوجته كاملة، امامهما مريانا مع باقة الزهور، ولا تظهر سلطانة بسبب مزق في الصورة، وراءهما بطرس، والى يسار الصورة وقف الصبي جبران يحمل في يساره قلماً وفي يمينه لفة اوراق 1895 - ترجيحاً في ايار/مايو.
2 - في باريس، لدى محترف الرسام مرسال بيرونو 1909، ويبدو جبران الثاني من اليسار جلوساً.
3 - جبران في احد مراعي ماساشوستس 9219
4 - ماري هاسكل الى اليمين في صورة نادرة لها مع احدى زميلاتها.
5 - 4 لقطات من فيلم سينمائي قصير 8 ملم ظهر فيه جبران طوال 20 ثانية صوّره الناشر الفرد كنوف عام 1929 خلال احتفال في نيويورك، وسمى الشريط "الناشر يشتهر بشهرة من ينشر لهم". وهذا الفيلم النادر هو الوحيد الذي يظهر فيه جبران متحركاً يدخن سيجارته ببعض عصبية.
6 - جبران في تابوته الملفوف بالعلم الاميركي، في المحطة الجنوبية بوسطن بعد الصلاة عليه في سيدة الارز وقبل نقله الى المدفن الموقت الذي حملته منه مريانا بعد اربعة اشهر الى مار سركيس في بشري. الى جانب الجثمان في الصف الاول من اليسار: مريانا شقيقة جبران، زكية جبران دياب، مرون جورج، روز جبران والدة المؤلف، اميليا بارنت. وفي الصف الثاني من اليسار: باربره يونغ رفيقة سنواته الأخيرة، عساف جورج، مايك قبلان، نقولا جبران والد المؤلف، والاب اسطفان الدويهي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.