سألني رجل سوداني قَدِم لتوه للعمل في الرياض سؤالاً مفاجئاً، أين توجد شلالات نياغارا؟ فتلعثمتُ في بادئ الأمر وبادرته بسؤال بدلاً من الرد، لماذا هذا السؤال؟ قال: كنتُ أقود يوماً زورقاً استأجره أحد السياح العرب في رحلة إلى شلال"السبلوقة"وسط السودان، وبينما كان الرجل يستمتع هو ورفاقه بإبحار الزورق على الشلال قال أحدهم لصاحبه: شلال"السبلوقة"ولا شلالات نياغارا؟ فعلق في ذهني الاسم وودت أن أعرف السر الذي جعل الرجل يقارن بين الشلالين. فقلت له"الحين"أرد على سؤالك: شلالات نياغارا تقع على النهر الذي أخذت منه هذا الاسم على الحدود الفاصلة بين الولاياتالمتحدة الأميركية وكندا، وسأخبرك عنها لاحقاً بشيء من التفصيل، ولكن دعني أعقد لك مقارنة"بسيطة"بين شلال"السبلوقة"وشلالات"نياغارا". إذا أخذنا الجغرافيا في الحسبان، فإن شلال"السبلوقة"، أو كما يحلو للبعض تسميته ب"الشلال السادس"، هو سادس شلالات نهر النيل خمسة منها في السودان، والأول هو شلال أسوان في مصر، ولا تبعد المنطقة كثيراً من الخرطوم 80 كيلو متراً في اتجاه الشمال، كما أنها لا يفصلها عن ميناء بور تسودان ثغر السودان، المقابل لميناء جدة من الشط الغربي من البحر الأحمر، سوى 600 كيلو متر، والطريق بينهما معبد آمن. يتوسط الشلال منطقة سياحية تزخر بعشرات الجُزر النيلية، وتحفها الجبال والمرتفعات والمساحات الخضراء التي تزيد الموقع روعة وجمالاً. وللمقارنة بين المسافات، تبعد منطقة"السبلوقة"عن مدينة جدة عروس البحر الأحمر نحو 1200 كيلومتر، وهي المسافة ذاتها التي تفصل جدة عن العاصمة"الرياض"تقريباً. إذا سألنا التاريخ عن المنطقة، فنجد موقع"الموسوعة الشاملة"الإسفيري يحكي لنا شيئاً من آراء البروفيسور عبدالله الطيب حائز على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي، توفي 2003، التي أرجع فيها قصة المثل الشعبي"سنة حفروا البحر"إلى شلال"السبلوقة"، بقوله:"إن الجيولوجيين يقولون إن النيل كان ينتهي في الزمان القديم عند خانق "السبلوقة"، الشلال السادس، بينما تقول الأسطورة إن بعض ملوك السودان الأقدمين أمر رعيته بأن ينقبوا الشلال السادس، حتى ينساب الماء كي يروي الأراضي الصحراوية القاحلة شمالاً، فجعل الناس من بعد يؤرخون بذكرى ذلك العمل التسخيري القاسي". دعنا نأخذ مقارنة أخرى، شلال السبلوقة"يخنق"ماءً عذباً ينساب به نهر النيل"سليل الفراديس"، كما قال الشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير:"أنت يا نيل يا سليل الفراديس نَبيلٌ مُوَفقٌ في مَسابك"، ويؤمها السياح من داخل السودان والوطن العربي وخارجه على مدار الفصول الأربعة. كما اتخذتها البعثات الديبلوماسية"المقيمة في السودان"وجهةً لها في أيام العطلات والأعياد، ليستمتعوا فيها بالرحلات النيلية، وصيد السمك النيلي، وهي لا تبعد كثيراً من مواقع الصيد البري،"صيد الطيور والغزلان"، الذي يعشقه محبو الصيد والسياحة. أما شلالات نياغارا، فهي بحسب موسوعة"ويكيبيديا"،"تقع بين مدينة نياغارا في ولاية نيويورك الأميركية، ومدينة نياغارا في مقاطعة اونتاريو الكندية، وتتألف من شلالين، الأشخر وهو شلال هورس شو حدوة الفرس على الجانب الكندي والشلالات الأميركية، ويفصل بينهما جزيرة غوت الماعز، وهناك شلال صغير على الجانب الأميركي يُسمى شلال برايدال فايل طرحة العروس بجانب جزيرة لونا"، والحديث مبسوط عنها في المواقع الإسفيرية. ويمكن لمحب السياحة في الوطن العربي أو أوروبا أن يقيس البون"الزماني والمكاني"الذي يقطعه حتى يصل إلى"أميركا"وما يدفعه من عملة"صعبة"مقابل سفره براً وبحراً وجواً حتى يصل إلى شلالات نياغارا، ويقارن ذلك مع ما يدفعه مقابل السفر والعودة من شلال"السبلوقة""السوداني"، سيجد البون شاسعاً. وفوق ذلك فإن منطقة شلال"السبلوقة"لا تزال تتفاخر بجمال"بداوتها"الطبيعي، الذي قال عنه المتنبي:"حُسْنَ الحِضارةِ مَجلُوبٌ بِتَطْرِيٍة ... وفي البِداوةِ حُسْنٌ غَيرُ مَجلُوب"، وهي تبسط كفيها إلى مستثمر طموح يحيلها إلى منتجع سياحي بمواصفات عالمية، ولا يحتاج المشروع منه إلى مال كثير، أو خبراء عباقرة، إنما يحتاج إلى لمسات من يد فنان يضيف لقسمات الطبيعة، التي أبدعها الخالق، رتوشاً لا تفسد روعة جمالها الطبيعي. عبدالرحمن الجيلي [email protected]