قبل نحو اسبوعين من اقدام اسرائيل على اغتيال السيد عباس الموسوي الامين العام لحزب الله، وجهت الولاياتالمتحدة عبر سفيرها في بيروت ريان كروكر تحذيراً واضحاً الى الحكومة اللبنانية مفاده ان الادارة الاميركية لا تستطيع ان تمنع اسرائيل من مواصلة غاراتها وضرباتها على الجنوب اللبناني، طالما ان الحكم اللبناني يدعم المقاومة ضد الاسرائيليين ويساند حزب الله ويمتنع عن تجريده من السلاح اسوة بما فعله مع سائر الميليشيات اللبنانية الاخرى تطبيقاً لاتفاق الطائف. وعلى رغم ان كروكر اعترف بان الحكم اللبناني "مضطر لمراعاة قوى اقليمية منها سورية وايران" بدعمه المقاومة ورفضه تجريد حزب الله من السلاح، الا انه شدد على ان التدخل الاميركي الوحيد "سيقوم على منع اسرائيل من اللجوء الى عمل عسكري واسع النطاق يهدف الى ضم مناطق جديدة الى الشريط الحدودي الخاضع للنفوذ الاسرائيلي". ولا بد ان المسؤولين اللبنانيين تذكروا هذا التحذير الاميركي الرسمي حين بلغهم مساء يوم الاحد الاسبق ان مروحيتين اسرائيليتين هاجمتا بستة صواريخ ذات توجيه ذاتي موكب السيد عباس الموسوي لدى عودته من مهرجان في بلدة جبشيت الجنوبية فقتلته وقتلت معه زوجته وابنهما حسين وعدداً من المرافقين كما أصابت آخرين بجروح وتبين من التحقيقات التي اجريت ان اسرائيل تمكنت عبر اجهزة الرصد والتنصت، من مراقبة موكب الموسوي لحظة مغادرته جبشيت ثم لاحقته المروحيتان الاسرائيليتان قبل ان تقصفه بصواريخ حارقة خارقة تصوب الكترونياً وتستخدم للمرة الاولى في الجنوب. وما ساعدها في تنفيذ العملية بدقة ملاحقة الذبذبات العائدة لاجهزة اللاسلكي التي كانت في حوزة مرافقي الموسوي. وقد نفذت هذه العملية في الوقت الذي كانت تعقد في دمشق قمة بين الرئيسين حافظ الاسد والياس الهراوي بهدف اتخاذ قرار موحد بشأن المشاركة في المفاوضات مع اسرائيل يوم 24 شباط فبراير الجاري في واشنطن. ولا تستبعد مراجع وزارية لبنانية، ان يكون توقيت عملية القرصنة التي اودت بحياة واحد من ابرز الوجوه الاصولية في لبنان والمتحالفة مع طهران، يهدف الى ضرب جهود التهدئة التي قامت بها سورية، ونجحت فيها الى حد بعيد في تأمين الحماية للوفد اللبناني المفاوض، اذ ان الاجواء التي رافقت ذهاب لبنان الى واشنطن جاءت بخلاف الاجواء التي واكبت حضوره الى مدريد. ففي مدير بلغت المعارضة التي واجهت الوفد اللبناني والتي تقاطعت فيها كل اشكال الرفض من قبل الاصوليين وقيادات تقليدية لبنانية، حالة لا تطاق واقلقت بال الوفد اللبناني المفاوض، بينما تراجعت المعارضة بشكل ملحوظ عندما التحق لبنان بالمفاوضات الثنائية في واشنطن. وبمعنى آخر فان تل ابيب اختارت ابرز القيادات الاصولية في لبنان وعملت على اغتياله لاعتقادها ان عملية الاغتيال ستؤدي الى خلق ارباكات على الساحة بوجه الوفد اللبناني المفاوض، بغية جره الى اعادة النظر في موقفه. ومع ان عباس الموسوي هو واحد من المعارضين للمفاوضات الثنائية، ويدعمه في هذا التوجه التيار الاصولي وبعض القيادات التي لا ترى فائدة من اشتراك لبنان في المفاوضات الثنائية، لاعتقادها ان مبدأ الاشتراك يعني التخلي عن المطالبة بتطبيق القرار 425 ومن ثم العودة الى ربط حل ازمة لبنان على ازمة الشرق الاوسط، فان اغتياله يراد منه تحريض ايران للخروج عن سياستها الواقعية التي تتبعها حيال رفضها مفاوضات السلام والتي لم تخرج عن "الاصول الديموقراطية" المتعارف عليها. فايران تراهن على اخفاق عملية