في الوقت الذي شهد فيه الاقتصاد العالمي تحولات حادة من أزمة مالية عالمية وتطورات تلت ذلك مما زاد من دور الاقتصادات الناشئة في سياق عالمي.. وقد تسارعت هذه التحولات الاقتصادية الكبرى بالفعل وعلى الرغم من أن آفاق الاقتصاد العالمي هي أكثر إيجابية مما كانت عليه العام الماضي، بدأت بإبطاء النمو في العديد من الاقتصادات الناشئة، والاقتصادات المتقدمة في أوروبا وأماكن أخرى. يظهر الفارق الضخم فيما تحرزه مملكتنا من تقدم فقد جاءت في «الأربع الُأول» استقرارا وتقدما ماليا في موازنة الاقتصاد على مستوى العالم خلال تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» الذي لعب دورا لأكثر من ثلاثة عقود في تسهيل هذه العملية من خلال توفير التقييمات التفصيلية للقدرات الإنتاجية الكامنة لدول العالم. وبرهن الملك الصالح هذا الاستقرار حين أقر مجلس الوزراء موازنة تاريخية جديدة للدولة لعام 2014، من دون تحقيق فائض أو عجز، وبإنفاق قدره 855 بليون ريال (228 بليون دولار)، وإيرادات بالقيمة ذاتها، ما يرفع الإنفاق المتوقع نحو 35 بليون ريال وبنسبة 4.27 في المئة، مقارنة بتوقعات موازنة العام المنصرم والبالغة 820 بليون ريال، فيما زادت إيرادات الموازنة الجديدة ب26 بليون ريال وبنسبة 3.17 في المئة. وتتجلى حكمة الملك عبدالله حفظه الله، حين أكد المضي قدما في استثمار الموارد التي منّ الله بها على هذه البلاد في موضعها الطبيعي والتوازن بين مناطق المملكة في التنمية والتطوير، مبينا أن موازنة 2014 دليل واضح على ما تشهده بلادنا من نهضة اقتصادية كبرى. وتتوافق أفكار خادم الحرمين الشريفين مع أطروحات خبراء «دافوس» حين شدد بقوله «إننا عاقدون العزم على مواصلة مسيرة التنمية المستدامة في بلادنا، لتأمين العيش الكريم للمواطنين جيلا بعد جيل، مشيرا إلى الحرص على الموازنة بين حاجات الجيل الحالي والأجيال المقبلة، والاستخدام الأمثل للموارد التي وهبها الله وطننا الغالي، وتكريس سيادة النظام وتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب.. ولاحظ أيده الله أن العبرة ليست في أرقام الموازنة، بل في ما تجسده على أرض الواقع من مشاريع وخدمات نوعية ينمو بها الوطن وينعم بها المواطن». ورجوعا لتقرير «دافوس» نجده يسهم في فهم العوامل الرئيسية التي تحدد النمو الاقتصادي ويساعد على تفسير السبب في أن بعض البلدان هي أكثر نجاحا من غيرها في زيادة مستويات الدخل، وتوفير فرص للسكان بكل منها، ويقدم لصناع السياسات وقادة الأعمال أداة مهمة لصياغة سياسات اقتصادية محسنة وإصلاحات مؤسسية للمضي قدما، والاعتراف على نحو متزايد بأهمية النوعية والجوانب الكمية للنمو، ودمج مفاهيم «الاستدامة الاجتماعية والبيئية» في صنع القرارات الاقتصادية للمضي قدما في التفكير حول هذه القضايا. وأراد المنتدى الاقتصادي العالمي بهذه الجهود من خلال جمع وتقييم الممارسات بين القطاعين العام والخاص التي أثبتت فائدتها في زيادة القدرة التنافسية في البلدان في جميع أنحاء العالم.. ومن خلال التقرير يمكننا تقييم القدرة التنافسية للبلاد مرة واحدة تؤخذ قضايا الاستدامة الاجتماعية والبيئية في الاعتبار. وما يبشر بالخير ما تؤكده الملامح الرئيسة للموازنة الجديدة من أهمية تعزيز مسيرة التنمية وتشجيع البيئة الاستثمارية التي من شأنها إيجاد فرص العمل للمواطنين، ودفع عجلة النمو الاقتصادي، إذ استمر التركيز في الموازنة على المشاريع التنموية لقطاعات التعليم والصحة والخدمات الصحية والاجتماعية والبلدية والمياه والصرف الصحي والطرق والتعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي، كما تواصلت عملية إطفاء الدين ليصل إلى أقل مستوى له.. فهنيئا لنا بقيادتنا الحكيمة.