سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رسائل بالانكليزية غير منشورة ووثائق كشفها ل"الحياة" الكاتب اسكندر نجار . عندما وافق جبران على الترجمة العبرية لكتابه "النبي" محذراً من استغلالها إعلامياً
بعد مضي 75 سنة على وفاة جبران خليل جبران ما برحت تظهر له رسائل مجهولة ونصوص غير منشورة مما يزيد من التباس شخصيته. وإن كانت بعض أموره الشخصية تثير بعض الأسئلة التي لا أجوبة لها، فإن اكتشاف مزيد من رسائله غير المنشورة يساعد على ادراك بضع نواح من هذا السر الكبير الذي يُدعى جبران. الكاتب اللبناني بالفرنسية والباحث الجبراني اسكندر نجار اكتشف اخيراً رسائل بالانكليزية مجهولة وغير منشورة لصاحب"النبي"ووثائق قيمة كانت ضمن محفوظات الناشر الأميركي الفرد كنوبف الذي كان أول مَن شجع جبران ناشراً له كتابه الأول بالانكليزية"المجنون"بعدما رفضه ناشرون آخرون. ثم تبنى هذا الناشر وزوجته بلانش كتاب"النبي"الذي سرعان ما نال رواجاً في أميركا وخارجها. واللافت ان هذا الناشر سعى الى ترجمة"النبي"الى العبرية بعد موافقة جبران الذي طلب منه ألا يدلي بأي شيء في هذا الشأن قبل صدور الترجمة. وتكشف رسائل أخرى عن علاقة جبران بعالم النشر في أميركا وعن ميله الواضح الى جمالية اخراج الكتب وطباعتها. ومن الأمور المهمة التي تكشفها هذه الرسائل تاريخ ولادة جبران الذي يحدده بنفسه في إحدى الرسائل قائلاً:"ولدت في ساعة مبكرة في السادس من شهر كانون الثاني يناير من العام 1883"مما يدحض التواريخ الأخرى لولادته. لعلّ هذه الرسائل غير المنشورة التي ترجمها الى العربية الكاتب الكسندر نجار وعلّق عليها تلقي ضوءاً على زوايا مجهولة من سيرة جبران وحياته. وستضمها لاحقاً الترجمة العربية لكتاب"جبران"الذي كان وضعه نجار بالفرنسية وصدر قبل ثلاث سنوات عن دار"بيغماليون". والترجمة العربية للكتاب أنجزها الشاعر بسام حجار وستصدر عن دار"النهار"خلال أشهر. علاقة الكاتب بناشره علاقة غريبة تتأرجح بين الثقة والمصلحة والصداقة. كيف كانت علاقة جبران خليل جبران بناشره ألفرد كنوبف Alfred Knopf؟ المعروف أن هذا الأخير لعب دوراً رئيساً في انطلاقة جبران إذ كان أوّل من وافق على أن يَنْشُر له كتابه بالإنكليزية،"المجنون"، بعدما رفضه ناشران قبله. وتلته مؤلّفات أخرى وفي مقدمها"النبي"الذي نال نجاحاً عالمياً. الرسائل التي ننشرها اليوم للمرّة الأولى والصادرة عن جبران من جهة وعن ألفرد كنوبف ومعاونيه من جهة ثانية للمرة الأولى، تفصح عن طبيعة العلاقة التي كانت تربط جبران بناشره وتُظهر بوضوح مدى اهتمام جبران بعملية تصنيع كتبه، وتبيّن حرص كنوبف على صون مصالحه التجارية. الرسالة الأولى موجّهة من جبران في بوسطن إلى ألفرد كنوبف في نيويورك ومؤرّخة في 27 كانون الثاني يناير 1926، هذا نصها: