كانت الهجرة الأولى والعظمى للإعلاميين السعوديين في بداية التسعينات إلى عاصمة الضباب"لندن"، وذلك لوجود المجموعات الإعلامية العربية الأبرز فيها، منها جهات ذات رأسمال سعودي. ولم تكن هي المنطقة الوحيدة بل سبقتها جولات سعودية مختلفة، وإن كان أبرزها تجربة الإعلامية السعودية هدى الرشيد في إذاعة BBC التي قدمت فيها كمذيعة سعودية محترفة، جمعت بين الصوت المخملي والأداء المتمكن في مؤسسة ليس فيها مجال للمجاملة أو المسايرة. وفي قاهرة المعز كانت هناك تجارب صحافية باكرة للإعلاميين السعوديين، مثل تجربة الأديب عبدالله القصيمي الذي كتب في صحف القاهرة وبغداد، وجمع كثيراً مما كتبه صحفياً في كتب انتشرت بعد ذلك انتشاراً واسعاً. وجمعت عاصمة الضباب في منتصف الثمانينات تجارب سعودية تختلف كل الاختلاف عن تلك التجارب، لأنها كانت فردية وفي أزمنة متفرقة، بينما كانت هي تجربة موحدة في الزمان والمكان، وسياق المكان هنا يقصد المؤسسات الإعلامية التي جمعت هذه التجربة السعودية، فهي لم تكن تجارب منفصلة عن واقع الجهات التي تعمل بها، كونها جهات سعودية التمويل مثل صحيفة الشرق الأوسط وصحيفة الحياة ومجموعة إم بي سي وغيرها ممن خرّجوا مجموعة من الإعلاميين السعوديين، الذين أصبحوا بعدها مؤثرين في أوساطهم، وأصبح لهم بعدها سُلطة على جهات إعلامية عدة. وفي ذات القارة الأوروبية، كانت هناك تجربة خجولة لمجموعة راديو وتلفزيون العرب ART في روما التي كانت المحضن الأساسي لهذه المجموعة من قنوات عملت طويلاً في مجال المنوعات، وكان فيها مجموعة من السعوديين الذين عملوا فيها كتنفيذيين أو حتى إعلاميين. وتظل القاهرة واسطة العقد في العمل الإعلامي السعودي خارج السرب، ففيها كانت تجارب عدة، ولكن غلب عليها الجانب الدرامي والفني، إذ بقي فيها فترة طويلة الممثل ماجد العبيد، وقدّم فيها عمله"صدق الله العظيم"، والممثل خالد الحربي الذي صوّر فيها مجموعة من الأعمال الدرامية، والممثل سعد خضر الذي استقر بها فترة طويلة لذات الهدف. ولكن دبي في الفترة الأخيرة كانت هي المميزة، إذ استقطبت مجموعة كبيرة من الإعلاميين العاملين في المجموعات الإعلامية ذاتها التي انطلقوا منها في لندن، واحتضنتهم، وأصبحوا فيها مميزين بعمل إعلامي جمع بين الحرفة والاحتراف والإبداع. تعدّدت الرغبات والهدف واحد ... ودبي وجهة أولى . هرباً من مقصات الرقابة... وبحثاً عن بيئة احترافية... وماديات أفضل رغبات مختلفة ودوافع متنوعة، كانت وراء هجرة إعلاميين سعوديين إلى دول عدة، بحثاً عن أعمال تحويهم ويجدون فيها أنفسهم. دبي.. تلك المدينةالإماراتية التي باتت في العقد الأخير مجمعاً لعدد كبير من الإعلاميين من جنسيات عربية وغير عربية، كانت وجهة مجموعة من الإعلاميين السعوديين على مدى الأعوام القليلة الماضية، فبعد روّاد الهجرة أمثال الأخوين حافظ وعثمان العمير وعبدالرحمن الراشد ومطر الأحمدي ومحمد التونسي، اختار سعود الدوسري الاتجاه ذاته في العقد الأخير من القرن الماضي، تبعه تركي الدخيل مع بدايات القرن الحالي، ثم بتال القوس، ليتوافد بعد ذلك عدد من الإعلاميين في قطاعات مختلفة، ما بين تلفاز وإذاعة وصحافة، تقاسموا الشهرة والوصول وانقسم الجمهور بين تقبّلهم ورفضهم. لم يكن السنّ عاملاً مؤثراً لدى الكثير من المهاجرين، فالعشريني والثلاثيني وحتى الأربعيني، اتّفقوا