كازاخستان: 38 قتيلاً إثر تحطّم الطائرة الأذربيجانية    اللهيبي: النظام يوحّد ويجوّد منظومة الدعم الفني    تركي آل الشيخ يتصدر أكثر الشخصيات تأثيراً في عالم الملاكمة لعام 2024    أمير الشرقية : الدكتور عبداللّه الربيش قدم جهوداً مميزة ومقدره    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    «تقييم الحوادث»: قوات التحالف لم تستهدف «مستشفى باقم» ولا «اليتمة» ولا مدنيين    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    وزير الطاقة يزور عدة مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة في المدينة الصناعة بالرياض    تنفيذ حكم القتل قصاصاً بإحدى الجانيات في منطقة الرياض    حرس الحدود بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    نقل تراخيص المسارح من الترفيه إلى هيئة المسرح    "السويلم" يدعم مستشفى البكيرية العام لتأمين عددًا من الأجهزة الطبية    صحيفة الرأي الالكترونية توقّع شراكة مع جمعية يُسر بمكة لدعم العمل التنموي    بأكثر من 12.6 مليار ريال.. أمير جازان يُدشِّن ويضع حجر الأساس ل 552 مشروعًا    وزير التعليم يُدشِّن أول مدرسة حكومية متخصصة في التقنية للموهوبين    الإسعاف الجوي بنجران ينقل مصابا في حادث انقلاب    وزير الموارد البشرية يشارك في تعزيز العمل العربي المشترك خلال اجتماعات التنمية الاجتماعية في البحرين    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل في المنطقة    وزير الداخلية يعزز التعاوزن الأمني مع نائب رئيس وزراء قطر    الأمير عبد العزيز بن سعود يكرم مجموعة stc الممكن الرقمي لمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    المسعودي رئيسا للاتحاد السعودي للشطرنج حتى 2028    استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته في قصف إسرائيلي شمال الضفة الغربية    لمطالبتها ب 300 مليار دولار.. سورية تعتزم رفع دعوى ضد إيران    ميدان الفروسية بحائل يقيم حفل سباقه الخامس للموسم الحالي    "التخصصي" يتوج بجائزة التميز العالمي في إدارة المشاريع في مجال التقنية    "سعود الطبية" تعقد ورشة عمل تدريبية عن التدريب الواعي    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد اتفاقية تاريخية لمكافحة الجرائم الإلكترونية    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    أهلا بالعالم في السعودية (3-2)    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    الدوري قاهرهم    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    سيكلوجية السماح    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ستة مفكرين في مواقف التعريف والتساؤل والتحفظ ... والتفاؤل النظام العالمي الجديد ... اقترحه العرب

تدور في أغلب عواصم العالم نقاشات لتلمس النظام العالمي الجديد الآخذ في التبلور بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسائر النظم الشيوعية.
و"الوسط" تفتح في الاستفتاء التالي نقاشاً ثقافياً عربياً حول هذا النظام الذي سيؤثر في المستقبل القريب لشعوب العالم ويعطي دوراً اكبر للامم المتحدة ويفك عزلة بعض البلدان اليابان والمانيا، ويحاول نقل الانسانية من حمى الصراع المسلح الذي رعته الثنائية العالمية السابقة الى الاهتمام بالانماء وبالمشكلات التي تطول اقامة الانسان على كوكبنا.
المفكرون الستة الذين تحدثوا الى "الوسط" تنوعت آراؤهم من انصراف الى تعريف النظام الدولي الجديد، الى تساؤلات عن ماهيته، الى تحفظات عليه لجهة استئثار الولايات المتحدة بقيادة العالم، الى تفاؤل بهذا النظام لأن خسائر العرب جميعها حصلت في ظل النظام الثنائي السابق، الى انتظار امتحان حقيقي للنظام العالمي الجديد يتمثل بالغاء العالم الثالث عن طريق الانماء بعدما تم الغاء العالم الثاني... وقد أشار بعضهم الى ان النظام العالمي الجديد هو في الاساس اقتراح عربي عالمثالثي.
