المكتوب مذعور من المرئي الذي يعد «خطة هجوم» على الشبكة العنكبوتية لاقتطاع حصة له. ظهرت في ألمانيا أخيراً بوادر صراع بين القناتين الألمانيتين التابعتين للقطاع العام ARD وZDF من جهة، والقطاع الصحافي الخاص في البلاد من جهة أخرى، وذلك حول حق القناتين الضخمتين في تطوير موقعيهما الالكترونيين ليصبحا أشبه بصحيفتين الكترونيتين تغطيان كل أوجه الحياة اليومية. والدافع الأول إلى هذا الصراع ما تعانيه الصحف اليومية والمجلات الدورية الألمانية منذ سنوات من منافسة شرسة من جانب وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، خصوصاً من الإمكانات غير المحدودة التي يقدمها الانترنت. وإثر اضطرار الصحف والمجلات في ألمانيا وغيرها، إلى فتح مواقع الكترونية لتقديم خدمة إعلامية مجانية للحفاظ على قرائها، ما أدى إلى تراجع مستمر في اشتراكات القراء، دبَّ الهلع لدى مسؤولي مجالس إدارات كبريات الصحف والمجلات الألمانية لمعرفتهم بالقوة المالية التي تتمتع بها القناتان الألمانيتان المستقلتان. والواقع أن قانون البث يسمح ل ARD وZDF بتحصيل ضرائب من المواطنين تصل إلى 7 بلايين يورو سنوياً، فيما يُمنع ذلك على القنوات الخاصة، مع فارق يتمثل في عدم السماح للقناتين ببث إعلانات إلا في صورة محدودة جداً. لكن دخل السبعة بلايين يورو يمكّنهما طبعاً من تقديم ليس فقط أفضل البرامج والمسلسلات والأفلام، بل وباقتطاع الحصة الكبرى من السوق الإعلامية في البلاد أيضاً، تصل نسبتها إلى 80 في المئة. ومنذ إعلان المدير العام للقناة الأولى فريتس رافّ ونظيره في القناة الثانية ماركوس شيشتر العام الماضي أن «الانترنت هي للجميع» أدرك من لا يستغلها متحجر «يصلح للمتحف فقط»، فهم العاملون في الصحافة أن المقصود ليس الاكتفاء بعرض القناتين العامتين خدمة إعلامية في موقعيهما الالكترونيين حول برامجهما ومشاريعهما الحالية والمستقبلية، وإنما بممارسة العمل الصحافي اليومي فيهما مع استخدام كل ما توفره تقنيات الاستماع الإذاعي والتلفزيوني إلى جانب النص. وقال رافّ: «إن لم يفعل المرء ذلك يبقى سجين التقنية الإعلامية للقرون الوسطى». ويريد المسؤولان الكبيران بحسب مجلة «دير شبيغل» الأسبوعية، «إصدار صحيفتين الكترونيتين بأموال الضرائب العامة». ورأت المجلة أن «من الطبيعي أن يتنادى ناشرو الصحف الألمان بصوت عال لمواجهة هذه الخطة إثر تحققهم من الخطر الذي يهدد مشاريعهم في الانترنت». ويبدو أن تخوف الناشرين في محله، لأنهم يلاحظون أيضاً، بقلق، الأوضاع التي وصلت إليها الصحف الأميركية التي تواجه حالياً أزمة خانقة ويعتقدون أن خلاصهم من مصير مماثل يكمن في تجربة حظوظهم في الانترنت. ولا يشك أحد منهم في أنه إذا استخدمت القناتان جزءاً يسيراً من دخليهما السنوي تتمكنان بسهولة من فرض سطوتهما على السوق الالكترونية في البلاد. من هنا الجهد الذي يبذله الناشرون الألمان بدعم من القطاع التلفزيوني الخاص، غير القادر بدوره على منافسة القناتين الضخمتين، بغية إدخال تعديل على قانون تنظيم البث في البلاد يمنعهما من إصدار صحيفتين الكترونيتين. وتمكن لوبي الصحافة العام الماضي، من إدخال مثل هذا النص على مشروع تعديل للقانون هو قيد الإعداد، لكن لوبي القناتين المستقلتين سارع إلى إحباط المحاولة. وفي محاولة لتبرير مشروعهما، لجأت قناة ARD إلى ترويج فكرة الصحافة الالكترونية أوروبياً، فأرسلت رسالة إلى المفوضية الأوروبية العليا في بروكسيل حضتها فيها على العمل من أجل تقوية مواقع القطاع التلفزيوني العام في الانترنت، وذلك «لمتابعة دوره في نشر الديموقراطية والتضامن الاجتماعي والتعليم والثقافة»، مشيرة إلى أن الدافع يكمن في أن القطاع الخاص «ينسحب عملياً من مسؤولياته الاجتماعية بسبب مصالحه الاقتصادية الخاصة التي يسيرها عامل الربح أولاً فيقدم برامج من دون مستوى ثقافي أو اجتماعي مقبول».