حذّر مصرفيون ومستشارون في البنوك الإسلامية من خطورة الثقة في تطبيقات المضاربة بسبب ما تتهم به المضاربة من"مخاطر الثقة"، أو ما يسمى في لغة المالية المخاطر الأخلاقية. وقالوا على هامش ندوة البركة المصرفية ال31 المنعقدة في مدينة جدة أول من أمس إنه على رغم أن صيغة المضاربة من الصيغ الرئيسية التي قام عليها عمل المصارف الإسلامية سواء في جانب تعبئة الموارد أم في مجال استعمال تلك الموارد، إلا أن نسبة استعمالها ظلت متدنية جداً مقارنة بصيغتي المرابحة والتورق. إذ كانت تمثل نسبة 2.8 إلى 3 في المئة من حجم التمويل الإسلامي في ثمانينات القرن الماضي، ثم وصلت إلى حدود 10 في المئة بداية الألفية الجديدة. وأوضح عضو المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب الدكتور العياشي فداد أن إحجام المصارف الإسلامية عن استخدام صيغة المضاربة كان في مقابل توسعها في الصيغ الأخرى وبخاصة المرابحة والتورق، مشيراً الى أن التورق يحتل المركز الأول في حجم التمويلات الإسلامية في السوق السعودية على سبيل المثال بنحو 183 بليون ريال وبنسبة تصل إلى 67 في المئة من إجمالي سوق التمويل الإسلامية في السعودية، فيما تقدر صيغة المرابحة التي تعد من أقدم صيغ التمويل الإسلامي بنحو 64 بليون ريال من إجمالي حجم التمويل في السوق السعودية، وهو ما يعادل نسبة 23 في المئة، وتستحوذ المرابحة والتورق معاً على ما نسبته 90 في المئة من إجمالي حجم السوق السعودية، وتتقاسم بقية الصيغ نسبة 10 في المئة من إجمالي التمويل الإسلامي في السوق السعودية. وأضاف العياشي أن المختصين يعللون بأن السبب في عدم التوسّع في استخدام صيغ التمويل الإسلامية الأخرى - غير المرابحة والتورق- يعود أساساً لسهولة الصيغتين في التطبيق العملي وتقبلهما من العاملين والمتعاملين. ولكن لعل من أهم الأسباب من وجهة نظر المصرفيين انخفاض مخاطر الصيغتين المرابحة والتورق مقارنة بالصيغ الأخرى. من جهة أخرى، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور محمد القري إن عقد المضاربة كان الأداة المالية الأساسية التي سهلت انتقال المدخرات إلى أغراض الاستثمار في المجتمعات الإسلامية إبان أوج حضارة المسلمين، ومن ثم نهضت بالوظيفة التي تقوم بها البنوك في العصر الحديث. ومن جهة أخرى فإن رواد المصرفية الإسلامية في العصر الحديث لم يكن يساورهم شك في أن التطبيق الذي يُخرج إلى النور محاسن النظام المالي الإسلامي في مجال الوساطة المالية يقوم على أساس عقد المضاربة، وأن المضاربة هي البديل الحقيقي للتمويل بالقرض الربوي الذي يعكس شخصية النظام الاقتصادي الإسلامي. وأوضح القري أن المضاربة عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الجانب الآخر. والمضارب وكيل في المال، فإذا حصل الربح فهو شريك فيه من دون رأس المال، ويظهر الربح بالتنضيض والقسمة، والربح زيادة على رأس المال فلا بد من سلامته أولاً. وليس لرب المال أن يتدخل في عمل المضارب لأن الخسران إذا وقع لم يكن للمضارب أن يحصل على شيء. والمضاربة من العقود الجائزة فلكل طرف أن يفسخه من دون إذن الآخر وليس على المضارب ضمان إلا في حال التعدي والتفريط، ولا سبيل إلى أن يتبوأ عقد المضاربة مكانه المناسب ضمن قائمة صيغ التمويل الإسلامية التي تعمل بها البنوك إلا بعلاج مخاطر الثقة حتى يصبح قابلاً للممارسة المصرفية. من جهة أخرى، أكد الشيخ يوسف القرضاوي أنه إذا استمرت المصارف الإسلامية على ما هي عليه الآن فلن تتطور ولا أمل منها ولا بد من ثورة على هذه الاتجاهات، وتمنى أن يظهر جيل أفضل من الجيل الذي قبله. وأشار الى عدم رضاه عن المصارف الإسلامية الحالية لأنها أصبحت أسيرة المرابحة، وقال:"حذّرت مسبقاً أن تكون المصارف الإسلامية أسيرة للمرابحة، إذ إن 90 في المئة منها فقط تختص بالمرابحة ولا توجد مضاربات أو مشاركات، والمرابحات قريبة من البنوك الربوية، ولا يوجد سوى بنك واحد لا يتعامل مع المرابحات وهو بنك التقوى في سويسرا ولكن للأسف البنك الآن انتهى. وحول النجاحات التي حققتها المصارف الإسلامية وتطبيق بعض الدول الغربية لها أوضح القرضاوي أن هناك جزءاً من المصارف الإسلامية نجح، ولكن هذا النجاح يحتاج إلى نجاحات أخرى وأن نحسن البدائل، إذ إن هناك بدائل إسلامية لما يجري في الغرب، ومن المفترض أن نبدأ في تطبيقها وألا نضيف للمصارف الإسلامية المساوئ الموجودة في الدول الغربية. وعتب القرضاوي على بعض الهيئات الشرعية ممن يسهلون في بعض الأمور وإيجاد الحيل والتوسع في الإباحة، وأشار الى أن هناك هيئة عليا للفتوى في البنوك الإسلامية قد عملت ولكن أوقفت ولم تستمر.