أحاول بهذا الطرح أن أتجنب السرد التاريخي للفنون التشكيلية والخط العربي، وأن اعرض من ناحية الفكر والطريقة والأسلوب والفلسفة التي قام عليها هذا الفن ووسائل تنفيذه ودوره الاجتماعي في عصر كانت فيها تجارب الفن الحديث لم تصل إلى العالم العربي. لقد برز في هذا المجال رواد كثر أثروا الحركة الفنية التشكيلية والخط العربي والزخرفة الإسلامية لارتباطه بالفكر الإسلامي والحياة في مختلف جوانبها وأنماطها، إذ قدم هذا الفن لمجتمعه أسلوباً ونظاماً في التشكيل والتلوين والنظرة إلى الكون وما فيه، أقتدى به الفنانون والمحدثون والمعاصرون، لقد قدم الفنانون نماذج مبنية على الفكر الابتكاري والنظام المحسوب والرؤية الأصيلة من عناصر الطبيعة. لقد انتشر هذا الفن في ارجاء الجزيرة العربية، ووصل إلى العالمية، وذلك للجمع بين الفكر والثقافة والدين مع الفن التشكيلي والخط العربي، كما تأثر أبناء وأحفاد هذا الجيل من الرواد بهذه المسيرة الفنية من خلال تأثرهم بهذا الإرث، إذ أضافوا لهذا الفن الحالي وطوروه بطريقة سريعة تتناسب مع"العولمة"وتقنيات العصر الحديث المتقدمة، وزادوا عليه ما أخذوه من الكومبيوتر والحاسوب بحيث أصبحت تساير العصر الذي يعيشونه. أما جيل أبناء منتصف القرن العشرين فطغى عليهم التأثر بالفنون الأوروبية والعالمية ك"الفن التكعيبي"ورائده روبير وبراك وبيكاسو، و"الفن التعبيري"الذي اعتمد عليه فان جوخ وجوجان، و"الفن الوحشي"الذي تزعمه الفنان هنري ماتيس عام 1905م، وكثيراً من المدارس وأنواع الفنون كالسريالي والتجريدي وغيرهما، وأخذوا الطريقة الكلاسيكية ممن سبقوهم وأضافوا ما تأثر به العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أضافوا طريقة التداخل الانسجامي للتشكيل ورسم الحرف العربي، إما بتزاوجهما معاً أو كل على حدة، أي عمل لوحة خط مع زخرفتها الإسلامية، أو عمل لوحة تشكيلية خالصة، أو التداخل الجزئي الذي بدأ في هذه الفترة برسم الحرف واندماجه مع الرسم التشكيلي، فقد شارك بعض الفنانين في معارض دولية للفنانين التشكيليين ومعارض الخط العربي العالمية والخليجية، ليوصلوا آخر المستجدات في الخط العربي ومخاطر الجمعيات المعادية للإسلام في تحريف الحرف العربي وجعله أقرب إلى اللاتينية والعبرية والمشاركة في معارض الخط العربي الداخلية والخارجية. أما جيل الأحفاد فقد تأثروا بآبائهم أولاً ثم بالإرث الإسلامي الذي يشاهدونه أمام أعينهم، ولكن نظرتهم إلى الفن كانت أكثر حداثة وأكثر قرباً لما وصل إليه مجتمعهم الذين يعيشون فيه وجيلهم الذي يعاصرونه، متأثرين بما يعايشونه من أجهزة حديثة كالكومبيوتر والحاسوب وغيرهما الذي لم تألفه الأجيال السابقة، إذ أصبحت حصيلتهم الدمج في جميع ما أستورثوه وما يعيشونه اليوم، أعطوا من فنونهم، سواء كانت تشكيلية أم فنوناً إسلامية كالخط العربي، ما يبهر الأبصار، فمنهم من ركز على التشكيل الذي هو أقرب إلى الكاريكاتير في رسمهم، وكانت طريقتهم شبه كلاسيكية وكانت أعمالهم تحاكي رسامي الصين واليابان. لقد تأثرت أعمالهم بالقديم والحديث، وكانت بعض أعمالهم كلاسيكية جميلة بألوانها وجمال ظلها وغاية في الدقة والتعبير المؤثر، وهناك من اتبع أسلوب رسم الحرف بطريقة مبسطة حتى زاد الخط جمالاً ورشاقة... ولعل الفنانين المبتدئين يتخذون مما سبق منطلقاً نحو المزيد من البحث والاستقصاء ما يثري خبراتهم ويدعم أسلوبهم في ممارسة الخط والرسم والتكوين نحو معاصرة تستوعب قيم التراث وأصالته، جنباً إلى جنب مع أفكار ومبتكرات عصر العلم الحديث والتقنية. عبدالله الصانع - المدينةالمنورة فنان تشكيلي