على اختيار وجهات جديدة، طامحين إلى وصول أكبر أو راغبين في خوض غمار جديدة، أو حتى ساعين إلى التعرّف على الواقع الإعلامي خارجياً. مدير تحرير صحيفة"إيلاف"الإلكترونية سلطان القحطاني، أراد تطوير قدراته من خلال ممارسة العمل البحثي والدراسي في مجال الإعلام في بريطانيا، إضافة إلى الاطلاع على تجارب مختلفة على مستوى الوسائل الإعلامية، حتى تكوّنت لديه رؤية تتمثّل في أن العمل وسط بريطانيا له طقوس مختلفة عن غيرها من البلدان. يقول القحطاني:"العمل هو العمل في أي مكان، لكن المشكلة في عالمنا العربي أن حدود الحرية ليست واضحة، بعكس ما أجده في الغرب الذي يحوي قوانين محددة لك وعليك، وهذا ما يجعل الأمر مريحاً أن تعمل في بيئة منظّمة. حتى على مستوى الإعلام الجديد، نجد أن"تويتر"في السعودية أكثر حرية من أميركا نفسها، ولكن في الجانب السلبي، إذ يمكن لأي شخص أن يتّهم آخر بأي فعل، ويقذف بأية تهمة، ثم لا نجد جهات تحاسبه وتوقفه بحزم وصرامة". ويعتبر أن الواقع الإعلامي المحلي لا يزال يعيش صحافة الثمانينات المحلية، مشيراً إلى أن تجديد الدماء لا يظهر إلا في شكل طفيف، وهذا ما يدفع الإعلامي الطموح إلى البحث عن فرصة أخرى خارجية، مضيفاً:"الفرصة يمكن الحصول عليها، على رغم أن الإعلاميين السعوديين لا يثقون في بني جلدتهم، بل يحاربونهم، ويعتبرون أن الأجنبي أقل خطراً عليهم، فالبعض لديهم العقدة من الإعلامي السعودي لدرجة إقصائه من المؤسسة الإعلامية باعتباره عبئاً زائداً". وللعروض المغرية دور فاعل في اتجاه الإعلامي السعودي للخارج، فالمذيع في قنوات أبوظبي الرياضية عمر الجغيمان، وجد أن العرض المقدّم له يستحق أن يترك شبكة راديو وتلفزيون العرب"أي آر تي"، التي كانت على وشك التوقّف. ويضيف الجغيمان:"الضغوط في الخارج أقل مما هي عليه محلياً، كما أن إمكان صقل الموهبة متاح في شكل أكبر، وهذا ما وجدته في أبوظبي التي منحتني فرصة للظهور على الشاشة في أقوى دوري كرة قدم بالعالم، على رغم قلّة خبرتي في ذلك الوقت، فقرار الانتقال إليها لم يستغرق مني وقتاً طويلاً، خصوصاً أن العمل ضمن فريق الدوري الإنكليزي ويتيح لي خوض تجربة تقديم البرامج في المسابقات العالمية، وهذا له مردود إيجابي، ويمكن القول إنني حصلت على أكثر مما توقعت". ولا يختلف الأمر كثيراً لدى المذيع في قناة دبي الرياضية مشعل القحطاني، الذي تلقّى عرضاً من مؤسسة دبي للإعلام، وفي غضون أسبوعين تمّ الاتفاق والتوقيع، معتبراً أن تقدير الموهبة والمعاملة بمبدأ الثواب والعقاب، يشكلان ميّزة في العمل الإعلامي في الإمارات، واصفاً المقابل المادي المحلي للإعلامي في السعودية ب"المجحف". ويضيف:"التحفيز والدعم يُعدّان من أبرز ما يبحث عنه الإعلامي، ومع انتقالي خارج السعودية وجدت ذلك في شكلٍ كبير، إضافة إلى تقدير الموهبة ومنح الثقة وإعطاء الصلاحيات في إطار العمل في شكل أفضل، وكذلك المعاملة بمبدأ الثواب والعقاب الذي كان غائباً في فترات سابقة في العمل الاعلامي السعودي، بحيث يُمنح المجتهد حقه في فرص الظهور، وأن يطبّق العقاب لمن يتجاوز، لكي نجد المنافسة حاضرة بقوة بين العاملين في المجال الاعلامي، فما يحدث في الكثير من الحالات هو منح فرص الظهور بالقرعة من دون الاخذ بالاعتبار مبدأ ا?