أكدت مصادر مطلعة في تونس لپ"الوسط" ان هناك "اتجاهاً قوياً" لاجراء انتخابات تشريعية عامة في البلاد في تشرين الثاني نوفمبر 1993، بدلاً من نيسان ابريل 1994 كما كان مفترضاً، على اساس ان آخر انتخابات تشريعية جرت في نيسان ابريل 1989 وفاز فيها التجمع الدستوري الحاكم بكل المقاعد. على ان الامر، ليتم، يحتاج الى تعديل دستوري بحيث ينهي الولاية الحالية لمجلس النواب قبل موعدها بحوالي 6 شهور، كما يحتاج، استجابة لهاجس الرئيس زين العابدين بن علي بمشاهدة الاحزاب والقوى المعارضة ممثلة في البرلمان، الى اعادة النظر في الطريقة الانتخابية وطريقة الاقتراع وإدخال تعديلات عميقة على القانون الانتخابي، خصوصاً بالنسبة الى انهاء العمل بالطريقة الاقتراعية المعمول بها منذ الاستقلال قبل 36 عاماً والتي تعطي كل المقاعد في البرلمان لقائمات الحزب التي يأتي ترتيبها الأول في الانتخابات. وهناك ارادة سياسية واضحة هذه المرة للقطع مع الطريقة الاقتراعية التقليدية في تونس واعتماد طريقة جديدة تقوم على ادخال جرعة من النسبية كانت المعارضات تطالب بها منذ سنوات لأنها وحدها القادرة على فك الاحتكار المضروب من قبل الحزب الحاكم على مقاعد البرلمان. وتقوم حالياً الهيئة العليا للميثاق التي تجمع حول رئيس الوزراء الدكتور حامد القروي، ممثلي الاحزاب السياسية القانونية، وعددها 6 احزاب بما فيها الحزب الحاكم، بدرس التطويرات التي يراد ادخالها على القانون الانتخابي وحجم جرعة النسبية التي سيتم العمل بها في اطار النظام الانتخابي الاغلبي المعمول به. ويتضح مما تسرب حول مشاورات الاحزاب في اطار الاجتماعات المتوالية للهيئة العليا للميثاق انه لن يقع اعتماد النظام النسبي المطلق، خوفاً من ان يؤدي الى تفتت في التمثيل البرلماني بصورة تحول دون قيام اغلبية واضحة في البرلمان قادرة على تشكيل الحكومة، كما هي الحال في ايطاليا او اسرائيل، حيث تعتمد طريقة الاقتراع النسبي المطلق على ان السيناريوات المطروحة في هذا المجال ليست قليلة ولا بد من اختيار احدها في وقت مناسب ليقره البرلمان في اطار القانون الانتخابي المتميز والذي يحتاج الى ثلثي اصوات اعضاء البرلمان، كما هو الشأن بالنسبة الى كل القوانين التي تدعى بالعضوية او الأساسية والتي تعد مفاصل هامة في تنظيم الحياة السياسية والحريات في البلاد. ويعتقد المراقبون ان يتم، على الارجح، اعتماد طريقة وسطى في الانتخابات المقبلة تقوم على فوز القائمة التي تحصل على المرتبة الاولى من حيث اهمية الاصوات بنصف المقاعد، على ان توزع بقية المقاعد وفق النسبة التي حصلت عليها كل قائمة من القائمات، بما فيها القائمة الأولى. وباعتبار ضعف الاحزاب المعارضة المعترف بها فان المراقبين يعتقدون ان ذلك لن يغير شيئاً كبيراً، داخل البرلمان الذي سيبقى عموماً تحت سيطرة الحزب الحاكم، التجمع الدستوري الديموقراطي، فيما ستدخله بعض الوجوه المعارضة التي ستسمع صوتها من دون ان يكون لها تأثير حقيقي على صنع القرار. وفيما تشكو غالبية احزاب المعارضة من انقسامات داخلية وخلافات حادة فان الحزب الحاكم يبدو اشد الاحزاب تماسكاً وهو يستعد لعقد مؤتمره العام في شهر تموز يوليو المقبل، اي قبل الانتخابات بحوالي 3 اشهر. وقد ادخلت على قيادته العليا