في 20 أيلول سبتمبر 2006 شهد اليمن "أسخن انتخابات على الكرسي الأول"، في العالم العربي، وفقاً لمختلف التقارير الدولية التي تحدثت عن"أكثر الانتخابات تنافسية"بين الرئيس علي عبدالله صالح ومرشح تحالف المعارضة فيصل بن شمسان، للفوز بأصوات قرابة تسعة ملايين ناخب. غير أن اليمن ومن خلال الأحداث والخطاب السياسي الذي تنتجه منذ أيار مايو الماضي، تبدو وكأنها"لم تشهد انتخابات منذ حرب صيف 1994"حتى أن اثنين من قيادات أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان التجمع اليمني للإصلاح، دعيا قبيل رمضان لپ"انتخابات مبكرة"، وهما منصور الزنداني، عضو مجلس النواب وشقيق الشيخ عبد المجيد عضو الهيئة العليا في الحزب، وفتحي العزب وهو أحد مرشحي"الظل"في تلك الانتخابات، ويرأس حالياً الدائرة الإعلامية في سكرتارية المكتب السياسي للإصلاح. وفيما تقول السلطة إن الأمر ناجم عن"لا ديموقراطية المعارضة"وسعيها لإعادة تقاسم السلطة مع الرئيس صالح بعيداً من نتائج الصناديق، بل ويلمح مسؤولون الى"تآمر"، في مواجهة"الشعبية الجارفة"التي يتمتع بها صالح والتي أظهرها صندوق الاقتراع إضافة الى"مهرجانات سبتمبر"فإن المعارضة ومع تصاعد لهجتها تجاه الأوضاع المتردية التي يحكمها غلاء في المعيشة مقابل تدن في دخل الفرد، تعيد إنتاج موقفها الذي تلى إعلان فوز الرئيس علي عبدالله صالح، والذي رفضت فيه الإقرار السياسي بالنتيجة، ليس لپ"عدم شعبية صالح"، ولكن احتجاجاً على ما وصفته بپ"تأميم"شعبيتها. كانت المعارضة تأمل أن تكون الانتخابات وسيلة لتأكيد حجم شعبيتها في الشارع بتحقيق ما لا يقل عن 35 في المئة من أصوات المقترعين، لكن اللجنة العليا للانتخابات وهي هيئة مكونة من ممثلين عن الأحزاب، لم تعطها سوى أقل من 22 في المئة, ما دفع بمحمد قحطان الذي كان رئيساً للهيئة التنفيذية لتحالف المعارضة الذي يضم الإسلاميين والاشتراكيين والقوميين، الى المطالبة بپ"لجنة دولية لإحصاء أنصار المعارضة الذين يمكن تجمعيهم بدعوة منها في الشارع العام"في إشارة لاتهامه اللجنة العليا بپ"تزوير النتيجة". كما أعلن مرشحها المهندس فيصل بن شملان، رفضه تهنئة منافسه"الذي بقي رئيساً للجمهورية"بأكثر من 77 في المئة، قائلاً إن"الجبل تمخض عن فأر"، خلافاً لما وصفه بپ"الشنة والرنة"التي سبقت تلك الانتخابات، والتي كانت"تعطي الأمل"بالديموقراطية. غير أن سامي غالب، وهو رئيس تحرير صحيفة"النداء"الأسبوعية المستقلة، يرفض الربط بين علاقات الفاعلين الرئيسيين"الحزب الحاكم وتحالف المعارضة"، وبين ما يحدث اليوم، ويقول إن"الاحتجاجات المتنامية في جنوب اليمن وشرقها"، فرضت"نفسها في صدارة جدول الأعمال الوطني", مربكة من سماها"أطراف المنظومة السياسية التقليدية"، ويزيد إنها"حرمتها من متعة استظهار أناشيد وخطابات النصر"المؤزر"، ومراثي"الهزيمة غير العادلة""، في إشارة للحزب الحاكم وللمعارضة. غالب يشير الى التحركات التي بدأت من محافظتي عدن والضالع، بتنظيم من النخبة