عزيزي السيد كنوبف، أسِفت لمعرفة أن ثمّة مشكلة حصلت بالنسبة للوحات رسوم"السابق". كما آسف أن أعلمكَ أن أصول الرسوم لم يعد في حوزتي كوني بعتها قبل سنوات إلى أصدقاء يعيشون اليوم في جنوب البلاد. بطبيعة الحال، سأكتب إليهم لأطلب منهم إرسالها إليك لاستنساخها. مع أطيب التحيات إليكَ وإلى السيدة كنوبف. بكل إخلاص، خليل جبران 76 تيلر ستريت، بوسطن - ماسا شوستس. وجاء جواب كنوبف في رسالة مؤرّخة في 29 كانون الثاني 1926، هذا نصّها: 29 كانون الثاني 1926 عزيزي السيد جبران، إن هذا كلّه مؤسف ولكن ما يبدو مهماً لي هو أن نسير قدماً بالطبعة الجديدة لكتاب"السابق". وعليه، فإننا سنقوم بإست نساخ لوحات الطبعة الأولى من الكتاب. إن لم تكن مرضية وإن تمكنت من الاستحصال على اللوحات الأصلية، فسنعتمد على الأصل. إني مسرور لأن"النبي"يسير بصورة جميلة. المبيعات بالنسبة للعام الفائت تخطّت الخمسة آلاف نسخة وإننا نخطّط لمزيد من الإعلانات عن الكتاب مخصّصة للمكتبات عوضاً عن الجمهور، كون هذه الآلية لاقت نجاحاً خلال العام الفائت. المهمّ هو أن حجم المبيعات هو أكثر تعبيراً بالنسبة لباعة الكتب من أي حجّة أخرى يمكننا استخدامها. مع أطيب التحيّات وعلى أمل رؤيتك قريباً. بكل إخلاص خليل جبران 76 تيلر ستريت بوسطن - ماساشوستس يفاد من هذه الرسالة بأن مبيعات"النبي"تجاوزت الخمسة آلاف نسخة في عام واحد، وهو رقم ممتاز في تلك الحقبة، علماً بأن دار كنوبف باعت أكثر من 3 ملايين نسخة من الكتاب المذكور حتى تاريخه. وما يُظهِر حنكة كنوبف أنه يرى من المناسب إعلام المكتبات بهذه الأرقام لتشجيعها على بيع الكتاب ليقينه من أن أرقام المبيعات تلعب دوراً أساسياً في عملية الترويج. أما الرسالة الثالثة فهي موجّهة بتاريخ 25 شباط فبراير 1925 من دار كنوبف إلى جبران، الذي انتقل إلى نيويورك، هذا نصّها: 25 شباط 1926 عزيزي السيد جبران، لقد استحصلت على تخمينات وتصاميم من أجل الطبعتين الجديدتين لپ"النبي". أعتقد أن لا مشكلة في طبعة ال 5 دولارات التي أتوقّع أن أدفع لك عليها حقوقاً قدرها 15 في المئة. أما طبعة الجيب بدولارين فهي تثير مشكلة وأشكّ في قدرتنا على تجليدها فنّياً إلاّ إذا اعتمدنا دولارين ونصف دولار على الأقل لكل نسخة، وهذا سعر مرتفع. التقديرات الأولية تشير إلى أن التجليد المذكور يتناسب مع كتاب سعره 3 دولارات ونصف دولار أو 4 دولارات في حين أن السعر الأقصى كان دولارين. أتمنى أن توافق على نسبة 10 في المئة كحقوق على طبعة الجيب .... أرجو أن تعطيني رأيك في ذلك متمنياً أن ترسل لنا بعض الكتب التي تُبيّن لنا ما تقصده بالتجليد اللائق. أطيب التحيات، خليل جبران 51 وست تنس ستريت، نيويورك يفاد من هذه الرسالة بأن طبعة"النبي"الأولى نفدت وأن الناشر كنوبف قرّر إصدار طبعة ثانية تشمل