اقتصر استفتاء "الوسط" على مفكرين عرب، لأن عدداً من الادباء والفنانين اعتذر عن عدم الاجابة معتبراً نفسه غير معنيّ بالموضوع، وعمد البعض الى لعبة "السؤال عن السؤال"، فقال: هل انا اعني شيئاً ل "النظام العالمي الجديد"؟ واذا كنت اعني شيئاً فأي شيء انا؟ ثم ما رأي "النظام العالمي الجديد بي وبأمثالي وما اقتراحاته بشأني؟ وخاطب "الوسط" قائلاً انه اذا ما اجاب "النظام العالمي الجديد" على اسئلتكم بصراحته المعهودة فسيكون له مني الجواب نفسه.
مع ذلك نرى ان دخول العرب نظاماً دولياً جديداً امر يعني ادباءهم وفنانيهم بقدر ما يعني المفكرين، ويدفع الى المساهمة في نقاش ثقافي يطول مرحلة مقبلة ذات تأثير في مختلف مجالات النشاط الانساني.
وفي ما يأتي كلمات المفكرين الستة حول معنى النظام الدولي الجديد والرأي فيه والاقتراحات في شأنه:
مفاهيم أربعة للنظام
في تقديري ان النظام العالمي الجديد يدور على اربعة مفاهيم: الكونية والكوكبية والاعتماد المتبادل والابداع.
مصطلح الكونية ترجمة للفظة الافرنجية "UNlVERSALlSM" وهو يعني قدرة انسان القرن العشرين على محاولة تكوين رؤية كونية علمية بفضل غزوه الفضاء مستنداً في ذلك الى منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية. وفي عبارة اخرى يمكن القول بأن الانسان - وهو يسبح في الفضاء - يحاول اكتشاف بعض قوانين الكون من خلال وجوده في الفضاء وليس من خلال الارض كما كان حال كل من نيوتن واينشتاين.
ومن مصطلح الكونية ينبع مصطلح الكوكبية وهو ترجمة للفظة الافرنجية "GLOBALISM"، ويعني النظر الى كوكب الارض من خلال الكون فيبدو كوحدة من دون تقسيمات، فتتوقف المشكلات عن ان تكون محلية او اقليمية بل تصبح كوكبية. وقد حاول نفر من المفكرين تحديد هذه المشكلات الكوكبية فحددها توفلر ولنمان بانها الانفجار السكاني وازمة الموارد الطبيعة وتلوث البيئة، وحددها لازلو بأنها هوية الانسان وتكيفه مع الظروف المتغيرة.
اما مصطلح الانماء المتبادل فهو ترجمة للفظة الافرنجية "INTERDEPENDENE" ويعني نفي التبعية ونفي المفهوم التقليدي للاستقلال. اي نفي السلطة المطلقة للدولة. وهذا النفي نتيجة منطقية للكونية والكوكبية.
وفي نهاية المطاف يأتي مصطلح الابداع، وبحكم تعريفي له هو "قدرة العقل الانساني على تكوين علاقات جديدة تحدث تغييراً في الواقع"، ومن ثم فالابداع يتسم بأنه "جماهيري".
وحيث ان المصطلحات الثلاثة السابقة على مصطلح الابداع هي مصطلحات جديدة فهي اذاً ابداعات، والمطلوب تحريكها "معاً" وهذا التحريك يستلزم ابداعاً. بيد ان هذا الابداع لن يكون من شأن "القلة" كما كانت الحال في الماضي القريب وانما من شأن "الكل" كحد اقصى او من شأن "الغالبية" كحد ادنى، ومن هنا لا بد من تغيير نظام التعليم. فبدلاً من ان يستند الى ثقافة الذاكرة فانه لا بد ان يستند الى ثقافة الابداع. والفارق بين الثقافتين ان ثقافة الذاكرة تقف عند حد الماضي اما ثقافة الابداع فتتجه الى المستقبل.
واذا حركنا المصطلحات الاربعة نخلص الى تحرير الانسان من "الدوغماطيقية" اي تحريره من توهم امتلاك الحقيقة المطلقة.
مراد وهبة
مفكر مصري، رئيس الجمعية الفلسفية الافروآسيوية.
نتمناه عادلاً ومتوازناً
يسعني القول انه ليس هناك من نظام عالمي جديد، ولم يحن الوقت للكلام عن هذا النظام المزعوم، على الاقل كما يطمح اليه الكثير من المجتمعات في العالم الثالث. النظام العالمي الجديد ما فتئت دول العالم الثالث تطالب به منذ عقود، هذه المطالبة التي عرفت اوجها في الستينات والسبعينات. ما زلت اذكر حين القى الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين خطابه الشهير في الامم المتحدة، مطالباً بنظام اقتصادي عالمي جديد. كان اثر ذاك الخطاب ملحوظاً وقد اثار ردود فعل ايجابية كثيرة في حينه، غير ان اياً من ملامح ذلك النظام لم تظهر الى النور...
واليوم، يعدوننا بنظام عالمي جديد، لكن اين تباشيره؟ ما هي اسسه ومنطلقاته؟ هناك في نظري متطلبات كثيرة، وهناك تحفظات، في ما يتعلق بمجتمعاتنا العربية. طبعاً يكثر الكلام عن مثل هذا النظام، الذي ننتظره ونتمناه، عادلاً متوازناً لصالح الشعوب المتخلفة... لكن ذلك لا يتعدى حتى الآن النوايا الطيبة. هناك قوى دولية معينة، تحاول لاعتبارات استراتيجية وسياسية ان تتقدم بتصوراتها الخاصة. لكن اي نظام عالمي جديد يطرح اليوم، ينبغي ان يقوم على ركائز ومستويات عدة، ابرزها: الاقتصادي والقانوني والثقافي.
واذا اخدنا في الاعتبار الاسس الفعلية التي لا مفر من ان تنطلق منها اي ممارسة حقيقية لهذه العلاقات الجديدة ضمن اطار عالم جديد، فرأيي اننا لم نر اي مؤشرات مشجعة، ولم نسمع باقتراحات مرضية في هذا الخصوص.
محمد أركون
مفكر جزائري مقيم في فرنسا
الكرة في الملعب العربي
الكلام والكتابة والمناقشات حول ما يسمى بالنظام العالمي الجديد كثرت بشكل يصعب على الانسان متابعتها، ويصاب الانسان بالدوار اذا حاول المتابعة، خصوصاً ان الكثير مما يقال او يكتب في العالم العربي يصدر بدافع التحمس لما هو جديد من دون ان نعطي اهتماماً مماثلاً بالجوانب السلبية لهذا النظام في ما يتصل بالعالم العربي.
من المعروف ان هذا النظام العالمي الجديد ارتبط بالتفكير في اخراجه الى حيز الوجود والواقع باختفاء احدى القوتين الكبريين، او على الاقل تراجعها كقوة عظمى فاعلة، وانفراد القوة الاخرى - الولايات المتحدة الاميركية - بالسيطرة على مجريات الامور في العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. وفي هذا الانفراد كثير من الخطر الذي يجب ان يعطى ما يستحقه من الاهتمام الواجب. مع ذلك فان هذا النظام العالمي الجديد يقوم في ظاهره وفي اهدافه النبيلة على اساس التكامل والتكافل بين دول العالم، او اعتبار ذلك العالم من الناحية المثالية وحدة عضوية متماسكة. ومن هنا كانت لهذا النظام العالمي الجديد جوانبه الايجابية التي بدأ بعض بوادرها يظهر او ظهر بالفعل. من هذه الجوانب الايجابية:
اولاً: زيادة فعالية دور مجلس الامن وهيئة الامم المتحدة في اقرار السلام على غرار ما حدث عقب غزو العراق للكويت.
