تطل علينا هذه الأيام ذكرى عطرة لقائد وهب نفسه لبلده وأمته، فعرفناه بالأفعال لا بالأقوال، تعرفنا على التقوى والورع والنقاء في أعماله وخصاله، عايشنا فيه العدل بين أفراد شعبه، شهدنا قربه منهم ذو بصيرة نافذة، واسع الأفق، مستشرفاً آفاق المستقبل، تحدثت عنه وسائل الإعلام المسموعة منها والمرئية والمقروءة، فنقلت عنه الحكمة والبعد السياسي والحنكة والتمسك بتعاليم دينه التي لا ينفصم عنها، وأخذت عنه الثبات على الرأي حتى لمن ضمر له السوء والعداء وعمل على زعزعة أمن بلده، وعلى رغم ذلك فعند وقوع أي عدوان على أي قطر عربي أو إسلامي نجده، يرحمه الله، أول من يهب للدفاع عن تلك الأقطار، ويجند نفسه وإمكانات بلده المتوافرة للدفاع عن قضايا الأمة، وما أدل على ذلك هو مساعدته للمسلمين في الفيليبين وكشمير، ووقوفه في وجه العدوان الصهيوني على الدول والشعوب والمقدسات العربية والإسلامية، فكانت لها الأولوية على قضايا دولته، حتى وإن أضرت بمصلحة بلده، لأن ديدنه مصلحة الأمتين العربية والإسلامية كما كان والده وأشقاؤه وما زالوا. في ال 16 من شهر ذي القعدة عام 1383ه، وبناء على رأي العلماء، ونظراً لما يتمتع الفيصل بمحبة بين أفراد الشعب، أصبح الفيصل نائباً للملك وأسندت له الكثير من السلطات. ولاضطلاع الفيصل بالكثير من المهام فقد رأس وفد المملكة لمؤتمر القمة العربي الثاني، الذي عُقد في مدينة الإسكندرية بتاريخ 5 أيلول سبتمبر عام 1964، وقد لعب دوراً كبيراً ومؤثراً في نجاح المؤتمر وخدمة قضايا الأمة من خلال سموه فوق الخلافات التي كانت تعرقل الأمة العربية وبذل جهوداً مضنية لإزالة حال الجفاء بين الزعماء العرب لتتوحد كلمة العرب، وفي العام نفسه رأس الفيصل وفد المملكة لمؤتمر قمة عدم الانحياز، الذي عُقد في القاهرة، الذي قدم فيه للعالم مخططاً للسلام الدولي يكمن في ست نقاط: نزع السلاح، وتصفية الاستعمار، والقضاء على التفرقة العنصرية، وحل المنازعات بالطرق السلمية، وتأييد حق شعب فلسطين، ورفع مستوى الشعوب. فلو وجد هناك عالم يؤمن بالتعايش السلمي لتبنى ذلك المشروع ولحُلت جميع المشكلات العالمية في ذلك الحين، إلا أنه وللأسف انقسم العالم إلى معسكرين، ودارت رحى صراعات تكبد العالم فيها مئات الآلاف من القتلى وملايين الجرحى، التي كلفت دول العالم مئات الآلاف من البلايين. وفي ال 17 من جمادى الثانية عام 1384 تولى الملك فيصل الحكم بعد مبايعته في الرياض، ثم طاف على مدن مملكته التي استقبلته بشغف وحب تعبر عما تكنه قلوب مواطنيها له، فقد عرفته قريباً منه فبادلته حباً بحب، وبعد عام، تبنى، رحمه الله، الدعوة إلى التضامن الإسلامي. ومع امتداد الجرائم الصهيونية، فقد قامت مجموعة مجرمة من اليهود، هزت دول العالم كافة لبشاعتها وهمجيتها، بإحراق المسجد الأقصى في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل عدم مسؤوليتها عن تلك الجريمة، على رغم وقوعها تحت سمعها وبصرها، الأمر الذي ألهب المشاعر الإسلامية فثارت نفوس العرب والمسلمين تجاه ذلك العمل الجبان، وكان الفيصل كعادته على رأس من دعا للوقوف في وجه الصلف الصهيوني المتعنت، وطالبهم بتكاثف الجهود واتحاد القوى الإسلامية، لأن ذلك هو الطريق الوحيد لاسترداد مقدساتنا، وكان الفيصل، يرحمه الله، ألقى خطاباً سياسياً أمام رؤساء بعثات الحج في عام 1388ه دعا فيه إلى وجوب تخليص القدس من الدنس الصهيوني، فكانت دعوته، يرحمه الله، مدوية بأن دعا إلى الجهاد لتحرير القدس، وتمنى أن يكون مع الشهداء في سبيل الله، واستجاب الله لأمنيته، فقال الفيصل"القدس يستغيث بكم لتنقذوه من محنته وبلائه، فإلى متى ننتظر وحرماتنا تنتهك"، لم يدع الفيصل لتحرير الحقوق المغتصبة إلا وسلكه. وقد سعى بكل ما أوتي من قوة وبما تحلى به من حكمة في سبيل استرجاع الحقوق العربية المغتصبة. سامي محمد الشافعي - جدة [email protected]