نوعين من الكتب : طبعة الخمس دولارات وطبعة الجيب. وقد واجه كنوبف مشكلة في التوفيق بين سعر هذه الطبعة التي أراد جبران ألاّ تتعدّى الدولارين وضرورة تجليدها فنيّاً بناءً على رغبة جبران. والمفارقة أن الناشر استجاب لرغبة الكاتب ولكن على حساب هذا الأخير إذ قرّر تخفيض نسبة حقوق جبران من 15 في المئة إلى 10 في المئة! وفي تاريخ 19 آذار مارس 1926، أرسلت دار كنوبف إلى جبران رسالة أخرى تؤكد فيها توصّل الفريقين إلى تفاهم حول المسألة العالقة يتلخصّ بقبول جبران لنسبة العشرة بالمئة على أول 2500 نسخة مباعة على أن يتقاضى 15 في المئة على النسخ اللاحقة. وبتاريخ 23 آذار 1926 وقد كتب جبران خطأ" 1925" ، أرسل جبران إلى ألفرد كنوبف رسالة، هي الخامسة من الرسائل المنشورة هنا، جاء فيها ما يأتي: "عزيزي السيد كنوبف، "أرسل إليكَ مع هذا الكتاب رسالتك موقعة منّي تأكيداً على اتفاقنا حول طبعة الجيب لكتاب"النبي"الذي وجدته مناسباً. يسّرني أن أرسل اليك نسختين من مخطوطة"رمل وزبد"عندما أنتهى من العمل. لقد كتب لي السيد سميث قائلاً أنه يريد المخطوطة والرسوم في النصف الأول من شهر أيار مايو. بكل صدق، خليل جبران وفي تاريخ 22 أيار 1926، أرسل جبران إلى السيد سميث، المسؤول لدى دار ألفرد كنوبف، رسالة هذا نصّها: 22 أيار 1926 "عزيزي السيد سميث، أرفق لك ربطاً 6 رسوم مختلفة مخصّصة لكتاب"رمل وزبد". يمكنك تصغيرها إلى قياس يمكّنك من استعمال ثلاثة أو أربعة منها ضمن صفحة واحدة من دون أن تعطي انطباعا بأنها غير منتظمة أو كثيرة الزخرفة. أسمح لنفسي بأن أذكّرك بأنني أرغب في طبع كتاب"رمل وزبد"بطريقة مشابهة للمخطوطة، وذلك لجهة عدد الحِكَم ضمن الصفحة الواحدة ولجهة عدد الصفحات التي سيتضمّنها الكتاب. عندما يكون ذلك ممكناً لك، أرغب في مناقشة غلاف الكتاب وتجليد الطبعة الخاصة من كتاب" النبي". مع أطيب التحيات بكل إخلاص، خليل جبران وفي 2 تموز يوليو 1926، أرسل جبران من بوسطن رسالة إلى السيد سميث، من دار كنوبف، يعلّق فيها على مشروع كتاب" رمل وزبد" المرسل إليه. وهذا نصّ الرسالة : 2 تموز 1926 76 تيلر ستريت، بوسطن ماساشوستس "عزيزي السيد سميث، أرسل إليك صفحات"رمل وزبد"التي وجدتُ فيها أخطاءً جسيمة في ترتيب الزخرفات، قمت بتصحيحها. ربما كنت مسؤولاً عن هذا الخطأ غير أنني مسرور لأننا سنتمكّن من تصويبه. يجب أن تبدأ كل صفحة من صفحات" رمل وزبد" بزخرفة من الزخرفات الكبيرة كما هو مبيّن بواسطة الأسهم، كما يجب أن نضع محلّ الزخرفات الكبيرة بعض الزخرفات الصغيرة بغية فصل كل حكمة عن الأخرى. لا أعتقد على الإطلاق أن صفحات هذا الكتاب هي مثقلة. أكبر الناشرين الإيطاليين الحديثين، كما بعض الناشرين البريطانيين والفرنسيين، اعتمدوا هذا التصميم بالذات. أنا لا أزال مضطرباً لجهة الصورة