حتى اللحظة الاخيرة ظلت عودة مارادونا الى الملاعب بما رافقها من تعقيدات وما تخللها من عراقيل وما شهدته من تجاذب بين ناديي نابولي الايطالي واشبيلية الاسباني قصة جديرة بأن يتولى نقلها الى الشاشة الكبيرة مخرج من طراز هيتشكوك لما اكتنفها من غموض ولما حفلت به من اثارة... القصة بدأت في السابع عشر من اذار مارس 1991 بمفاجأة صاعقة عندما كشف اختبار خضع له اللاعب الدولي دييغو مارادونا عن وجود آثار لمادة الكوكايين في عيِّنة من بوله. وبعدها بأسبوع خاض مارادونا مباراته الاخيرة في الدوري الايطالي امام سامبدوريا مسجلاً آخر هدف له من ركلة جزاء… واضطر مارادونا بعدما راحت رائحة الفضيحة تزكم الأنوف الى مغادرة ايطاليا سراً في الثاني من نيسان ابريل من العام نفسه. وعلى اثر ذلك توالت احداث المسلسل الذي لطخ سمعة ساحر الكرة الارجنتيني بالوحل، فالتأمت هيئة التأديب في اتحاد كرة القدم الايطالي في الثامن من نيسان ابريل واوقفت مارادونا عن اللعب مدة 15 شهراً. وفي العشرين من الشهر ذاته صرح مارادونا انه لن يعود ثانية الى ايطاليا محاولاً ان يوهم انصاره وعشاق كرة القدم في العالم انه ضحية مؤامرة نسجت خيوطها المحكمة عصابات المافيا لتشويه سمعته، لكنه في السادس والعشرين من نيسان ابريل 1991 قدم بنفسه الدليل القاطع على تورطه في ادمان المخدرات بعدما اوقفته الشرطة مع اصدقاء له في شقة في بوينس ايرس وفي حيازته كمية من الكوكايين واعتقلته طوال ثلاثين ساعة ثم افرج عنه بكفالة مالية بعدما سحب جواز سفره. وهكذا تحول مارادونا بين ليلة وضحاها من سفير فوق العادة للارجنتين الى مدمن كوكايين ومن بطل اسطوري في كرة القدم الى منحرف يستحق الشفقة والرثاء. وفي الثامن عشر من ايلول سبتمبر 1991 اصدرت محكمة نابولي حكماً بسجن مارادونا 14 شهراً مع وقف التنفيذ، وبعد ذلك عاش مارادونا فترة في الظل الى ان ارسل مدير اعماله ماركوس فرانكي في الثامن من ايار مايو 1992 رسالة الى فيرلانو رئيس نادي نابولي يقول فيها: "لقد اكد الاطباء النفسيون انه لن يكون في وسع دييغو مارادونا ان يلعب مجدداً لنابولي، وفي اول تموز يوليو الماضي انتهت عقوبة وقف مارادونا عن اللعب فأدلى بتصريح اعلن فيه انه لن يلعب ثانية في ايطاليا، ثم بدأ في الخامس من تموز يوليو يتدرب لاستعادة لياقته البدنية بعد انقطاعه عن اللعب فترة طويلة زاد وزنه خلالها 12 كيلوغراماً. اتصالات سرية وفي الثامن عشر من تموز يوليو افرجت محكمة بوينس ايريس عن جواز سفر مارادونا وفرضت عليه رقابة طبية شهرية… وقد كان الافراج عن جواز سفره بمثابة الضوء الاخضر لمدير اعماله الذي نشط على اكثر من جبهة فقام باتصالات ظلت طي الكتمان مع اندية اوروبية عدة وفي طليعتها مرسيليا واشبيلية الا ان نادي نابولي اصر على حقه في استعادة مارادونا الذي يرتبط بعقد ينتهي في تموز يوليو 1993… وبين اصرار نابولي على عودة مارادونا الى صفوفه واصرار هذا الاخير على عدم العودة نشبت ازمة استدعت تدخل الفيفا لما لمارادونا من رصيد عظيم في عالم الكرة فاقترح جواو هافيلانج رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم القيام بوساطة تهدف الى حل العقد المستعصية بين الفريقين. ولكن تصريحات مارادونا واتهاماته رئيس نادي نابولي وانتقاداته مسؤولي كرة القدم الايطاليين زادت الامور تعقيداً وسوءاً وكادت توصل مساعي الوساطة الى طريق مسدود. وفي الحادي عشر من آب اغسطس عقد اجتماع لتسوية الوضع ضم الفيفا ومندوبين عن نابولي واشبيلية ومارادونا، ولكن الاجتماع لم يسفر عن نتيجة ايجابية، ووفقاً لما صرح به ماركوس فرانكي مدير اعمال مارادونا فإن هذا الاخير عرض ان يدفع لنابولي مبلغ 9 ملايين دولار لقاء تحريره، لكن نادي نابولي رفض العرض. تدخل الفيفا وفي الحادي والثلاثين من آب اغسطس الماضي صرح جوزف بلاتر امين عام الفيفا ان الاتحاد الدولي لكرة القدم لن