ثانياً: الاتجاه نحو انشاء التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى على غرار ما يحدث الآن في اوروبا.
ثالثاً: خروج بعض الدول من عزلتها او سلبيتها في المشاركة العسكرية في اقرار السلام في العالم على ما ظهر اخيراً في القرار الذي اتخذه البرلمان الياباني حول ارسال قوات يابانية خارج حدود الدولة.
رابعاً: الاهتمام بمستقبل الانسانية ككل والعمل على انقاذها من الدمار على ما ظهر في مؤتمر قمة الارض... وهكذا.
انما هناك بعض السلبيات التي تدفع الى التشكك في مصير هذا النظام العالمي الجديد والارتياب في النوايا التي تختفي وراءه. من هذه السلبيات:
اولاً: موقف مجلس الامن والامم المتحدة من مشكلة البوسنة والهرسك وهو موقف يختلف اختلافاً كبيراً عن موقفهما الحماسي ايام غزو العراق للكويت.
ثانياً: مماطلة ومراوغة الدول الغنية في القيام بالتزامات مادية سخية نحو انقاذ البيئة ومساعدة الدول النامية في ذلك ورفض الولايات المتحدة بالذات التوقيع على بعض البنود المهمة.
ثالثاً: من هذه السلبيات، وهي سلبية لها مغزاها العميق، الحكم الذي اصدرته المحكمة العليا الاميركية حول حق الولايات المتحدة في اختطاف مواطنين من دول اخرى ومحاكمتهم امام القضاء الاميركي، وقد لا يكون لذلك علاقة مباشرة بالنظام العالمي الجديد. ولكنه مؤشر خطير على ما يمكن ان يؤدي اليه انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية.
الذي يهمنا من هذا كله موقف العالم العربي من هذا النظام العالمي الجديد، لأنه من المفروض ان تؤلف الدول العربية وحدة متماسكة او تكتلاً متكاملاً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، ولكن الوضع القائم لا يبشر بالخير، فهناك هذه العوامل:
اولاً: الحساسية السياسية بين الدول العربية ذات نظم الحكم المختلفة مما قد يمنع قيام تكتل سياسي قوي ومتعاون.
ثانياً: التشكك في نوايا الدول العربية بعضها ازاء البعض الآخر، والاندفاع اللاعقلاني في اتخاذ مواقف عدائية اذا اختلفت وجهات النظر، وهو ما يحدث الآن في ليبيا ازاء الدول العربية بما فيها مصر لقبولها قرارات مجلس الامن الاخيرة نزولاً عند احكام الشرعية الدولية.
ثالثاً: مما يزيد من هذه الشكوك ان ميثاق جامعة الدول العربية وكثيراً من الاتفاقات والمقررات كانت كفيلة بتحقيق هذا التكتل الاقتصادي والسياسي والعسكري الدفاع المشترك، التعاون الاقتصادي، مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وغير ذلك، فاذا لم تكن هذه كلها افلحت في ايجاد تكامل وتماسك بين الدول العربية، فهل يا ترى تفلح الظروف الجديدة في رد العالم العربي الى حقيقة واقعه المؤلم فيعمل على اقامة تكتل اقتصادي قوي يقوم على اساس المصالح الاقتصادية ويقف في وجه التكتلات العالمية الاخرى ويكفل للعالم العربي الحياة امام تلك التكتلات؟
الامر الآن بأيدينا نحن او كما يقال: الكرة الآن في الملعب العربي.
أحمد أبو زيد
انتروبولوجي مصري، المشرف على تحرير مجلة "عالم الفكر" سابقاً.
