تُطالعك أسارير وجهه وأنت تسمع منه حكايات وقصص رمضانية، لم يتبقَ منها سوى الذكرى، ويجعلك في شوقٍ إلى التحليق في عالم استثنائي تصفو فيه النفوس. وعما تبقى من ذكريات يقول عضو مجلس الشورى الدكتور محمد الخنيزي ل"الحياة":"كثير من الذكريات عفا عليها الزمن، إلا ذكريات الطفولة في رمضان، فهي مرتكزة في الذاكرة". أما عن أبرز المواقف التي لا زالت ببراءتها عالقة في الذاكرة قال:"كنا نفرح بتوزيع الأطباق للجيران والأقارب، وكان الحصول على جائزة أو هدية منهم تسعدنا كثيراً". ويذكر الخنيزي أنه بدأ الصوم"في عمر الثامنة"، وعلق ضاحكاً:"حكايات الطفولة لا تخلو من اللف والدوران لالتهام الطعام خلسة، لكن سرعان ما يُكشف أمرنا الذي ينتهي بالعقاب ومرات بغض النظر خصوصاً في العام الأول". ويضيفً:"ثمة تفاصيل محفورة في الوجدان، وحين يأتي الحديث عن رمضان الفضيل فالشجن يتنافس ليختار من الكلمات أسماها. وأنا أتذكر اليوم الأخير من شعبان الذي يسمى ب"يوم القرش"ويتميز بالبهجة والاستعداد لاستقبال الضيف الكريم، إذ يجتمع الناس في ساحة مميزة أشبه بالكرنفال، يوجد بها كل مستلزمات رمضان، وكنا نشتري ما نحتاجه كحال الباقين، ونستمتع بالوجوه السارة والقلوب المهنئة، وكذالك برائحة الحلوى الشهية والزلابيا اللذيذة". ويصف الخنيزي حال أسرته ساعة إعداد وجبة الإفطار بقوله:"يتنافس جميع أفراد الأسرة في إعداد الوجبات الشعبية مثل اللقيمات والكباب والهريس والساقو والخبيصة والعصيدة والسمبوسة والكفتة، وغيرها من الأطعمة الشهية الأخرى. وكان ذلك ديدننا في المحافظة على سلوكياتنا وعاداتنا كعائلة لأعوام طوال حتى تفرقت بنا السبل". ويصف مائدة رمضان ب"الأميز بين الشهور"وأن السُفرة تزدان بخيرات الله، وتشمل سفرتنا على الثريد الذي يتم عمله من الخبز المحلي ومرق اللحم والخضراوات والهريس والكباب واللقيمات والساقو، إضافة إلى الممروس والخبيصة، وهي أطباق تعتمد على دقيق القمح في صنعها". لكن السحور يجب أن يكون خفيفاً على المعدة ويتصف بالبساطة الشديدة، وغالباً ما يعتمد على الحليب والشابورة وبعض الفواكه أو ما تبقى من سُفرة الفطور. ويصف الخنيزي رمضان ب"شهر البركة والنور والرحمة"،مضيفاً:"فيه أنزل القرآن الذي كان هدى للناس وبينات من الهُدى والفرقان. قال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى والفرقان. فهو الشهر الذي تتجلى فيه الروحانية والتقرب إلى الله بشتى أنواع العبادات، ومن الفرص التي أتاحها جلَّ وعلا لعبيده الإحساس بالمحتاجين والمحرومين. وفيه تفتح أبواب الجنة، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد أن رسول الله قال:"إنَّ في الجنة بابًا يقال له الرَّيَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد". ثم دلفنا معه لذكريات رمضان أثناء فترة الجامعة فقال:"كنت أدرس علم الجغرافيا في جامعة الملك سعود في الرياض، وكان للعزوبية رونقها في رمضان ولكنها لا تخلو من التعب والمشقة، لكنني خرجت منها طباخاً ماهراً، ومازلت محترفاً في صنع الحلويات والكبسة، والأخيرة أعتبرها من اختصاصي". من بعدها قضيت أعواماً من عمري في الولاياتالمتحدة الأميركية، وكان اليوم فيها طويلاً وشاقاً، ولكن ذلك لم يمنعنا من العمل والدراسة بالقدر نفسه الذي نبذله خلال الأشهر العادية، وكنا أحياناً نحمل التمر وقليلاً من الأكل الرمضاني معنا، وعندما يحين وقت الإفطار نستأذن لبعض الوقت للإفطار السريع والصلاة ومن ثم العودة للمحاضرة، وكان بعض أعضاء هيئة التدريس يتفهمون ذلك وبعضهم لا يقبلون أعذارنا والرأي الأخير لم يمنعنا من الصبر والمقاومة". وأضاف:"كنت وزوجتي الحبيبة أم مهند في شهر رمضان نشرح للطلبة وأعضاء هيئة التدريس عن الصوم وعن عاداتنا وتقاليدنا، بل ونكتب في صحف المدينة والجامعة مواضيع ذات علاقة بالصوم ونشرح لهم الوجبات التي نأكلها، ونتلقى مكالمات هاتفية من زملائنا يدعونا إلى بيوتهم مبدين استعدادهم للحضور إلى منزلنا ومشاهدة أكلات رمضان والأكل منها". ويعتبر الخنيزي أن"إقامة حفلات الغناء، وانتشار عادة تناول الشيش في بعض من الفنادق، عادات لا تليق بالشهر الفضيل". الشبكات الاجتماعية متعة الجيل الحالي عن علاقة الصائمين بوسائل الإعلام قال الخنيزي:"منذ ذلك الزمان البعيد كان الصائمون على ارتباط وثيق بما يُبث في التلفاز". وتابع:"كانت الأفلام والمسلسلات التي يبثها تلفزيون"أرامكو"أميركية"مدبلجة"للغة العربية، ثم ظهرت المسلسلات الخليجية في المحطات الخليجية، خصوصاً الكويت التي تميزت ببساطتها وسهولة متابعتها". وتابع:"لكنني في الوقت الحالي أحرص على متابعة نشرات الأخبار، وبعض المسلسلات إذا وجدت فيها شيئاً هادفاً يغري بالمتابعة". وتحدث الخنيزي عن علاقة الجيل الجديد بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وقال:"البعض منهم اعتاد النوم أثناء النهار والسهر أثناء الليل ما أفقدهم متعة التقارب مع الأسرة، ويرجع ذلك إلى التنافس الشديد بين وسائل الإعلام وما تنشره من إعلانات لبرامجها والمسلسلات التي تقدمها. كما أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي المتعة الوحيدة لفئة كبيرة من أبناء الجيل، بينما يقضي البعض الآخر معظم الليل في المراكز التجارية أو التفحيط في الشوارع، وهي سلوكيات لا بد من تقويمها من خلال المناهج الدراسية والتوعية من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لكي تتحقق الفائدة من هذا الشهر بالعبادة والعمل والمتعة معاً".