"نحن أيضاً مستهدفون بالارهاب في كل مكان"، كرر نتانياهو بعد الانفجار في تل أبيب ليسمع الأميركيون الذين حاولوا، استجابة لنصيحة فرنسية، لجم حرارة التصعيد في جنوبلبنان. وإلى توقيت الانفجار، لا تحجب رائحة البارود الارتياب برائحة شبهات حول الجهة المنفذة للعملية ودوافعها. يعزز هذه الشكوك أيضاً، ليس فقط تلميح زعيم "حماس" إلى أصابع يهود متطرفين، وهؤلاء ربما يكون هدفهم تقديم الذريعة لحملة إسرائيلية شعواء على ما تسميه الدولة العبرية "ارهاب" الأصوليين الفلسطينيين و"حزب الله" وحركة "أمل"... بل كذلك كشف الجيش الإسرائيلي قبل أن يكتمل اجلاء الجرحى في تل أبيب، "مجموعة ارهابية" فلسطينية ادعى ان قيادة نشاطاتها في سورية وأنها تتدرب في لبنان. ولا يفتقد نتانياهو الذرائع الجاهزة للرد بضربة عسكرية أو بقرار من نوع انشاء مستوطنة في القدس، مثلما لا يفتقد نصائح وايزمان الذي يعامله الأول كأنه رئيس لدولة أخرى، لا داعي لتدخله وتطفله، كما فعل بعد اغتيال إسرائيل المسؤول العسكري في "أمل" حسام الأمين. بعد صواريخ الكاتيوشا على الجليل، جاء الانفجار في تل أبيب الذي قد تتهم إسرائيل تلك "المجموعة الارهابية" بالتخطيط له وتنفيذه، فتبرر معاودتها التصعيد في جنوبلبنان، وعملاً عسكرياً يأخذ بنصائح شارون الداعية إلى تدمير البنى التحتية في لبنان، ما دام يرفض تأمين غطاء لانسحاب إسرائيلي، عبر "ضمانات أمنية" تبعد المقاومة عن الشريط الحدودي والجليل عن مرمى الكاتيوشا. وبديهي أن نتانياهو في حاجة إلى انسحاب من هذا النوع أكثر من "استعجاله" التوصل إلى اتفاق مع عرفات على انسحاب من الضفة، نجح في تحويله إلى مهزلة في معادلة النسب المئوية. ففي الشريط يتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر في صفوف جنوده وإهانات متلاحقة، وفي الضفة لا تسجل الخسائر إلا في رصيد الفلسطينيين الذين تتدخل الشرطة الفلسطينية لإبعادهم عن الإسرائيليين، خوفاً على الاتفاق الذي لا يأتي. ولأن المعركة على الأرض في جنوبلبنان لن تكون متكافئة بين مدرعات قادرة على الحاق أذى واسع بالمدنيين والمنشآت لكنها عاجزة أمام مقاومة فاعلة في اصطياد الجنود، تتعزز حظوظ نصائح شارون بشن غارات جوية واسعة على الجنوب وعمق البقاع حتى الحدود السورية. ألم يكن استهداف موقع للجيش اللبناني في البقاع إشارة إلى بدء العد العكسي للعملية الإسرائيلية؟ من الوهم والسذاجة الاقتناع بأن واشنطن تمارس ضغوطاً جدية لحماية "تفاهم نيسان" في مواجهة محاولات نتانياهو - شارون لإسقاطه، أو بأن المناخ الدولي لا يسمح بعملية عسكرية إسرائيلية في لبنان. بالأحرى هو مناخ "ارهاب وحرب على الارهاب"، طالما يخوضها الأميركي، ما الذي يحول بينها وبين الليكودي؟ وهدف الضربة التمهيد لاقتناع قسري بأن لا حل سوى إبعاد المقاومة عن الشريط الحدودي، ليشكل الجيش اللبناني خطاً عازلاً وراء خط الدفاع المتآكل ل "جيش لبنانالجنوبي". إنها الخطة الجديدة - القديمة التي تنتظر ساعة الصفر، وهي وحدها التي تبرر قلق بيروت، ومخاوف سورية جدية من إسقاط ورقة المقاومة مع سقوط "تفاهم نيسان"، فيتحقق عملياً فصل المسارين، من دون اتفاق بين إسرائيل ولبنان أو حتى مفاوضات. دمشق أبلغت باريس مخاوفها، وواشنطن مشغولة بحربها، والخطة تنتظر "ذريعة"