من منا لم يشاهد أو يسمع عن منتجعات سياحية عالمية ومنتزهات طبيعية تم تحسينها لتكون وجهات سياحية رائعة كتلك التي في سويسرا أو كندا وغيرها من الوجهات السياحية. هنا في الجنوب موقع خيالي لواد تحتضنه منطقة جازان والكل يجمع على أن من رأى وشاهد وحضر للموقع، حضي بجمال وفتنة المنظر وروعة النسمات. فأقل ما يقال عن هذا الموقع المتميز والفريد بأنه أعجوبة طبيعية نادرة نحتها الخالق وشقها بين جبال جازان في شكل خرافي يصعب وصفه. مع أذان الفجر يممنا وجهتنا صوب الوادي الواقع في حضن محافظة الريث شمال شرقي منطقة جازانجنوب السعودية، وبمسافة تصل إلى قرابة 120كلم منها 50 كلم طريق جبلي وعر، ومع بزوغ شمس الصباح وصل الفريق إلى مشارف محافظة الريث، إذ تم التقاط ملامح الشروق بين أكمام الجبال ومشاهد القرود وهي تبحث عن بقايا طعام بين أغصان الأشجار أو ما تجود به النفايات هناك وكذا مشاهد قطعان الأغنام وهي تبكر للمراعي والجمال تسير وحيدة فريدة في ربوع غابات السدر المنتشرة في أودية محافظة الريث. وفي منتصف الرحلة إلى قلب الوادي استوقفتنا طبيعة الرجل الريثي ومحافظته على التراث والتقاليد من لباس تراثي ونباتات عطرية تعطر رأسه وبشاشة وابتسامة لا تفارق كل من تجده على طرقات مدينة الريث القابعة في قمم الجبال المسماة باسم هذه القبيلة. وكان لابد لنا من أخذ دليل الرحلة إلى قلب الوادي الغامض والجميل كما يصفه كل من زاره وكان لنا ما أردنا، إذ كان رفيقنا المعلم علي بن جابر الريثي الذي تبرع بمركبته ذات الدفع الرباعي لتعيننا في خوض غمار جولة غير اعتيادية لموقع يملأه الغموض والروعة. وادي لجب ويشير الريثي إلى أن للوادي أوصافاً كثيرة بما فيها الحدائق المعلقة والأخدود الجبلي وخندق الجمال والينابيع العذبة والخطر الجميل، ولكل اسم مدلولاته فالجمال والعذوبة والروعة هي المناظر التي تشاهدها في وادي لجب والعذوبة والنقاء والبرودة هي ينابيع الوادي والخطر هو تحدي الوادي والخوض فيه في غير وقته. ويضيف المعلم علي بن جابر الريثي أن الوادي عبارة عن أخدود أو صدع انكساري في الطرف الشرقي من جبل القهر يبلغ طوله 11 كلم تقريباً من الشمال إلى الجنوب يتقابل بعد 3 كلم تقريباً، من دخوله بصدع آخر طوله يزيد عن 2 كلم وترتفع حوافا الانكسار بشدة ويبدأ الطريق ضيقاً ويستمر ضيقاً قرابة 4 أمتار، ثم يبدأ يتسع تدريجياً إلا أنه لا يزيد في أقصى اتساع له عن 30 متراً. فوادي لجب يقع بين جبلين عملاقين كأنهما جبل واحد وسط صخور صلبة قيل أنها من آثار البراكين في الأزمنة القديمة يشتهر هذا الوادي بمياهه الرقراقة وشلالاته العذبة الباردة والوفيرة بكمياتها الكبيرة ونباتاته الخضراء على جدران الجبلين. ما ان تدخل الوادي حتى تشعر بالخوف المشوب بالحذر، وذلك لارتفاع جانبيه وضيق مجراه الذي تسلكه بعرض يتراوح في منعطفاته بين 4-6 أمتار وارتفاعاته الحادة من 300 - 800 متر وعندها لا تشاهد إلا ما يقابلك من السماء. بعد أن سمعنا عن