اتسمت المناظرة التلفزيونية بين المتنافسين على ترشيح الحزب الاشتراكي الفرنسي لانتخابات الرئاسة في الربيع المقبل، مارتين أوبري و فرانسوا هولاند، بالهدوء واللباقة لكنها لم تحل دون إبراز كل منهما المواقف التي تميز كلاً منهما عن الأخر. وحققت المناظرة هدفها إذ أتاحت لكل من أوبري وهولاند شرح مواقفهما من القضايا التي تهم الفرنسيين بوضوح ودقة ومن دون السقوط في المهاترات والتناحر الذي غالباً ما يواكب هذا النوع من المناظرات. وكانت الأجواء ذاتها خيمت على المناظرتين اللتين سبقتا الدورة الأولى من الانتخابات الأولية في الحزب الاشتراكي (الأحد الماضي) والتي شارك فيهما 6 متنافسين على ترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة. وأسفرت نتائج الدورة الأولى عن حلول هولاند في المرتبة الأولى مع 39 في المئة من الأصوات وحلول أوبري في المرتبة الثانية مع 30 في المئة، ما حتم تنظيم دورة انتخابية ثانية الأحد المقبل. وأبدى المتنافسون في المناظرات المختلفة مقداراً كبيراً من الإدراك من خلال تركيز كل منهما على ميزاته الشخصية والسياسية من دون السقوط في فخ تهشيم الآخر، انطلاقاً من كون الانتخابات الأولية محطة فرعية على طريق الهدف الذي حدده الحزب الاشتراكي وهو إلحاق الهزيمة بالرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. وبالتالي لم يغب عن أذهان هؤلاء أن تنافسهم لا يمكن أن يغلب على انتمائهم لحزب واحد وعلى ضرورة توحدهم وراء المرشح الاشتراكي الذي يختاره الناخبون في إطار حملة انتخابات الرئاسية المقبلة. لكن هذا لم يحل دون أن يتبادل كل من هولاند وأوبري خلال مناظرتهما ضربات مبطنة تظهر نقاط الضعف التي يعاني منها الأخر ولم يمنع أوبري من إبداء مقدار من المكر لدى توجهها إلى منافسها في حين تعمد الأخير إبداء بعض التعالي في رده على هذا السلوك معتبراً أن هذا ما من شأنه ترسيخ موقعه كمرشح محتمل للرئاسة المقبلة. محاور المناظرة وعلى امتداد المحاور المختلفة التي تناولتها المناظرة وشملت الأزمة الاقتصادية والضرائب ونظام التقاعد والمواضيع التربوية والقضايا الأوروبية، حرصت أوبري على التركيز على المناصب الوزارية التي شغلتها بخلاف هولاند والخبرة التي راكمتها في المجالات المختلفة والتي أتاحت لها أن تكون على احتكاك مباشر بالمواطنين والنقابات ونظرائها في الدول الأوروبية الأخرى. وحرصت على تمييز نفسها عن هولاند بوصفه ممثلاً ل "اليسار المائع" واتهامه باعتماد مواقف مبهمة حول العديد من القضايا الأساسية بقصد جذب المستائين من أداء الحكم الحالي من دون أن يكونوا بالضرورة متعاطفين مع الحزب الاشتراكي. وبخلاف الأسلوب المباشر الذي التزمته أوبري اعتمد هولاند أسلوباً ملتوياً للرد على هجمات منافسته فأكد أن ما يريده هو يسار متين ويحظى بصدقية، موحياً أن ما تتعهد به منافسته سواء على صعيد خفض العجز في الموازنة أو تعزيز التعليم الرسمي أو إصلاح نظام الضرائب يفتقر إلى الواقعية. وبدا خلال المناظرة أن أوبري كانت تتحدث إلى الاشتراكيين أولاً واليساريين عموماً وأنها تسعى إلى بعث الثقة مجدداً بالقيم اليسارية، في حين أن هولاند أراد أن يكون كلامه ومواقفه موجهة إلى جمهور أوسع من الاشتراكيين واليساريين. وسبق المناظرة إعلان المرشحة السابقة للرئاسة وشريكة حياة هولاند السابقة سيغولين رويال عن تأييدها له مثلها مثل مانوييل فالز وجان ميشال بايلييه. وكانت رويال حصلت في انتخابات الأحد الماضي على 6 في المئة من الأصوات وفالز على 5 في المئة و بايلييه على 0.6 في المئة، فيما حصل أرنو مونتبور الذي حل في المرتبة الثالثة على 17 في المئة من الأصوات تجعله كفيلاً بترجيح كفة أحد المرشحين على الآخر. لكن مونتبور أعلن امس أنه لن يعطي أي توجيه محدد لمؤيديه للأدلاء بأصواتهم الأحد المقبل لا لمصلحة أوبري ولا هولاند تاركاً لهم أمر الاختيار.