الحاكمة في جيش ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، التي اندمجت مع الجمهورية العربية اليمنية في 22 أيار مايو 1990 مكونة اليمن الموحد. فمنذ أيار بدأت تلك النخبة سلسة احتجاجات ضد ما أفرزته نتائج حرب العام 1994 التي نشبت بين الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض، الذي كان أميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم"الجنوب"قرابة ثلاثة عقود. تلك الاحتجاجات بدأت ضد"تجاهل"مطالب مئات العسكريين الذين كانوا ضمن جيش دولة الحزب الاشتراكي، حتى هزيمته العسكرية في العام 1994. وفي سياق الجدل في شأن الإصلاح الإداري والمالي في نظام"الخدمة العامة"، الذي دعمه البنك الدولي وأعلن عبره"الإستراتيجية الوطنية للأجور والمرتبات"في الجهازين المدني والعسكري. وثار في شأنه جدل كبير بين الحكومة من جهة وبين مراكز قوى اجتماعية وسياسية منتفعة من بقاء السجل المالي للقوات المسلحة اليمنية بيد القادة الميدانيين للجيش، سواء القادة الفنيين أو الذين تمنح لهم درجات وظيفية في الجيش يتولون الإنفاق من خلال مستحقاتها على نفوذهم، وغالبهم من القادة السابقين للوحدات ومشايخ القبائل. ووفقاً لما قاله احد القادة المحتجين لپ"الحياة"، فإن كثيراً منهم اكتشف أن مستحقاته المالية إما تصله ناقصة أو لا تصله بالمرة وتنفق على"منتفعين"من أمثال هؤلاء القادة الاعتباريين. وأنهم حاولوا كثيراً التواصل مع المسؤولين حتى شعروا باليأس ما دفعهم لتشكيل"جمعيات أهلية باسم المحافظات"للدفاع عن حقوقهم سميت"جمعيات المتقاعدين". مطالب تلك الجمعيات تمثلت في تمكين من لا يزال تحت السن القانونية للوظيفة العامة من العودة إلى عمله ووظيفته في الجيش وفقاً لقرار"العفو العام"الذي أصدره الرئيس علي عبدالله صالح عشية انتصاره في تلك الحرب, ومنْح من دخل السن التقاعدية منهم حقوقاً مماثلة لرفاقهم الذين كانوا ضمن جيش المنتصر من تلك الحرب. غير أنه وبعد قرابة العام من فشل الجمعيات في"إيصال أصوات أعضائها"، تبنى عدد من قادة الجمعيات خطاباً سياسياً يطالب بپ"حقوق سياسية وفقاً لاتفاقيات الوحدة في العام 1990"، ثم انتقل للمطالبة بپ"إعادة النقاش حول حرب العام 1994"، وصولاً لإعادة"النقاش في موضوع الوحدة اليمنية"من الأساس. وكان أبرز هؤلاء، ناصر النوبة وهو ضابط سابق في الجيش الجنوبي انتهت خدمته العسكرية مع حرب العام 1986 التي تفجرت بين قيادات الحزب الاشتراكي يوم كانوا حكاماً للدولة الجنوبية. النوبة الذي يقول إنه مع"تيار إصلاح مسار الوحدة"، وهو تيار داخل الحزب الاشتراكي يتزعمه محمد حيدره مسدوس وهو نائب سابق لرئيس وزراء اليمن الموحد، تتهمه الحكومة - وفقاً لمصادر رسمية تحدثت لپ"لحياة"بالعمل مع المعارض البارز"أحمد الحسني"المقيم"كلاجئ سياسي"في العاصمة البريطانية"لندن". منذ إبعاده من منصبه كسفير لليمن في سورية. أقصي من قيادة القوات البحرية اليمنية قبل ذلك بسنوات, وعاد إليها بسبب تأييده الرئيس علي