ثمة - بلا ريب - إنجازات باهرة متوالية تحقق مقاصد الحج العظيمة، يشهدها العالم تتحقق وتتجدد كل عام"من توفير الأمن، وتيسير وسائل النقل الجوية والبحرية والبرية، وتنظيم المرور، والمحافظة على الحقوق الخاصة والعامة للحجاج، بما يضمن أداء الحجاج فريضتهم ونسكهم بكل يسر وسهولة، وتهيئة الخدمات كافة للحجيج منذ أن تطأ أقدامهم أرض المملكة العربية السعودية حتى مغادرتهم إلى بلدانهم سالمين.. كل تلك الإنجازات أضحت علامةً فارقةً على نبل الأداء وسلامته وكمالاته، في حدود ما تفرضه بشريةُ الأداء المكلَّل برعاية الله وتوفيقه، الذي أوجب الفريضة، ويسَّر لها سبلها، وقيَّض لها من عباده رجالاً مخلصين في أداء الواجب وخدمة الحجيج. لا غرو - إذاً - أن المناسبة تستوجب من المملكة - كل عام - استنفاراً وهمةً وجهداً وإعداداتٍ وترتيباتٍ واستحقاقات، تتضافر فيها كلُّ أجهزة الدولة ووزاراتها وبلدياتها ومؤسساتها وهيئاتها، سواء بسواء، وعلى الصعد الأمنية والصحية والدعوية والعمرانية والمرورية والخدمية كافة الأخرى...إنها مسؤوليةٌ شرفت بها المملكة، وأولتها كل ما لديها من طاقات، تجاوزت موسم الحج إلى ما قبله وما بعده.. مسؤوليةٌ شاملة مضطردة على مدار التاريخ كله "فقد أولاها الحق - تبارك وتعالى- شرف خدمة حجاج بيته الحرام، ومن ثم فهي تضطلع بمسؤوليتها أمام الله وأمام نفسها وأمام المسلمين كافة، وقد آلت على نفسها إلا أن تكون مثالاً للمروءة، وحسن الإدارة، والإعداد المدروس، والاستعداد الجيد. غير أنه - من المؤسف - في الوقت الذي تتفانى فيه المملكة في خدمة الحجيج، تترامى الأنباء تزفُّ نوايا الشر والإرهاب - كل عام - في تعكير صفو المناسبة المقدسة، بدلاً من أن تزفَّ ما هو مفترض من تعاون وإيجابية، وربما أنه قدر المملكة أن تقوم بواجباتها في الوقت الذي يتخلى فيه آخرون عن واجباتهم، متوجهين نحو غايات شيطانية غريبة، تصبُّ في خانة تعكير صفاء المناسبة الروحية، وزعزعة أمن الحجيج، وإفساد صورة الإسلام والمسلمين أمام العالم. إن مسؤوليتنا وواجبنا يحتمان علينا أن نقول هذا، ونحن نشير إلى رؤوس الإرهاب على اختلاف مصدره ومنشئه، ونحن نشير إلى من يتصرفون في هذه المناسبة الدينية، وبها، ومن خلالها، خارج سياق الدين، والفريضة، والأصول، والأخلاق، هؤلاء المهمومون بتهييج مشاعر الحجيج القادمين لأداء الفريضة، وإلهائهم عن الشعائر الدينية بالشعارات السياسية المسعورة، وتشجيعهم على إحداث الفوضى والاضطرابات، من دون مراعاة لقدسية الزمان والمكان، وكأنَّ موسم الحج موسم سنوي معتاد للهجوم، وبث الأباطيل، وخلط الأوراق، والرمي بالتهم جزافاً، وإرسال ملفات الحقد والغلِّ والكراهية تجاه المملكة وشعبها والقائمين على خدمة الحرمين الشريفين، وكأنَّ الحج مناسبة للشعوذة الدينية والدجل السياسي، أو لكأنه فريضة سياسية، والحجيج أدوات لتصدير الفتنة والإرهاب والتفرقة والعنف والكراهية، متناسين أن الحج عبادة لا سياسة، واتحاد لا فرقة، وتزكية روحية تنأى عن التردي نحو مستنقع الشعار السياسي والحزبي. إنه لأمر مؤسف أن تكون هذه هي توجهات نفرٍ ممن يُحسبون - أمام العالم - على الإسلام والمسلمين، وإنه لأمر مثير للاشمئزاز أن تأتي الدعوات إلى تفريق المسلمين وإشاعة الاضطرابات، في وقت تتجسَّد فيه وحدة المسلمين، وفي وقت يرفع الحجيج أكفهم إلى السماء مبتهلين بالدعاء بأن يوحِّد الله صفوف المسلمين، ويقويَ عزائمهم، ويرفع الشدائد عنهم وعن أمتهم. بإمكاننا - بكل ألم - استحضار المواقف والأحداث المؤسفة، التي حصلت بإيحاء صريح من السياسة، وبإمكاننا حصر الألاعيب والحسابات التي تتصور أن موسم الحج مناسبة لإرسال رسائل تنتهز المغزى الديني للحج وتحوله إلى مناسبة لإظهار مواقف حاقدة تجاه المملكة، ولعل منطق الإرهاب، أياً كان منشؤه - عن طريق دولة أو حزب أو منظمة- أضحى مكشوفاً"إذ تحركه الأهواء السياسية والأيديولوجية، ناهيك أنه منطق نقيضٌ لأي شرع ودين. كم يمعن هؤلاء في تعكير المعنى الروحي والحالة الإيمانية التي يعيشها المسلمون خلال أداء مناسك الحج، وإلى أي مدى هم تجار سياسية مكشوفة الأهداف والمرامي؟! في الوقت الذي لا تدخر فيه المملكة جهداً وبذلاً من أجل إتمام رسالتها المقدسة. ومهما يكن.. لقد شهد العالم على كفاية أجهزة الأمن في المملكة، وحسن إدارتها لموسم الحج وجموع الحجيج، وانتصاراتها المتلاحقة على مخططات الشر والإرهاب، ولم تكن جهود مؤسسات الدولة كافة سوى برهان توفيق الله ورعايته لهذه الأرض المباركة، التي ستبقى - كما عهدها المسلمون والعالم- مترفعةً عن كل الصغائر، التي تهدف إلى ثنيها عن التزاماتها الراسخة تجاه المسلمين جميعاً، ويقيناً أنها ستظل تتبنى سياسةً هادئةً وحكيمةً ومسؤولة في التعامل مع مثل هذه التوجهات"لأنها تعلم أن طالبي شراء الفتنة في الدين ليسوا أكثر من مزايدين في السياسة، يتحركون خارج السياق! عبدالله بن خميس سنكر - الرياض [email protected]