السلام لكنها ليست بوارد تزعم الجبهة المقاومة لهذه العملية وتكتفي بتسجيل موقف مبدئي، ويبقى في اعتقاد اسرائيل ان اغتيال واحد من اهم حلفاء طهران، سيفتح الباب امام تطوير عملية الرفض بدءاً بالضغط على لبنان لعدم الذهاب الى واشنطن. ويبدو ان الحسابات الاسرائيلية لم تكن في محلها، والدليل ان البيان الذي اذاعه المتحدث باسم الرئاسة السورية جبران كوريه واعلن فيه موافقة دمشقوبيروت على حضور مفاوضات واشنطن، جاء بعد ساعات على اغتيال عباس الموسوي، وكانت العاصمة السورية قد احيطت بتفاصيل النتائج التي ادت اليها العملية الاسرائيلية، وتم وضع هذه التفاصيل على طاولة محادثات القمة بين الرئيسين الاسد والهراوي. وهكذا فان قرار دمشقوبيروت المؤيد لحضور المفاوضات الثنائية نجا من "فخ" اسرائيلي لدفعه الى اتخاذ قرار معاكس برفض الذهاب الى واشنطن، مع الاخذ في الاعتبار حجم الخسارة التي استهدفت "المقاومة الاسلامية" التي لها دور فاعل في مناوئة الاحتلال الاسرائيلي. بالطبع، سينتج عن اغتيال الموسوي تصاعد العمليات الفدائية ضد اسرائيل يقابله تصاعد الرد الاسرائيلي على الجنوب وربما مناطق اخرى. وهذا ما بدأ يحدث فعلاً اثر اغتيال الموسوي ودفع الاسرائيليين الى تحذير الحكومة اللبنانية والمقاومة من دفع "ثمن باهظ" اذا لم تتوقف اعمال قصف الشريط الحدودي والمستوطنات في شمال اسرائيل. لكن اياً يكن مدى التصعيد، فان هناك حدوداً له وضعتها واشنطن وهي "عدم احتلال اي اجزاء جديدة من الجنوب". وبالنسبة الى قضية المشاركة في مفاوضات واشنطن، فقد علمت "الوسط" ان نقاشاً جرى خلال القمة اللبنانية - السورية برز فيه موقفان: الاول يدعو الى مقاطعة المفاوضات على اساس ان لا جدوى منها ولا امل في حصول تقدم فيها، والثاني اعتبر ان "الحضور افضل من الغياب كي لا تستغل اسرائيل المقاطعة العربية فتنسحب من عملية السلام". وقد حسم الاسد والهراوي النقاش، اذ ايدا فكرة المشاركة في مفاوضات واشنطن. فانطلاقاً من شعور دمشقوبيروت بأن لا مجال للعودة الى "عز شهر العسل" بين واشنطن وتل ابيب، اعتبرت سورية ولبنان ان الذهاب يبقى افضل من الغياب وان ذهابهما يعني توجيه رسالة مشتركة الى الولاياتالمتحدة مفادها استمرار الرهان على مشروع السلام الذي تعد له لانهاء الصراع العربي - الاسرائيلي. وهكذا نجح الاسد في منع التلاقي الاميركي - الاسرائيلي من جهة، وفي حشر تل ابيب في الزاوية، بصرف النظر عن طبيعة الضمانات التي كانت تطالب بها سورية ولبنان كشرط للتوجه الى واشنطن والتي استعيض عنها بتطمينات اميركية مفادها ان هدف المفاوضات هو الوصول الى حل ولا ضمانات مسبقة لها وعليكم المشاركة للحصول على نتائج. حتى عندما كانت سورية ولبنان يطالبان بضمانات اميركية، فانهما كانا على علم مسبق بان لا مجال للحصول على ضمانات لكنهما اعتقدا ان حاجة الرئيس جورج بوش الى معاودة المفاوضات قد تسمح لهما بالحصول على ما يعزز دورهما في المفاوضات وبالتالي لا بد من تأخير اعلان موافقتهما علهما يستدرجان واشنطن لاتخاذ خطوات متقدمة تبرر لهما قرارهما بالاشتراك. الا ان التراجع عن مطالبتهما بالضمانات واستبدالها بالحصول على "تطمينات" اميركية بمواصلة عملية السلام، يعود بشكل رئيسي الى رغبتهما في عدم الوقوع في الفخ الاسرائيلي، تحت ستار ان اصرارهما على استقدام ضمانات اميركية، سيجر تل ابيب الى مطالبة واشنطن بمعاملتها بالمثل، وعندها يمكنها رمي تبعة اخفاق المفاوضات على الدول العربية.