عبدالله صالح في حرب العام 1994 ضد الحزب الاشتراكي علماً ان قيادة الاشتراكي كانت أقصت الحسني في العام 1986، حين نشبت"حرب الرفاق"التي نقلت النوبة والحسني وعشرات من قيادات جيش الحزب السابقين للعيش في صنعاء. علماً أن النوبة التحق بالحزب في حرب 94 خلافاً للحسني. ومع تحول خطاب المتقاعدين من حقوقهم إلى حقوق أبناء الجنوب، فقد شكل الرئيس علي عبدالله صالح لجاناً لحل مشاكل المتقاعدين، إضافة الى لجان لپ"الاستماع لشكاوى أبناء المحافظات"، وأثمر عمل اللجنتين عن إعلان أول لجنة عليا لم تعلن في الإعلام الرسمي لپ"تصفية آثار حرب 1994"، ترأسها نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هدي، وضمت أقوى قيادات جيش الرئيس صالح"علي محسن صالح"الذي يقود المحور الشمالي الغربي، وكان أبرز قادة حرب العام 1994. غير أن مهمة هذه اللجنة اقتصرت على"استيعاب مطالب الاحتجاجات العسكرية"، وپ"إعادة ترتيب ملكيات الأراضي والعقارات"في محافظة عدن التي يدور حولها جدل كبير بسبب انتقال الملكية فيها وفقاً لنتائج المعارك العسكرية، وآخرها حرب العام 1994. الرئيس صالح الذي تولى إضافة إلى ترتيب أوضاع قرابة 38 قائداً من قادة الجيش الجنوبي، ملف عسكريي محافظة الضالع، أربعة آلاف جندي وضابط، فضَل أيضاً التصعيد مع الأحزاب المعارضة، سواء من حيث الهجوم عليها، من جهة، أو عبر حض حزبه"المؤتمر الشعبي العام"على البدء في حوارات معها في شأن تعديل قانون السلطة المحلية بحيث يتم انتخاب مسؤولي المحافظات بدلاً من تعيينهم بقرار جمهوري من جهة ثانية. اللجان التي نجحت حتى الآن في استيعاب المطالب المباشرة لجمعيات التقاعد،"تمكنت من استخلاص العبر في شأن حقوق العقارات في عدن حيث اتخذت قرارات بتصحيح ملكيات آلاف العقارات بإشراف قضائي، وتمليك من يسمون وفقاً للنظام الإداري الذي أنتجه قانون التأميم بالمنتفعين من عقاراتهم"، فشلت في احتواء الخطاب العام عن"الإصلاح السياسي"وهو"تصحيح مسار الوحدة"لدى السلطة ولدى أحزاب المعارضة"تعديل النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني", ولدى قادة جنوبيين"حق تقرير المصير". ومع التأثير الإيجابي لخمود النشاط السياسي خلال شهر رمضان لمصلحة الرئيس علي صالح للعام الثاني على التوالي، فإن هذا الفشل السياسي يبشر بتعاظم الأزمة بعد انقضاء الشهر الفضيل, خصوصاً أن أكبر شركاء صالح فيما مضى"التجمع اليمني للإصلاح"، يواصل نشاطه"السياسي"ضده وفقاً للتنظير الذي قدمه عبده سالم،"عضو الدائرة السياسية فيه"، والذي قال إنه مثلما أن"الإصلاح"تحرك ميدانياً لدعم حكم الرئيس خلال عقدين ونصف العقد، فإنه"سيتحرك ميدانياً ضده ولن يكتفي بفك التحالف". سالم قال لپ"الحياة"، إن ذلك"ليس انقلاباً بل هو منطق التحالفات السياسية"، وأن"الإصلاح الذي كان سقفه الانتخابات البرلمانية سيعمل من الآن لإيصال مرشح آخر الى الكرسي الذي يجلس عليها الرئيس علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2013".