المفقودة والمقصود هنا الصورة التي يستهلّ بها كتاب"النبي"والتي فُقِدَ أصلها لدى دار كنوبف، آمل أن تكون قد وُجِدَت. الرجاء إعلامي بذلك. مع أطيب التمنيات بكل صدق، خليل جبران وخلال الفترة نفسها، نرى جبران مهتمّاً أيضاً بمتابعة عملية إعادة طبع كتاب"النبي". فيرسل بتاريخ 7 آب أغسطس 1926 إلى السيد سميث كتاباً هذا نصّه: "عزيزي السيد سميس، إن نماذج كتاب"النبي"المرفقة ربطاً جيّدة. من المتفق عليه، بطبيعة الحال، أن كل فصل يجب أن يبدأ بحرف مكبّر كما في الصفحة السابعة. أرجو أن ترسلوا إليّ نماذج الرسوم عندما ترد إليكم من المحترف. يبدو لي أنه يقتضي القيام بالمستحيل لإيجاد الرسمة المفقودة من كتاب"النبي". لماذا لا تُعلِم السيد صاموئيل كنوبف بالأمر لنرى ماذا يمكنه أن يفعل في هذا الصدد ؟ بكل إخلاص، خليل جبران أما بالنسبة للصورة المفقودة في مكاتب دار كنوبف، فيطالب جبران ببذل كلّ الجهود للعثور عليها. ويظهر أن إصرار جبران كان في محلّه إذ أرسلت دار كنوبف إلى جبران، بتاريخ 23 آب 1926، كتاباً أعلمته بموجبه أنها"بكثير من السرور والارتياح"وجدت الرسمة التائهة: 24 آب 1926 عزيزي السيد سميث، لقد سررت بخبر العثور على الصورة الضائعة من كتاب"النبي". الأفضل هو أن نستعمل الصورة القديمة التي كانت ضائعة لنستهلّ بها الكتاب. أما في حال قمتم بنسخ الصورة الجديدة، فأرغب في أن أراها مع الصورة القديمة لأتمكّن من الحكم بعد تأملهما جنباً إلى جنب. من الممكن أن تكون الصورة الجديدة أكثر جاذبية. لقد استلمت رسوم"رمل وزبد"من مطبعة بلينفستون مع التوصية بأن أختار الصورة التي سنستهلّ بها الكتاب. قمت بذلك وأعدت المجموعة إلى مرسلها. لكنهم لم يطلبوا إليّ كيف يودّون توزيع الرسوم الأخرى في الكتاب. سأقوم بذلك لاحقاً بكل سرور. بكل إخلاص، خليل جبران وفي تاريخ 14 كانون الأول 1927، ردّ جبران على رسالة لألفرد كنوبف مؤرّخة في 13 كانون الأول ديسمبر تتضمّن دعوة من كنوبف إلى حضور حفلة موسيقية لأوركسترا بوسطن السمفونية يوم الخميس 5 كانون الثاني يناير 1927 الساعة الثامنة والنصف مساءً: خليل جبران 51 وست ستريت، نيويورك سيتي 14 كانون الأول 1927 "عزيزي السيد كنوبف، سأكون مسروراً بأن أكون معك في حفلة بوسطن السمفونية في الخامس من شهر كانون الثاني. إنه للطف منك أن تدعوني وأنا ممنون لك. بكل إخلاص، خليل جبران". مراسلة مع بلانش كنوبف تبادل جبران خليل جبران وبلانش كنوبف، زوجة الناشر ألفرد كنوبف ومساعدته، رسائل عدّة نستعرضها في ما يأتي مع التعليق المناسب. في تاريخ 16 تشرين الأول اكتوبر 1925، كتب جبران من بوسطن إلى السيدة كنوبف الرسالة الآتية: بوسطن 16 تشرين الأول 1925 عزيزتي السيدة كنوبف، أنا آسف لأنني لا أتذكّر جين بارك أو أعمالها. لا أودّ التشكيك في ما تزعمه هذه