نظام تراتب المصالح
من المعروف ان اول من طرح موضوع النظام الدولي او بالاحرى النظر من منظار العالمية لحركة العالم ككل ومشكلاته كانت دول العالم الثالث. وكان اصفى تعبير عن هذاالمفهوم الجديد هو مشروع النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي طرحه باسم العالم الثالث الرئيس العربي هواري بومدين في الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1974. وقد كان المطروح في هذا المفهوم الجديد رفض الدول الفقيرة لنوعية العلاقات الاقتصادية القائمة في العالم والتي تغذي التخلف فيه، والسعي من خلال مفاوضات شاملة حول علاقات التبادل التجاري وتحديد اسعار المواد الاولية الى تغيير شكل تقسيم العمل الدولي الراهن بما يسمح للبلدان الفقيرة ان تحظى بفرص افضل للنمو. وقد رفضت الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة هذا المشروع كما رفضت من قبل مبدأ المفاوضات مع العالم الثالث على المواد الاولية بحجة ضرورة ترك قوانين السوق من عرض وطلب تحدد لوحدها نوعية العلاقات التجارية الدولية.
وبعد اجهاض هذا المشروع ذي الطابع الاقتصادي، حصلت عبر مؤسسة اليونيسكو مواجهة اخرى بين العالم الصناعي والعالم الفقير على مفهوم جديد سمي النظام الاعلامي العالمي الجديد. وكان هدف هذا المشروع وضع حد لاحتكار البلدان الغنية لوسائل الاعلام الكبرى والاتصال وتداول المعلومات، وايجاد فرص افضل لدفق حقيقي في المعلومات والاخبار في جنوب العالم المتأخر.
لكن مفهوم النظام العالمي الجديد لم يلبث ان بدّل من ساحة المواجهة الاقتصادية والاعلامية وتحول الى ساحة العلاقات الجيواستراتيجية. فمع انهيار الدولة السوفياتية كقوة عظمى واعترافها بذلك، اخذ الباحثون يتحدثون عن نظام عالمي استراتيجي جديد قائم على سيطرة القوة العظمى الواحدة، اي الولايات المتحدة، بدل نظام الحرب الباردة العالمي السابق الذي كان يقوم على قطبين متنافسين.
اعطت الولايات المتحدة وحلفاؤها لمفهوم النظام العالمي محتوى جديداً هو احترام القانون الدولي المجسد بقرارات الامم المتحدة. وصار الحديث عن النظام العالمي الجديد يعني التأكيد على الشرعية الدولية وعلى الدور الاساسي الذي ينبغي للامم المتحدة ان تلعبه في العلاقات الدولية. ولا يعني هذا بالضرورة ان الامم المتحدة اصبحت تلعب بالفعل دورا اكبر من السابق ولكنه يعني ان من يتحكم بالهيئة الدولية يستطيع ان يعطي لسياسته غطاء قانونياً وشرعياً مهماً كان فساد هذه السياسة ولااخلاقيتها. ولم يكن لهذه القاعدة ان تصبح مقبولة عند الدول الصناعية الا لأن هذه الدول قد ضمنت من خلال مجلس الامن وحق الفيتو للخمس الكبار، مع تدهور القوة السوفياتية وانهيار مواقع العالم الثالث وحركة عدم الانحياز وازدياد حاجتهم جميعاً للدعم الخارجي، السيطرة الفعلية والمطلقة على المنظمة الدولية، اي لانها اصبحت هي نفسها التي تصنع القانون.
