د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية زرت ماليزيا هذه الأيام من أجل المشاركة في مؤتمر في كوالالمبور متخصص في المعاملات المالية المعاصرة، وقد كان عنوانه "الابتكار في التمويل: قوى الشريعة، أو قوى السوق؟"، وقد تحدثت النسخة العربية من البحوث المعروضة فيه عن كل شيء إلا عن الابتكار في التمويل، ما عدا بحث واحد أو بحثين فقط، وأبرزهما بحث "الاستفادة من العُمْرَى والرُقْببى في المصارف الإسلامية وشركات التكافل والمحاكم الشرعية والأوقاف" للباحث عبد الله البزار، وقد ذكرني هذا بالمقولة التي قيلت في كتاب التفسير للفخر الرازي، حيث قيل عن كتابه: "فيه كل شيء إلا التفسير..!!"، وهذا وإن كان مبالغاً فيه، إلا أن روح هذه المقولة قد أضحت حقيقة في مؤتمر ماليزيا، الذي كان بتنظيم من أكاديمية isra، وبعد المشاركة في المؤتمر، واستعراض البحوث، ومناقشة الرؤى حول موضوع الابتكار في التمويل تبين الآتي: 1 - إن سوق البحوث الإسلامية تعاني شحا في ابتكار موضوعات التمويل. 2 - إن سوق المصارف الإسلامية تعاني شحا في ابتكار صيغ التمويل، والشح هنا تلام فيه الهيئات الشرعية لهذه المصارف أكثر من غيرها. 3 - إن صيغ التمويل في المصارف الإسلامية تعاني شحا في تطبيق أسلوب المشاركة، والمضاربة، ونحوها من صيغ التمويل الإسلامي، فمثلا صيغة المضاربة جاءت ضئيلة جداً في المصارف الإسلامية حسبما جاء في إحصائية منشورة في بحث: "التمويل المصرفي الإسلامي ما بين الحاجة إلى ابتكارات جديدة أو تفعيل ما هو موجود" للباحث عبد الواحد غردة، حيث كانت نسبة هذه الصيغة التمويلية في ثلاثة بنوك إسلامية على النحو الآتي: 1 - بنك إسلاميك ماليزيا (مي): 0.1 في المائة. 2 - بنك البركة البحريني: 3.33 في المائة. 3 - بنك دبي الإسلامي: 9.73 في المائة. وأما صيغة المشاركة، والمشاركة المتناقصة، فنجد النسب الآتية: 1 - بنك إسلاميك ماليزيا (مي): 1.24 في المائة. 2 - البنك الإسلامي الأردني: 1.54 في المائة. 3 - بنك البركة البحريني: 3.94 في المائة. 4 - بنك دبي الإسلامي: 18.76 في المائة. وأما صيغة الاستصناع، فنجد النسب الآتية: 1 - مصرف الراجحي: 0.61 في المائة. 2 - بنك دبي الإسلامي: 14.90 في المائة. والنسب - كما هو ملاحظ - تم استعراضها من خمسة بنوك فقط، وبالنظر للصيغة التي لها نصيب الأسد بين الصيغ نجدها في المصارف الإسلامية: صيغة المرابحة للآمر بالشراء، كما جاءت في الإحصائية المنشورة المشار إليها آنفا، وهي على النحو الآتي: 1 - بنك البركة البحريني: 83.71 في المائة. 2- البنك الإسلامي الأردني: 81.50 في المائة. 3 - بنك إسلاميك ماليزيا: 58.30 في المائة. 4 - مصرف الراجحي: 53.81 في المائة. (ويلاحظ أن النسبة في هذا المصرف شاملة للمرابحة وبيع التقسيط). 5 - بنك دبي الإسلامي: 35.96 في المائة. ويلاحظ أن بنك دبي الإسلامي هو الأقل نسبة في بيوع المرابحة، والأعلى نسبة في صيغ المضاربة والمشاركة، وهي حسنة تحسب للبنك، ولا شك. وعلى كل حال، فأي مؤتمر يحفز للعلوم والثقافة، فهو مما يحسب للدولة، كما يحسب لها أي تقدم علمي أو تقني أو حضاري، ونحن نتجول في ولايات هذه الدولة نشهد مجالات عظيمة في التقدم والبناء والتحضر المادي والإنساني، وقد زرت مكرها مستشفى Gleneagles في كوالالمبور، فهالني روعة بنائه، ومبلغ تقدمه الطبي، والتقني، ولا يلبث المريض في الطوارئ أن يمكث دقائق معدودة حتى يدخل على الطبيب، والعجيب أن الطوارئ في هذا المستشفى الضخم لا يحفل إلا بمرضى لا يتجاوزون عدد أصابع اليد في الساعة الواحدة..! ولا أدري ما السبب في ذلك، وربما كان من أسبابه: طبيعة جو البلد الرطب المعتدل، الذي انعكس إيجابا على صحة الماليزي، وبرودة طبعه، إضافة إلى ندرة حوادث السيارات، وقلة حوادث المضاربات التي لم نر منها مشهداً واحداً طيلة بقائنا في ماليزيا، بخلاف بعض أقسام الطوارئ التي توجد في بعض البلاد الصحراوية. والمثير في هذه الزيارة أنها لم تقتصر على الجانب العلمي، بل أضيف إليها جوانب أخرى، ومنها الجانب السياحي، فقد زرنا عدة ولايات ومدن، ومن أبرزها: ولاية سلانقور، وبيننج، والعاصمة كوالالمبور، وقد بدا لي كزائر أو سائح أنها دولة جميلة بخضرتها الممتدة في جميع نواحيها، حتى إنها كلوحة فنية بخضرتها، وروعة جمالها، إلا أن المؤسف أنها جمعت مع هذا الجمال بعضاً مما يشوه هذه الصورة الجميلة، وهي انجراف هذه البلاد الإسلامية لموجة التغريب التي اجتاحت عديدا من البلاد العربية والإسلامية وللأسف. وأسوأ من ذلك وجود عدد من المعابد الشركية، ومنها: 1 - معبد الهندوس في ولاية سلانقور. 2 - معبد البوذيين في ولاية بيننج. 3-معبد الثعابين في ولاية بيننج. ويستغرب في ظل هذه الحضارة المادية أن يوجد في هذه البلاد من يعبد حيوانا، أو يعبد ويقدس أحجاراً وأوثانا لا تنفع ولا تضر، وهذه المشاهد تذكر بعهود الجاهلية، التي يقدس فيها الجاهلي صنما أو وثنا، ويقدم له أنواع القرابين، وأول من يحفل بهذه القرابين هم خدامها، وهكذا التاريخ يعيد نفسه، فما كان لهذه المعابد في ماليزيا أن تبقى لولا وجود أشخاص يخدمونها؛ ليحصّلوا من ورائها أموالاً وقرابين، فيمعنون في خدمتها، وتعظيم بنائها، ليموهوا على زوارها ما لهذه الأوثان من حفاوة وتعظيم، فيغتر بذلك العوام، ويكون سبباً في تكرار الزيارة، والدعم لخدامها. إنه تخلف في عالم الحضارة، وشرك في بلد ينبغي أن يكون راعيا من رعاة التوحيد.