السيدة ولكني ألقي اللوم على ذاكرتي لأنها ضعيفة بالنسبة للأسماء. الآن، أنا هنا في بوسطن بعدما قضيت الصيف على مقربة من البحر وبين الجبال. كان كل ذلك ممتعاً. آمل أن تكوني قد استمتعت مع السيد كنوبف في رحلتكما إلى الخارج. أتمنى أن ألتقي بكِ قريباً. بكل إخلاص، خليل جبران ملاحظة : تلقّيت للتو كتاباً من السيد هوروفيتز من لوس أنجليس يعلمني فيه أنه ترجم"النبي"إلى اللغة العبرية. يتّضح من هذه الرسالة أن جبران لم يتذكّر إسم المدعوّة"جين بارك"التي حدّثته عنها السيدة كنوبف والتي يُرجّح أن تكون قد اتصلت بدار كنوبف بتوصية مزعومة من جبران لمحاولة نشر أعمالها، وأنه أمضى صيف 1925 في بوسطن في وسط الطبيعة. وبالعودة إلى النص الأصلي بالإنكليزية، يتبيّن أن أسلوب جبران بالإنكليزية يتضمّن بعض الثغرات إذ يكتب"pleasent"بدلاً من"pleasant"ويكتب"say that"بدلاً من"saying that"في الملاحظة المدوّنة في أسفل الرسالة. أما ترجمة كتاب"النبي"إلى العبرية على يد إسحق هوروفيتز وهو صديق لجبران، وقد عرّفه على جرترود ستاين حبّه الأخير، فهي واقعة معروفة. وقد جاء جواب بلانش كنوبف على النحو الآتي: خليل جبران 51 ويست تَنْس ستريت، نيويورك عزيزي السيد جبران، أنا سعيدة برسالتك ومهتمّة بمعرفة أنك لا تعلم شيئاً عن المدعوّة جين بارك. كما كتبت لك، هؤلاء الأشخاص يحضرون باستمرار ومع إني لا أحب أن أزعجك بخصوصهم أرى من الأفضل، في بعض الأحيان، أن أسألك عنهم للتأكيد. متى تتوقّع أن تعود إلى نيويورك؟ آمل أن أراك مجدّداً. أرجو إعلامي بعودتك لتدبير لقاء. بالمناسبة، هل يمكنني استعمال واقعة ترجمة"النبي"إلى العبرية كدعاية أو أنه يُستحسن إنتظار نشره نهائياً؟ مع أطيب التمنيات، بكل إخلاص بلانش كنوبف ورد جبران على السيدة كنوبف بالرسالة الآتية: الخميس عزيزتي السيدة كنوبف، أعتقد أنه من الأفضل أن ننتظر صدور ترجمة"النبي"إلى اللغة العبرية، قبل أن يُدلى بأي شيء في هذا الشأن. وفي مطلق الأحوال، يعود لكِ الخيار. سأعود إلى نيويورك الاثنين أو الثلثاء من الأسبوع المقبل، وعندها سأتّصل بكِ هاتفياً بالتأكيد. سأكون مسروراً لرؤيتكِ وللتحدّث معك مطوّلاً. بكل إخلاص، خليل جبران نرى هنا جبران يفضّل عدم استغلال ترجمة كتابه إلى العبرية لأغراض تسويقية، طالباً إلى السيدة كنوبف التريّث لحين صدور الترجمة. كما تُعلمنا الرسالة أن جبران عاد إلى نيويورك في أواخر شهر تشرين الأول 1925 بعد قضاء فترة نقاهة في بوسطن. ومن اللافت أيضاً في هذه الرسالة الأخطاء اللغوية التي يقع فيها جبران بالإنكليزية فيكتب"Deside"بدلاً من"Decide"وهذا أمر طبيعي كونه تعلّم هذه اللغة في وقتٍ متأخّر من حياته. وفي تاريخ 13 أيلول سبتمبر 1926، وجّهت بلانش كنوبف رسالة إلى جبران تعلمه فيها بأن توزيع"النبي"يسير في شكلٍ جيّد وتنصحه بما يقتضي القيام به لتوسيع جمهور قرّائه. 13 حزيران 1926 عزيزي السيد جبران، لقد عدت للتوّ فوجدت أن كتاب"النبي"يسير بصورة جيدة. أودّ أن أقترح عليك، إن لم يكن ذلك مزعجاً لك، أن تقوم بالمشاركة في بعض معارض الكتب التي تنظّم في كل أنحاء البلد خلال الخريف وأوائل الشتاء، وأن تقوم فيها بتلاوة بعض أعمالك. هذه المبادرة مفيدة للاقتراب من المكتبات ومن جمهور قرائك. اقتراحي الأوّل إليك هو أن تختار موعداً وأن تذهب إلى شركة جوزف هورن في بيتيسبورغ حيث يقام معرض للكتاب من 25 تشرين الأول إلى الثلاثين منه. أخشى ألاّ تحبّ هذه المسائل ولكني أشعر بأن ذلك سيكون مفيداً لك. السيد ملون متحمّس للفكرة ويأمل أن تعطيه رأيك فيها. مع أطيب التحيّات السيدة بلانش ألفرد كنوبف خليل جبران 76 تيلر ستريت، بوسطن - ماساشوستس وفي رسالة أخرى، غير مؤرّخة، يكتب جبران إلى بلانش: عزيزتي السيدة كنوبف، "وصلتني للتوّ رسالتكِ اللطيفة. كنت مريضاً في بوسطن طوال أكثر من 3 أسابيع، وإني آسف لأنني لم أحوّل بريدي خلال الأسبوع الأخير من زيارتي. سأكون سعيداً لتلبيتي دعوتكِ إلى احتساء الشاي بعد ظهر يوم الأحد عند الساعة الرابعة. سأسرّ لرؤيتكِ والسيد كنوبف مجدّداً". مع مودّتي، خليل جبران يُفاد من هذه الرسالة أن جبران كان يعاني من المرض حتى أنه أمضى 3 أسابيع عليلاً في بوسطن. ويستفاد منها أيضاً أنه كان على علاقة مودّة مع آل كنوبف بدليل أنه كان يزورهم ويلبّي دعواتهم. وبعد سنتين، وجّه جبران إلى السيدة كنوبف الرسالة الآتية: خليل جبران 51 ويست تَنَسْ ستريت، نيويورك سيتي 11 آذار 1928 عزيزتي بلانش، أنا آسف حقاً لكونكِ دخلتِ المستشفى. لكنّي سعيد لأنكِ خرجتِ منه ولأنكِ بخير مجدّداً. والآن، بالنسبة لعيد ميلادي، لقد ولدتُ في ساعةٍ مبكرة في السادس من شهر كانون الثاني من العام 1883. أنا وأنتِ نعرف أن الولادة كالموت هي وهم. ومع ذلك، من الغريب أننا متمسّكون بالأوهام كما بالكلمات أو الرموز. آمل أن أراكِ قريباً. هناك مسألة أو مسالتان أودّ مناقشتهما معكِ. الرجاء إعلامي بالموعد الذي يناسبكِ. بكل إخلاص، خليل من الواضح أن العلاقة أصبحت حميمة بين جبران والسيدة كنوبف. فهو يدعوها"بلانش"ويوقّع"خليل"خلافاً للرسائل السابقة. أما الأهم في هذه الرسالة أنه يحسم بصورة نهائية الجدل القائم حول تاريخ ولادة جبران إذ يقرّ هذا الأخير صراحةً بأنه من مواليد 6 كانون الثاني يناير 1883 وليس من مواليد 6 كانون الأول ديسمبر 1883 كما كان يعتقد البعض، هذا مع التذكير بأن جبران كتب لصديقته جوزفين بيبودي بتاريخ 6 كانون الثاني 1906:"اليوم عمري 23 سنة"وبأنه أفصح لمي زيادة في رسالة مؤرّخة في 11 كانون الثاني 1921 أنه فعلاً من مواليد 6 كانون الثاني 1883. مسرحيات جبران التائهة متى تخرج من العتمة؟ ما يجهله القراء بعامة أن جبران خليل جبران ألّف أعمالاً مسرحية بالإنكليزية إضافة إلى القصّة والنصوص النثرية والشعر والمقالات الصحفية، مما يؤكّد، مرّة جديدة، عبقريته وتعدّد مواهبه. ولعلّ اهتمامه بكتابة المسرح جاء بتأثير من صديقته الكاتبة جوزفين بيبودي التي ألّفت مسرحيّات نذكر منها:"Marlowe"وپ"The Pipe"وپ"The Wolf of Gubbio"جُمعت في العام 1927 تحت عنوان"The Collected plays of Josephine Preston Peabody"، أو بتأثير من إميلي ميشال، عشيقته الفرنسية، التي كانت تتوق إلى ولوج عالم المسرح من الباب الكبير. وقد استحصلنا من مصدر جامعي في الولايات المتّحدة على مستندين يُنشران للمرّة الأولى ويؤكّدان وجود مخطوطات لخمس مسرحيات لجبران بالإنكليزية رفض ألفرد كنوبف، ناشر"النبي"، طبعها بعد وفاة صاحبها بناءً على توصية الشاعر ويتر بينر 1881 ? 1968 الذي لم يقتنع بها. يُستفاد من المستند الأول، وهو عبارة عن محضر صادر عن دار كنوبف يتضمّن عنوان المخطوطات المسلّمة إليها وملاحظات القرّاء المولجين تقييمها، إضافة إلى القرار النهائي القاضي بنشرها أو برفضها، أنه كان يوجد في العام 1964 خمس مسرحيات غير منشورة كتبها جبران بالإنكليزية قبل وفاته هي: المكفوف The Blind، لعازر وحبيبته Lazarus and his beloved، الرجل اللامرئي The Man unseen، الجنيّة The Banshee والمسحة الأخيرة The Last Unction. وهذه المسرحيات تضاف إلى بعض المسرحيات القصيرة التي كتبها جبران بالعربية ك"ملك البلاد وراعي الأغنام"التي نشرها ميخائيل نعيمة أو مسرحية"إرم ذات العماد"المنشورة في كتاب"البدائع والغرائب". ويتّضح من المستند المذكور أن تلك المسرحيات أُرسِلَت إلى دار ألفرد كنوبف بواسطة السيد جيرالد كيلي Gerald Kelly من شركة كيلي، برامهول وفورد، في بوسطن على أمل نشرها ضمن مجموعة واحدة يُطلق عليها عنوان"Five one act plays"ما تعريبه:"خمس مسرحيات من فصل واحد". وقد تمّ تقييم هذه المجموعة من خلال شخصين مرتبطين بدار كنوبف هما السيدة جوديت جونز Judith Jones والشاعر المعروف ويتر بينر Witter Bynner، صديق جبران، الذي اعتبر أن هذه المسرحيات كتبها جبران في بداياته وأنها لا تستحق النشر لأنه يوجد تفاوت كبير بينها وبين سائر مؤلّفاته، مما حدا بدار كنوبف إلى رفضها في تاريخ الثالث من شهر آذار مارس 1964. وفيما يأتي النص الحرفي للكتاب الموجّه من ويتر بينر إلى دار النشر: ويتر بينر 342 بيونوفيستا رود سانتا فيه - نيومكسيكو 18 شباط 1964 عزيزي بيل، على مهل، لأن كل شيء يسير على مهل في هذه الأيام المضطربة، تُليت عليّ مسرحيات جبران خليل جبران التي أعيدها إليك بعد أن استمعت إليها بقدر كبير من الأسف. على ما يبدو لي، إن نشرها لن يؤدّي إلى زيادة تقدير الناس لخليل. يُخيل إلي كأنه كتبها