اما في ما يتعلق باتجاهات هذا النظام، فمهما كانت الفرضية المأخوذ بها، وسواء بقي النظام كما هو عليه اليوم احادي القطب، او تعددت اقطابه، فمما لا شك فيه انه سيبقى يمثل التكتل الصناعي في مواجهة العالم الثالث. والخوض في التفاصيل المتعلقة بمستقبل هذا النظام لن يغير من محورية الانقسام شمال / جنوب الذي يشكل جوهر النظام الراهن وللعقود المقبلة. ان اهميته نابعة من بلورة استراتيجية العمل على تناقضات هذا التكتل اذا وجدت. وفي اعتقادي ان من الطبيعي والمنطقي ان نتوقع تباينا وتفاوتا في طبيعة نفوذ ومواقع دول هذا التكتل الكبرى. ومن هذه الناحية فنحن نميل الى الاعتقاد بأن السمة العامة الغالبة على هذا النظام سوف تكون في المستقبل التعددية القطبية على اساس انعدام مقدرة اي دولة صناعية كبرى على احتكار كل مستويات السيطرة والنفوذ العالمي، الاقتصادية والعسكرية والسياسية. ولكن هذه التعددية لا تمنع وجود التكتل نفسه، كما لا تمنع وجود هيمنة دولة او تحالف دولي على مجموع القوى الصناعية وبالتالي العالمية. وهذه الهيمنة تعني فرض القيادة الاستراتيجية على المجموع. ان نظام المستقبل العالمي سوف يكون نظاماً متعدد الاقطاب مع هيمنة حتمية، لكن ليس بالضرورة ثابتة وابدية، ولكن متبدلة لبعض دوله على الاخرى وفي ميادين مختلفة.
والقصد ان علينا ان ننظر الى الهيمنة الدولية في الحقبة المقبلة نظرة متحركة ومركبة وان نتخلى عن النظرة الجامدة التقليدية التي صبغت بالفعل خلال ما يقارب نصف القرن العلاقات التناقضية الاستراتيجية والعقائدية بين الشرق والغرب.
برهان غليون
مفكر سوري مقيم في فرنسا
نحو التحرر والابداع الحضاري
اذا كان القرن الماضي هو عصر الاستعمار وكان هذا القرن هو عصر التحرر فقد يكون القرن المقبل عصر عودة الاستعمار من جديد ليس في صورة احتلال عسكري تقليدي او نهب للثروات الطبيعية او ارتهان لارادة الشعوب بل في صورة وضع نظام عالمي جديد من القوة الكبرى الوحيدة الباقية والتي ورثت الاستعمار القديم وهي الولايات المتحدة الاميركية، على كل الدول ان تتكيف معه وتتعايش فيه وتتنازل عن ارادتها المستقلة ومشاريعها الوطنية الخاصة وتقنع بالادوار المرسومة لها مسبقاً.
لقد تعلم الاستعمار من حركة التحرر الوطني الدرس، وهو انه لا يجوز لهذه الشعوب المتحررة حديثاً ان تكون كتلة جديدة ترث المعسكرين في الشرق والغرب كما حاولت منذ باندونغ ومنظمة التضامن لشعوب آسيا وافريقية، وحركة عدم الانحياز، والقارات الثلاث، حتى يصبح الاستعمار هو الاول والنهاية، ولما سقط المعسكر الشرقي استفرد المعسكر الغربي بوضع نظام العالم الجديد.
... ومع ذلك فالتناقض الداخلي في القوة الكبرى المسيطرة الآن كما بدا في حوادث لوس انجليس يهددها من الداخل، كما ان تصحيح مسار حركات التحرير واقامتها على اسس ديموقراطية شعبية قادر على تكوين قطب مضاد للنظام العالمي الجديد. المهم ابعاد روح الاحباط واليأس واستلهام البعد الحضاري والوعي التاريخي.
ولا حدود لابداع الامة وابتكارها وسائل جديدة للتحرر في مواجهة نظام العالم الجديد، اولها التحرر الثقافي والابداع الحضاري حتى يعاد ترتيب البيت من الداخل والتوجه الى نظام العالم الجديد بعقلية جديدة على القدر نفسه من التحديات.
حسن حنفي
مفكر مصري
حتى الغاء العالم الثالث
ان النظام العالمي الجديد، يبدو وكأنه لا يزال اسماً يبحث عن مسمّى. فالواقع الدولي، لم يتغير، على الاقل من منظور العالم الثالث، تغيراً جذرياً يستاهل معه ان يسمى بنظام دولي جديد.