يرغم نابولي على التخلي عن مارادونا، وكان فريق بالميراس البرازيلي دخل على خط التنافس لشراء مارادونا فعرض عليه مبلغ 4.5 مليون دولار… في العاشر من ايلول سبتمبر وصل مارادونا الى اشبيلية ولما كانت المفاوضات بين الناديين تعثرت فقد عينت الفيفا في الخامس عشر من ايلول سبتمبر في مسعى اخير انطونيو مارتاريزي رئيس الاتحاد الايطالي لكرة القدم وسيطاً بين الفريقين وقد عقد اجتماع لهذه الغاية في زوريخ في 21 ايلول سبتمبر حضره الامين العام للفيفا ورئيس الاتحاد الايطالي لكرة القدم ونظيره الاسباني ورئيس نادي نابولي ورئيس نادي اشبيلية وفريق من المحامين الايطاليين والاسبان واستبعد عن الاجتماع ماركوس فرانكي مدير اعمال مارادونا… استمر الاجتماع يومين، وبعد مفاوضات شاقة وعسيرة انتهى الاجتماع نهاية سعيدة وتوج الاتفاق بعقد يتضمن ثلاث نقاط اساسية. اولاً: تحرير مارادونا من العقد الذي يربطه بنادي نابولي حتى نهاية الموسم الحالي. ثانياً: يتولى نادي اشبيلية دفع مبلغ 7.5 مليون دولار لنادي نابولي منها ثلاثة ملايين دولار عند التوقيع على ان تقسط المبالغ المتبقية على اربع دفعات، دفعة كل ستة اشهر. ثالثاً: يتضمن العقد بنداً يحظر على نادي اشبيلية طوال سنتين اعارة مارادونا او بيعه الى اي ناد ايطالي. دموع الفرح مارادونا الذي كان ينوي الاعتزال في حال فشل المفاوضات لم يصدق الخبر المبهج عندما زفّه اليه مدير اعماله، وفي ذروة الفرح والذهول انهمرت دموعه وهو يدلي بتعليق اولي الى مراسل ارجنتيني كان الى جانبه في تلك اللحظة: "أنا سعيد لأن كل شيء قد انتهى على ما يرام. أنا سعيد لأنهم أتاحوا لي ان انهي حياتي الكروية كما يحلو لي، وأنا أشكر جميع الذين ساعدوني على استعادة حريتي". وقد عمت الفرحة كلوديا زوجة مارادونا وطفلتيه ووالده ومدير اعماله وانتقلت العدوى الى مدينة اشبيلية والى الارجنتين حيث تظاهر الناس في الشوارع وراحوا يهتفون بحياة نجمهم الاسطوري. المهمة الصعبة لقد كسب مارادونا معركة في حربه الطويلة، لكن المعركة الحقيقية التي تنتظره الآن هي معركته مع نفسه… انها معركة التحدي اليومي لاستعادة لياقته البدنية ومهاراته السابقة. لقد كبا الجواد كبوة عظيمة، أثارت شماتة البعض، وشفقة البعض الآخر وحزن الملايين الذين حرموا نعمة الاستمتاع بأداء مارادونا الساحر وعروضه الممتعة… وأمامه الآن فرصة اخيرة لكي يكفّر عن خطىئته بحق نفسه وبحق عشاق كرة القدم في كل أصقاع الارض… صحيح ان مارادونا لن يستعيد في فترة قصيرة عرشه الضائع كأفضل لاعب كرة في حقبته، ذلك ان الانحدار من القمة الى الحضيض لا يقتضي مجهوداً كبيراً، اما تسلق القمة من جديد فمهمة صعبة، الا انها بكل تأكيد ليست مهمة مستحيلة… السجل الذهبي ولد دييغو مارادونا في بوينس ايرس في الثلاثين من تشرين الاول/ اكتوبر 1960. متزوج من كلوديا وله ابنتان دالما وجيانينا. لعب لنادي ارجنتينوس جونيورز من 1975 حتى 1980 وخاض مباراته الاولى كمحترف وهو في السادسة عشرة من عمره. لعب لنادي بوكا جونيورز من 1980 حتى 1982. لعب لنادي برشلونة الاسباني الذي انتقل اليه لقاء 55 مليون فرنك فرنسي من 1982 الى 1984. لعب لنادي نابولي الذي انتقل اليه لقاء 80 مليون فرنك فرنسي من سنة 1984 حتى 1990. وقّع عقداً مع اشبيلية في الثاني والعشرين من ايلول/ سبتمبر 1992. لعب 79 مباراة مع المنتخب القومي الارجنتيني وقد خاض مباراته الاولى مع المنتخب امام هنغاريا في 22 شباط/ فبراير 1977. فاز بكأس العالم للناشئين مع منتخب الارجنتين 1979. احرز بطولة الارجنتين مع نادي بوكا جونيورز 1981. فاز بكأس اسبانيا مع برشلونة 1983. فاز بكأس ايطاليا مع نابولي 1987. احرز مع نابولي بطولة الدوري الايطالي 1987 و1990. احرز كأس الاتحاد الاوروبي مع نابولي 1989. قاد الارجنتين الى احراز كأس العالم 1986 والى احتلال المرتبة الثانية في كأس العالم 1990.