فضلية والتميّز". وذكر أن العدل والتقدير في الجانب المادي يشكّل أهمية بذاته، مشيراً إلى أن ذلك لا يظهر في الشكل المناسب بالعمل الاعلامي الحكومي المحلي، واصفاً إياه ب"المجحف". ... و الإيمان بقدرات الشباب"ضعيف" البحث عن المهنية والاحترافية في العمل الإعلامي، كان وراء اتجاه المعدّ في قناة"إم بي سي"محمد العُمر إلى دبي، فاهتمامه بما يُعنى بالقضايا الاجتماعية والسياسية لم يجد له الأرضية المحلية المناسبة، فبعد دورات تدريبية عدة، وتغطيات متنوعة منها أحداث جنوب السعودية وموسم الحج مع قناة الإخبارية السعودية، اختار أخيراً خوض تجربة جديدة مكانها دبي. ويقول:"عندما قررت ممارسة العمل الإعلامي، كان همي الأكبر إبراز الشارع بطبيعته، سواء على صعيد ألمه أم فرحه، وبثّه عبر الشاشة الفضية، وكنت حينها أتوق إلى مكان أكثر مهنية وأكثر مساحة لعرض ما أريد طرحه، وكانت أمامي خيارات عدة، لكني لم أنظر إلى مسألة الداخل والخارج، من منطلق أن العمل الإعلامي لا يعترف بذلك، وإنما بالاهتمام والمهنية وكذلك البحث عن النجومية، ومحلياً نحتاج إلى الإيمان الكامل بقدرات شبابنا ومحاولة تحفيزهم وشكر تميزهم والإشادة بهم بدلاً من تهميشهم، فتلك النقاط إذا انعدمت تكون قوة جبارة لجعل الصحافي السعودي يهاجر ببدنه وعقله إلى أرض أخرى تحترم طاقته". ويعتبر العمر أن الإمارات كانت محطة مفاجئة ولم تكن مقصداً، إذ أُتيحت له فرص في بلدان عدة، لافتاً إلى أنه وجد في"إم بي سي"أدوات الصحافي الشامل، واكتسب فيها خبرة ومعرفة ومهارة كان يفتقر إليها، ولا يُخفي أن الجانب المادي أيضاً له أهميته، فهو يرى أن كثير من الصحافيين والإعلاميين السعوديين لا يتوافر لديهم حافز مادي يجعلهم يتفرغون للعمل الإعلامي في شكل كامل. وحزم المُعدّ الرياضي في قناة العربية عبدالله الدرويش حقائبه باتجاه دبي، رغبة منه في الانضمام إلى طاقم قناة لها جماهيريتها، كما أنه أراد إلى حد ما الهروب من الارتباطات الاجتماعية، معتبراً الفارق في العمل الإعلامي لا يرتبط بالبلد، وإنما بالمؤسسة الإعلامية وما تهيئه لموظفيها. ويضيف:"ربما يكون اسم القناة وحده كافياً للانتقال، علماً أنني أؤمن أن الفارق العملي ليس له علاقة بالمكان، وإنما بالمؤسسة الإعلامية ذاتها، سواء داخل أو خارج السعودية، ولكن يمكن القول أن العمل الخارجي نظراً إلى ما يتيحه من احتكاك بالجنسيات والتجارب الأخرى، يسهم في توسع الأفق الإعلامي ويفتح مجالات واسعة للتميّز ويجعل التركيز منصبّاً على العمل، وفي السعودية تفكر بعملك وأسرتك وأصدقائك، وتزور هذا وذاك". الرغبة في التغيير لا تكفي "هجرة"لم تكتمل... قطعتها الأسرة وبيئة العمل مثل فراشة تحب أن تتنقل بين الحقول بحثاً عن زهور ترتشف رحيقها، فعل صحافيون سعوديون فضّلوا الانتقال إلى خارج الحدود، بحثاً عمّا يشبع نهمهم لرحيق إعلام ربما لا يجدونه في بلدهم، فمنهم من ارتشف واستلذّ وبقي، ومنهم من لم يطل المكوث، فعاد من حيث أتى. ويبدو أن ظروف العمل المناسبة لم تكن حاضرة في قناة"فواصل"التي كانت تتخذ من الإمارات مقراً لها، الأمر الذي دفع الإعلامي أحمد الفهيد إلى وصف تجربته فيها ب"الفقيرة". ويقول المدير الحالي للقسم الرياضي في موقع"العربية نت":"بعد أن تركت العمل في صحيفة"شمس"التي كنت أعمل فيها مسؤولاً لتحرير الشؤون الرياضية، انتظرت أن تتوافر فرصة عمل أخرى في السعودية، لكن من دون جدوى، فأتى الغوث من