مع إقرار موازنة هذا العام، يتوالى الصرف بسخاء على المشاريع في المملكة، خصوصاً مشاريع البُنى التحتية والمشاريع الخدمية، مئات البلايين صرفت ومن المتوقع صرف بضع مئات أخرى في السنوات القليلة المقبلة على التطوير وتنمية مناطق المملكة بشكل متوازن يسهم في الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. قد يتساءل الكثير عن سبب إخفاق المشاريع، ونتحدث هنا عن نوعين من الإخفاق، الأول: عدم اكتمال المشروع، والثاني: اكتمال المشروع، ولكن بجودة ما بين سيئة إلى متوسطة في معظم الأحيان، ما الأسباب التي تقف وراء ذلك، وما العواقب المتوقعة؟ الصورة النمطية عن شركات المقاولات في معظم مناطق المملكة الأقل نمواً، هي مواطن سعودي غالباً لا يفقه في المشاريع"يستنفع"من المناقصات الحكومية مع شريك غالباً من جنسية عربية، ومجموعة عمالة آسيوية، معظمهم متخلف عن نظام الإقامة والعمل، هذه التركيبة أوجدت نوعية مشاريع لن ترقى إلى الاستدامة واستنزفت موازنات ضخمة وستستنزف الموازنات المقبلة. خذ مثلاً موازنة المديرية العامة للمياه في إحدى المناطق الأقل نمواً، التي تبلغ تقريباً 750 مليون ريال لهذا العام، أي تقريباً 200 مليون دولار أميركي، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك كيانات تستطيع تنفيذ مشاريع بهذه المبالغ في هذه المنطقة؟ ما التقنيات التي تملكها هذه الشركات لمواجهة الصعوبات الجغرافية والبيئية لإكمال هذه المشاريع، بل هل تعي هذه الشركات ماذا يعني مصطلح"المباني الخضراء"؟ وقس على ذلك معظم مناطق المملكة. إن حماستنا لاستغلال أموال النفط لتنمية البلاد يجب أن تكون مدروسة ومعتمدة على ماهية المشاريع التي تحتاجها كل منطقة، والأهم هل هذه المناطق تملك الكيانات القادرة على تنفيذها أم لا؟ إذن ما الحل؟ الحل في رأيي يكمن في محاولة سد الفجوات التي نتجت بسبب الطفرات المالية التي عاشتها المملكة في السنوات الخمس الماضية، والمتوقع أن تستمر لمرحلة لاحقة، التي تكمن في سوء التخطيط لنوعية وحجم المشاريع لكل منطقة، مع الإسراع في دعم تحالفات محلية مسنودة بخبرات عالمية، وخلق جهاز من الدولة لمراقبة هذه الكيانات، والحرص على استمرارها على الأقل 30 عاماً مقبلة، ما سيسهم فعلياً في تدريب وتطوير كفاءات وطنية قادرة على إنجاز المشاريع بجودة عالمية. لا نحتاج لاختراع العجلة، فدولة مثل استراليا، التي تبلغ مساحتها تقريباً ثلاثة أضعاف المملكة، ويقل عدد سكانها تقريباً بخمسة ملايين نسمة عن عدد سكان المملكة، نجحت في خلق مشاريع مستدامة في مناطقها الست، فلا تكاد تحس بالفرق إن كنت تعيش في مدينة"أدليد"أو مدينة"سدني"من حيث طبيعة المشاريع والبُنى التحتية. لم يكن ذلك ليتحقق لدولة مثل استراليا لولا استقطابها لأهم الكيانات الأوروبية، خصوصاً الألمانية، وتشجيعها على الاستمرار داخل استراليا، بل ودعمها مادياً وتوطينها في جميع المناطق بالتساوي. مهمتنا في هذه المرحلة هي التأسيس لمشاريع تصمد لتنتفع منها الأجيال المقبلة، وليس لمشاريع تتهاوى قبل أن تكتمل. سالم محمد الشعيب - الرياض باحث في إدارة المشاريع المستدامة