في أيام شبابه بل في أيام شبابه الأولى. وإن كان جبران كاتباً مبكراً، سأقول بصورة قاطعة أن نشر هذه المشاريع اليفعة سيؤدّي حتماً إلى إيذاء سمعة هذا الرجل. إني لم أجد حتى مقاطع جيّدة فيها. وقد أبدى لي قارئي الملاحظات الآتية التي ُأرسِلُها إليك: الرجل اللامرئي The Man unseen الصفحة الثالثة: مفقودة. الصفحة الرابعة: لا تمكن قراءتها عملياً. الصفحة الخامسة: مرقّمة بصورة خاطئة. الرجاء القول لألفرد كنوبف أنني في صدد الاستحصال على صور لاورانس المقصود الكاتب DH Lawrence وأنني سأرسل البعض منها إليه خلال يوم أو يومين. مع أطيب تمنياتي إليك وإلى ألفرد وبلانش زوجة ألفرد كنوبف بكل إخلاص، ويتر بينر على رغم رأي بينر الذي كان قد سهّل أوّل لقاء بين جبران وألفرد كنوبف وحمل كنوبف على نشر"المجنون"، وعلى رغم قرار دار كنوبف القاضي برفض نشر مسرحيات جبران، أصرّ قريب جبران النحّات خليل جبران على نشر إثنتين منهما:"لعازر وحبيبته"عام 1973 و"المكفوف"عام 1981. وقد صدرت المسرحيتان بالعربية عن"مؤسسة الإنتشار العربي"في العام 2001. بيد أن سائر المسرحيات بقيت، بحسب علمنا، غير منشورة. فهل صحيح أن هذه المسرحيات كتبها جبران في بداية مسيرته الأدبية كما يزعم بينر ؟ نعلم أن جبران قرأ، في السادس من شهر كانون الثاني 1929، وهو في السادسة والأربعين من عمره، مقتطفات من"لعازر وحبيبته"أمام حشد من المعجبين. وقد أكّدت السيدة ألما ريد Alma Reed هذه الواقعة في كتابها"Orozco"المنشور عام 1956. ونعلم أن ماري هاسكل، صديقة جبران، دوّنت في مفكّرتها بتاريخ 13 أيار 1926 ما حرفيته :"رأيت جبران. ج. قرأ لي"لعازر"مسرحية من فصل واحد... لقد تأثّرت كثيراً لدى قراءة"لعازر...". ويبدو أن فكرة هذه المسرحية ولدت لدى جبران منذ العام 1914 حيث دوّنت ماري هاسكل في يوميّاتها بتاريخ 26 نيسان ابريل 1914:"إنه لعازر الإنجيل ? والأيام الثلاثة التي رقد خلالها ميتاً. لقد انطلق آنئذٍ نحو عالمه الروحي، وهناك التقى المرأة التي أحبّ وعاش معها. لكن قوّة إله العالم أرغمته على الأوبة إلى الأرض وعيشها". أما مسرحية"المكفوف"فلا نجد لها أثراً، على غرار سائر المسرحيات المذكورة، في مراسلات جبران أو يوميّات ماري هاسكل. وموضوع هذه المسرحية مواجهة بين صبيّة وزوج أمّها المكفوف من جهة والأم وعشيقها من جهة ثانية. ما قيمة هذه المسرحيات الموجودة حالياً في حوزة النحات خليل جبران في بوسطن؟ صحيح أنها أقلّ أهمية من سائر مؤلّفات جبران المنشورة، بيد أنها، على خلاف ما أدلى به ويتر بينر، تتضمّن مشاهد لافتة وأفكاراً تدعو إلى التأمّل. ويبقى أن نسأل: من له الحق في أن يقرّر نشر مؤلّفات كاتب بعد وفاته، معرّضاً سمعته للتشويه؟ وما مصير مسرحيات جبران التائهة ولماذا لم تُسَلَّم بعد إلى لجنة جبران الوطنية؟