هذه النبذة التعريفية للوادي كنا أكثر اشتياقاً لرؤيته حقيقة وكان لنا ما أردنا بعد رحلة سير دامت قرابة 25 دقيقة من محافظة الريث إلى مدخل الوادي الصخري. توقفت أنظارنا تشاهد روعة المكان، وتشاهد ذلك الصدع العظيم الذي جعل جبل القهر ينقسم إلى نصفين في جوفهما أشجار معلقة وينابيع تجري من تحت أقدامنا وطيور تشدو بأعذب الألحان وقردة نسمع همهماتها وهي بين الصخور. مدخل الوادي ولعل المدخل فقط لا يوحي بان خلف هذا الوادي سوى حجارة مقفرة، وهو لا يكاد يتسع في بعض جوانبه لمرور مركبة واحدة مع بعض آثار الكتابة التي يسجلها كل من زار الوادي، كمنظر يشوه روعة المكان الذي رسمه الخالق ونحته في جبال القهر. بعد توغلنا مسافة تقارب 200متر بدأت علامات الوادي تبين في الأفق والأشجار والنخيل المعلقة مشاهدة أمام الأعين حقيقة لا مجازاً، ولعل وصولنا لمواقع جريان الينابيع الباردة العذبة المذاق التي تصاحبك منذ دخول الوادي وعلى طوله الذي يصل إلى هذا النحو المتعرج إلى 7 كيلو مترات حتى يصب في وادي بيش العملاق. على الرغم من تعرج الوادي وضيقه الشديدين إلا أن جوانبه خضراء، إذ تنبت الأشجار والأعشاب في الصخور وفي وسط هذا الارتفاع توجد الحدائق المعلقة على ارتفاع زاد عن 200 متر من الوادي ثم يعلوها ارتفاع آخر يصل إلى 400 متر مشكلاً بالفعل حديقة معلقة يصل ارتفاع أشجارها إلى أكثر من 10 أمتار ، وكثيراً ما نسمع عن حدائق بابل المعلقة وفي"لجب"نرى ذلك عياناً فالسيارات لا تستطيع تجاوز هذه المنطقة، وهي مسافة ما يقارب 2 كم من مدخل الوادي بعدها يستوجب المشي على الأقدام، حيث هذا الاتساع الظاهر هو المحطة الأخيرة للمركبات وهو متسع بعض الشيء ويفترق الوادي لليسار صعوداً ولليمين أوله مستو، ثم يبدأ بالهبوط الشديد والوعر. عند المسير في وسط الوادي ترى طبقات صخرية عدة منها الجرانيت والرخام والبازلت والصخور المتحولة والنارية، إضافة إلى العروق المعدنية الأخرى، وما يسمى بصخور الخورم التي اتخذ منها النحل خلايا تسكنها، ويملأها مما تفرزه بطونه من العسل السمة الغالبة على هذا الوادي الرائع أنه يستحيل حتى على إنسان هذه المنطقة الوصول إليه، ومن خصائص الوادي أن الشمس تمر به مرور الكرام للحظات عابرة قليلة قبل أن تباغت الشمس بالغياب عن أعماق الوادي. بدأت الكاميرا برصد كل معالم الجمال في الوادي، ومن جانبنا نأخذ أطراف الحديث مع كل زائر للوادي من أبناء المحافظة وخارجها الذين يتفقون كلهم على روعة المنظر وجمال الجو والنسمات العليلة التي رافقتنا حتى وصول الشمس إلى كبد السماء، إذ تمر الشمس لساعتين تقريباً وبعدها تغادر المكان. والزائر للوادي يجد المتعة في المغامرة والاستكشافات المتجددة لتشكيلاته الصخرية المتنوعة، ويشدك فيه رؤية المياه العذبة والبرك الصغيرة والكبيرة المنتشرة على طوله، بل والشلالات الكثيرة الصغيرة والكبيرة، إضافة لصوت جريان الماء الجميل وهدير شلالاته القوية مما أعطته ميزة فريدة عن غيره.