ولكن، لا مراء مع ذلك في ان تحولات جوهرية قد حدثت على الصعيد الدولي، من دون ان تتأدى الى ظهور "نظام جديد". فالتحولات التي حدثت لا تعدو ان تكون في التحليل الاخير، انتصاراً لأحد طرفي الصراع في النظام العالمي القديم. وهذا الانتصار، ان دشن تحولاً كبيراً على الصعيد الدولي، فانه لم يؤد الى انبثاق نظام جديد، بل كرس النظام القديم نفسه في صورة احادية قطبية، كانت بالامس ثنائية.
ولهذا يبدو الاسم الجديد وكأنه يراد له ان يضفي طابعاً من المثالية على واقع قديم بالاحرى. ومن منظور العالم الثالث تحديداً، فان نظاماً عالمياً جديداً لا يمكن ان يقوم فعلاً، الا متى التغى العالم الثالث نفسه اسماً وواقعاً. وبالفعل ان من مفارقات "النظام العالمي الجديد" انه الغى العالم الثاني، الممثل بالمعسكر الاشتراكي سابقاً، وابقى على العالم الاول الذي اصبح الاول باطلاق، وأبقى في الوقت نفسه على العالم الثالث، الذي بقي عالماً ثالثاً بكل ما في الكلمة من معنى، ان لم نقل ان هذا العالم الثالث نفسه هو في سبيله الى الانقسام، الى عالم رابع وخامس، بحكم تعمق سيرورة التخلف.
وانما عندما تنعكس هذه السيرورة، اي سيرورة تعمق التخلف، وتأخذ ظاهرة التخلف طريقها الى الاندثار، على نحو ما اندثر العالم الثاني، اي عندما يختفي العالم الثالث نفسه ليتحول موقعاً في عالم البشرية المتقدمة، عندئذ فقط يمكن ان نتحدث عن ولادة نظام عالمي جديد.
وفي ما يتعلق بنا، نحن العرب تحديداً، فانني شخصياً، وخلافاً لتحليلات العديد من المحللين، لا ارى بمنظار اسود الى التحولات التي حدثت على الصعيد الدولي، والتي لم تؤد مع ذلك الى قيام حقيقي لما يسمى بالنظام العالمي الجديد. بل اكثر من ذلك، فان هذه التحولات قد - واشدد هنا على اداة التقليل قد - تكون حاملة لنوع من البشائر، لا من النذر. واصراري هذا على عدم التشاؤم، من دون ان يصل الى حد التفاؤل، انما يجد تبريره في الملاحظة التالية: وهي ان افجع الهزائم التي مني بها العرب كأمة، انما منوا بها في ظل النظام العالمي القديم. وتكفي هنا الاشارة الى انه في ظل ذلك النظام تحديداً، وقعت نكبة عام 1948 وهزيمة حزيران يونيو 1967 التي ما زالت آثارها تتفاعل وتتعمق الى حد الآن.
لقد كانت معاركنا حتى اليوم ومنذ عام 1948 مع العدو القومي اسرائيل، معارك خاسرة على طول الخط. ولعل احد اسباب ذلك يعود الى اننا لم نستطع ان نحتل لانفسنا في النظام الدولي القديم، الموقع الموائم. فعسى ان نراجع في ظل ما يحلو للبعض ان يتسرع باطلاق صفة "النظام الدولي الجديد" عليه، عسانا ان نراجع حساباتنا وان نعيد النظر في كل تاريخ صراعنا مع العدو القومي، كما ان نعيد النظر في حساباتنا ورؤيتنا للعلاقات الدولية، لنتمكن، وربما بعد فوات الاوان من استدراك ما يمكن استدراكه، ومن وضع حد للتوسعية الاسرائيلية التي تهدد بالقائنا الى الصحراء بعد ان كنا نتوهم اننا قادرون، بطرفة عين، على القائهم في البحر.
ان عدم تشاؤمي هذا يعود اذاً الى امل يداعبني في ان نكون هذه المرة اكثر واقعية، واكثر عقلانية في آن معاً، في تعاملنا مع العصر ومعطياته.
جورج طرابيشي كاتب سوري مقيم في فرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.