سعوديين في الإمارات، عرضوا عليّ العمل في قناة"فواصل"الفضائية مديراً للبرامج، فقبلت وذهبت إلى هناك على عجل، لأجد نفسي فجأة مقدم برامج، كما أن إدارة القناة لا تدفع الرواتب الشهرية بانتظام، في الوقت الذي تركت فيه وراء ظهري أمّاً وزوجة وأطفالاً، فقررت العودة إلى السعودية، بعد أن وجدت عملاً في إحدى الجامعات الأهلية، رئيساً لقسم العلاقات العامة فيها بنصف الراتب الشهري الذي كنت أتقاضاه، ويمكن القول إنني خرجت من تجربتي في الإمارات بخفي حنين، والغالب أنني خرجت بخف واحد وليس الاثنين". ويجد أن تجربته"المريرة والفقيرة"ليست مقياساً للحكم على البيئة الخارجية، إلا أنه لم يخف إمكان عودته مجدداً للإمارات في حال وجد فرصة مناسبة، نظراً إلى كونه يرى أن العمل الإعلامي في السعودية حالياً"يصيب بالمرض ويأكل الأعصاب، ويسلب الحياة الخاصة، ثم يرمي الإعلامي في حاوية النسيان، متى فرغ منه". وأشار إلى أن عمله في"فواصل"لا يعكس العمل داخل الإمارات بأكملها، باعتبار أن تلك المؤسسة - كما يقول - كانت ناشئة وغير محترفة، لافتاً إلى أن في المقابل هناك تجارب إعلامية سعودية كثيرة، انعشتها البيئة الإماراتية، وساعدتها وأسعدتها. ويضيف:"الفوضى، واحتقار الأنظمة، والقفز على البديهيات، وجدتها في القناة التي عملت بها، وهذه أمور لا تحدث غالباً في الإمارات، لكنها تحدث غالباً في السعودية، وبين الغالبين والقالبين، اخترت ألا أكون الخاسر الأكبر، فالخسارة على أرضك أهون أحياناً من الخسارة خارجها، على الأقل ستجد من يساويك في الهزيمة، ومن يواسيك عليها، فتلك التجربة كنت مكرهاً عليها، وحالياً لو أتيح لي أن أذهب إلى الإمارات سأذهب، ربما لأذوق طعم الكعكة الشهية التي يتحدث أصدقائي الإعلاميون عنها، فقد سئمت رز الصحافة السعودية". وقادت الرغبة في التغيير الكاتب الصحافي عبدالله ناصر العتيبي إلى العمل في صحيفة"الاتحاد"الإماراتية من عام 2008 حتى 2010، فهو يتمسك بضرورة عدم البقاء في الوظيفة لمدة تزيد على أربعة أعوام، بحيث يتعلم في العام الأول، وفي الثاني يطبّق ما تعلّمه، والثالث يعمل على الابتكار، أما الرابع فتبدأ الإصابة بالملل. ويضيف:"أنا أراهن دائماً على العامين الثاني والثالث من العمل، وأبحث بعد الرابع عن تحديات جديدة، وعندما أتاني العرض من صحيفة"الاتحاد"للعمل فيها مشرفاً على تحرير ملحق دنيا الاتحاد، لم أتردد لحظة واحدة، لأنني محب للإمارات وأهلها، وأعرف أنهم يعتبرون السعوديين مواطنين من الدرجة الأولى، على رغم أن بيئة العمل الصحافي هناك لا تختلف كثيراً عمّا هي عليه هنا، فأجواء العمل الصحافي في دول الخليج العربي واحدة تقريباً، إذا ما استثنينا الكويت التي يجد فيها الصحافي حريّة أكبر للتعبير، وإن كانت الصحافة الإماراتية أكثر التزاماً بالشكل الفني من الصحافة السعودية، لكنها أقل دخولاً للمناطق المهمّشة والمظلمة للعمل الإعلامي". ويرى العتيبي أن البيئة الإعلامية المحلية في السعودية والإمارات، يُعتبر فيها الصحافي موظفاً شبه حكومي، ما يحدّ من تحرّر العمل الإعلامي من تقاليد الحكومة وقيودها. وحول اختياره العمل في الإمارات يقول:"كنت أبحث عن الراتب الجيّد، والبيئة المتنوعة والمزدهرة، وأسلوب الحياة الذي أفضّله بشكل عام، وأظن أن المال هو الذي يحرّك الكثيرين، مع عدم إغفال شهوة التجربة والبحث عن الذات