محمد احمد المخلافي. قضية دولة القانون في الازمة القانونية. دار الكنوز، بيروت. 1999. 208 صفحات. يتناول الكتاب، الذي قدم له المحامي محمد علي السقاف، الازمة اليمنية في جانبها القانوني - الدستوري ابتداء من اتفاقات الوحدة، فالفترة الانتقالية، فالحرب والانفصال. ويشتمل الكتاب على ثلاثة ابواب وثمانية فصول وخاتمة. في الباب الاول يتناول المؤلف اسس تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية، فيقدم خلفية عن دولة الاستبداد اليمني التي يرجع تاريخها الى استقلال الشطر الشمالي عن الاتراك المتوكلية اليمنية في 1918، ويمر على قيام الثورة اليمنية في ايلول سبتمبر 1962 ثم تشرين الاول اكتوبر 1964. ويأتي على قراءة اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس عام 1972. فقد وقعت اتفاقية القاهرة من قبل رئيسي الشطرين حينها: وهما القاضي عبدالرحمن الارياني وعلي سالم ربيع علي. بينما وقّع بيان طرابلس محسن العيني وعلي ناصر محمد كرئيسين للوزارء. ولا يقف الكاتب عند تخوم القراءة القانونية المجردة بل يربطها بالابعاد الاقتصادية والاجتماعية والوقائع السياسية والعسكرية التي مر بها الشعب اليمني في الشطرين. فاتفاقية القاهرة وبيان طرابلس اعقبا حرب 1972. ويرى، وهو على حق ان اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس، مثلا المدماك الذي استند اليه حوار الوحدة الذي توجه بيان الثلاثين من تشرين الثاني نوفمبر. فقد نصت اتفاقية القاهرة الموقعة في 18 تشرين الاول 1972، على ان نظام الحكم "وطني ديموقراطي"، ويضمن دستور الوحدة كفالة جميع الحريات الشخصية والسياسية والعامة. وهو يتناول اتفاقية الكويت في 2 آذار مارس 1979، والتي اعقبت حرب 1979، وقد تضمنت الاتفاقية اجراء الاستفتاء على مشروع دستور دولة الوحدة، وانتخاب سلطة تشريعية موحدة. اما الفصل الثاني فمكرس للفترة الانتقالية وتبدأ من قيام الدولة الجديدة الجمهورية اليمنية في 22 ايار مايو 1990 لتنتهي بالانتخابات النيابية العامة في 27 نيسان ابريل 1993. والكاتب يتناول الصعوبات والتحديات التي واجهت الدولة الجديدة. وينتقد الاستعجال في اقامة الوحدة الاندماجية الفورية بما حمّل الوحدة كل الركام السيء لموروثات الماضي وازماته التي لا تُحصى. وينتقد الكتاب موقف اليمن من حرب الخليج الثانية، وهو الموقف الذي أضرّ كثيراً باليمن واليمنيين من غير ان يستفيد منه العراق في شيء. وهو يرى ان حرب الخليج احد التحديات التي واجهت الوحدة في بدايتها. والملاحظ ان السرد السياسي والتتبع للوقائع والاحداث السياسية يطغى على الجوانب الحقوقية والقانونية موضع عنوان الكتاب ومهمته الاساسي. وهو يؤرخ لبدء الصراع حول فهم وتطبيق اسس ومبادئ دولة الوحدة بين المؤتمر الشعبي العام والاصلاح من جهة، والاشتراكي وحلفائه من جهة اخرى. فالدستور، وبحق، كان اولى المعارك في حياة الدولة الجديدة التي خاضت غمارها كل الاطراف السياسية. ويرى الكاتب، وهو محق، ان القوى الرافضة للحداثة وللديموقراطية والعدل الاجتماعي قد أعاقت قدر المستطاع الاستفتاء عليه، وانها أفادت في معركتها ضد الدستور من حرب الخليج، وقد استخدمت في معركتها هذه خطاباً دينياً موجهة سهام انتقادها للمواد الديموقراطية في الدستور، وللمواد المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والمساواة والتشريع الجديد. وهذه القوى استخدمت ايضاً سلاح التكفير والتخوين، وتهم الشيوعية والعلمانية والالحاد. ورغم ان المؤتمر، كما يرى المؤلف، كان الى جانب الدستور الا انه أفاد كثيراً وشجع على توجيه الانتقاد للاشتراكي، لأن ذلك يضعف موقفه وموقعه، ويفرض عليه المواجهة المستمرة، كما يتناول قضايا الاصلاح المالي والاداري وازمة اقتسام السلطة وارهاق جهاز الدولة بالتضخم الوظيفي وغياب الوفاق الوطني، وتحالف المؤتمر والاصلاح ضد الاشتراكي. ويتابع الكتاب خروج الازمة من دائرة السرية الى العلن واتساع نطاق الارهاب الذي طال كوادر الحزب الاشتراكي، ويكرس الفصل الثالث لنتائج الانتخابات وازمة مفهوم الشرعية. وهو يرى ان الانتخابات جسّدت التنافس الحزبي والديموقراطي لكنها جرت في ظل الازمة والتوتر. ويتناول الائتلاف الحكومي عقب الانتخابات والمكوّن من المؤتمر والاشتراكي والاصلاح، والذي عكس نتائج الانتخابات النيابية. اما الباب الثاني فمكرّس لقضية دولة القانون وحقوق الانسان، ويربط في تناوله للقانون بينه وبين مهام الثورة اليمنية ومنجزاتها، كما يتناول التطبيق والمعوقات. ويرى المؤلف الى مشكلة الدستور بين الماضي والحاضر لتحديد مسار المستقبل. فقد وقف المؤتمر وحزب الاصلاح الى جانب تغيير يضمن العودة لتسيّد الفرد وحكم القبيلة، او بالاحرى الحفاظ على دولة ما قبل القانون ورفض اي تغيير نحو الافضل، بينما دعا الاشتراكي الى ما يخدم الشرائح الاجتماعية التي لها مصلحة في دولة عصرية مؤسساتية حديثة تحترم الدستور وتحتكم الى النظام والقانون. ويتابع المؤلف في هذا الباب صدور الدساتير في الجمهورية اليمنية ابتداء بالدستور الموقت عام 1963، وصدور عدد من القوانين المهمة. وفيه يسجل طموحات الامام يحيى مؤسس "المتوكلية اليمنية" بعد خروج الاتراك عقب الحرب الكونية الاولى وتحديداً في العام 1918، ورغبته في تجاوز العرف القبلي بالعودة الى الشريعة الاسلامية. وتغيب عن المؤلف قصة الدستور التي بدأت مع دعوات حزب الاحرار اليمنيين، وهو الحزب السياسي التقليدي في شمال الوطن: تأسس عام 1947 في مدينة عدن واصدر صحيفة "صوت اليمن" وقاد ثورة 1948 وهي الثورة التي لا تزال تسمى حتى اليوم "الثورة الدستورية" لأنها سنّت الميثاق المقدس كأول دستور يمني.