بعض التغييرات استعداداً للمؤتمر، وإذ أبقي على الشاذلي النفاتي في منصبه كأمين عام، فقد احدث منصب امين عام مساعد للمرة الاولى تولاه وزير الدولة السابق للتعليم حاتم بن عثمان مع اعطائه صلاحيات واسعة في مجال الاعداد للمؤتمر وتكليفه بالهياكل والتعبئة في اطار توازن جديد داخل الحزب الحاكم. وتنظيم انتخابات تشريعية عامة سابقة لأوانها ويحصل هذا للمرة الثالثة في عشر أو 11 سنة من دون تنظيم انتخابات رئاسية في الوقت نفسه والابقاء عليها في موعدها اي في نيسان ابريل 1994، يخلق سابقة جديدة، اذ ان الحياة السياسية التونسية درجت حتى الآن على اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعد واحد، الا في الفترة الاخيرة للرئيس بورقيبة عندما تولى الرئاسة مدى الحياة. ومن شأن هذا الفصل ان يطرح اسئلة حول التقاليد السياسية: فهل سيعاد تشكيل حكومة جديدة بمناسبة الانتخابات الرئاسية ام الانتخابات التشريعية؟ ولعل المثل الوحيد هو المثل الاميركي، فالانتخابات الخاصة بمجلس الشيوخ ومجلس النواب التي تجري في منتصف الولاية الرئاسية لا تفرض اي تغيير في الحكومة. الا انه لا بد من القول ان الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو فصل كامل في دستور الولاياتالمتحدة. ومهما يكن من امر فلعله من الضروري ايجاد الحلول لكل الاحتمالات في هذا الشأن وتوضيح ذلك في اطار النصوص الدستورية القانونية التي يعتقد الخبراء انها ينبغي ان تكون مستجيبة للاحتمالات كلها، خصوصاً ان اكثر المراقبين السياسيين يرون في الفصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية مظاهر ايجابية اذ تسمو الانتخابات الرئاسية الى ما فوق المنافسات الفردية او الحزبية التي تتميز بها الانتخابات التشريعية بطبيعتها. علماً انه يبدو واضحاً ان لا احد سينافس الرئيس بن علي في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد عام ونصف العام، وذلك سواء باعتبار وضعه المتميز داخل الساحة السياسية وإجماع المعارضات القانونية على شخصه، او باعتبار النصوص القانونية التي تخلق استحالة ترشح اي كان على اساس ضرورة توفر عدد وافر من الضامنين ممن يتحملون مسؤولية تمثيلية منبثقة من انتخابات تشريعية او بلدية، فيما نعرف ان كل الذين يحملون هذه الصفة حالياً هم من مرشحي التجمع الدستوري الحاكم وانه حتى وان دفعت الانتخابات المقبلة بعدد من النواب المعارضين الى مجلس النواب، فانهم لن يكونوا من الاهمية عددياً بحيث يستطيعون ان يوفروا العدد الكافي من الضامنين. وفي ظل الضعف المتناهي للمعارضات التونسية، باستثناء حركة الديموقراطيين الاشتراكيين التي تحافظ على بعض الحضور المحتشم، فان التنظيمات الجماهيرية، مثل اتحاد النقابات ومنظمة اصحاب المؤسسات، تبدو اليوم وكأنها وحدها التي تستقطب جانباً من الرأي العام، خصوصاً انها اقرب ما تكون في هذه المرحلة من السلطة. فدفاعها الحر عن اعضائها ومصالحهم المادية، من اجور او امتيازات مختلفة، اعطاها قوة لا تتمتع بها احزاب المعارضة التي لم تستطع ان تضع رجلها داخل هذه المنظمات او تستقطب انصارها الكثيرين. ومما يزيد في قوة هذه المنظمات حالياً ان تونس على ابواب مفاوضات اجتماعية تستهدف ضبط سياسة جديدة للأجور ورفع مستواها.