وإثباتها خارج حدود الوطن"، مبيّناً أنه عاد إلى السعودية لأسباب عائلية، لكنه لا يزال يحمل للتجربة الخارجية ونتائجها حنيناً كبيراً على حد قوله. في وسائل ممولة سعودياً ... يبحثون عن"البقاء"لا"القيادة" يحاول إعلاميون سعوديون جاهدين العمل على تطوير مهاراتهم وأدواتهم الصحافية والإعلامية في مختلف المجالات. كثيرٌ منهم وصلوا إلى مناصب قيادية في مؤسسات إعلامية مموّلة برؤوس أموال سعودية، لكن هذه الكثرة تصل إلى مناصب قيادية يشرف عليها إعلاميون عرب، يجعلون أحلام قيادة هذه المؤسسات وردية اللون، صعبة المنال والتنفيذ، حتى تزول عقلية قديمة سيطرت على المموّلين السعوديين لهذه الوسائل، مفادها أن"مصر ولبنان هما الإعلام الحقيقي". قناة"العربية"يديرها عبدالرحمن الراشد، لكن القيادات الأساسية تحت الراشد ليست سعودية، في الوقت الذي يعتبر فيه رأسمال"العربية"سعودياً خالصاً، وهذا ما ينطبق على مجموعة"روتانا"كذلك، وتحديداً قنوات"روتانا"التي يقودها الإعلامي السعودي تركي الشبانة، لكن مكاتب القناة المتمددة في أرجاء العالم العربي لا يقودها سعوديون، بل إن بعضهم يعملون متعاقدين مع شركات إنتاج مختلفة. في دبي، عشرات الإعلاميين السعوديين، وسابقاً في بيروتوالقاهرة، ومعظم هؤلاء يعملون محرري أخبار، ومراسلين، ومعدي برامج، ومذيعين، يعملون في المهنة ويخرجون منها إلى مهن مشابهة، فمذيع النشرة الصباحية تتم ترقيته لنشرة أخرى، ومحرر البرامج يصبح محرر أخبار والعكس، وتبقى الوظائف القيادية لغير السعوديين. كثير من السعوديين العاملين في مؤسسات إعلامية كبرى مموّلة برؤوس أموال سعودية يتحدثون بشكل مباشر أو غير مباشر في كثير من الأوقات عن صراع طبقي عربي - سعودي في تلك الوسائل، ونظرة دونية للشباب السعودي تنطلق من أنهم غير قادرين على النجاح والإبداع في الأماكن التي يقودها ويديرها عرب. يغادر السعودي بلاده، وهو يحمل زوادة الأحلام، والوظيفة، والبروز الإعلامي بما يليق بمستوى الوسيلة التي سيعمل بها، ويغادرها في بعض الأحيان محمّلاً بزاد من الهم والإحباط، بسبب ما يصفه البعض بتمييز في الزيادات المالية، وفي ما يتعلّق بإعطاء كل ذي حق حقه. مدير القناة هو من يتيح للسعوديين الحصول على فرصة تقديم نشرة الأخبار أو تقديم برنامج تلفزيوني، وكذلك مدير الإذاعة أو رئيس التحرير، كل أولئك يقومون بحماية أبناء وطنهم في مقار عمل محفوفة بمخاطرة المنافسة، منافسة الأقدمية في خوض التجربة الإعلامية، التي كسرها الشباب السعودي الطامح، حتى أصبحوا ينافسون أقرانهم العرب عدداً، لكن آمالهم في الحصول على مناصب قيادية أفضل وأقوى لا تزال في هيئة الحلم. السعوديات لهن النصيب الأقل من المناصب القيادية، لكنهن ينافسن بقوة في الإعلام المرئي مثلاً، فمذيعة قناة"العربية"سارة الدندراوي تحوّلت من مذيعة برنامج طبي إلى مذيعة رئيسة في"صباح العربية"، وهو أحد البرامج اليومية، وقبلها كانت ولا تزال المذيعة نادين البدير تتصدر الظهور النسائي السعودي في قنوات"روتانا"بعد أن كانت في قناة"الحرّة". ربما يكون من المعروف أن الصحافي لا يبحث عن المناصب، لكنه يتدرج في العمل حتى يتولى مهمات قيادية، لكن كل هذا يختلف حين يكون هذا الصحافي سعودي الجنسية في وسائل مموّلة برؤوس أموال سعودية، فهو يهتم أولاً بالحصول على وظيفة، وبعد ذلك يحارب للحفاظ عليها.