إن قلق النظام الإيراني إزاء ما يحدث في سورية وتخوفه من فقدان النظام السوري الحليف وقيام نظام آخر ديموقراطي ومدني بطابع سني، يجعل إيران تعزز نشاطها وقبضتها على لبنان عبر حليفها "حزب الله" والحكومة اللبنانية التي يهيمن عليها. إن منع سلطات الرقابة اللبنانية عرض فيلم وثائقي للمخرج السينمائي نادر داودي حول أعمال العنف التي قامت بها السلطات الإيرانية لقمع المتظاهرين المسالمين ضد تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة ومنع داودي من زيارة لبنان دليل على هذه القبضة المتزايدة. ففي حزيران (يونيو) كانت الرقابة اللبنانية منعت عرض فيلم هنا مخمالباف "الأيام الخضراء"، وكان مسؤول لبناني شرح حينئذ أن المنع كان بطلب من السفير الإيراني في لبنان. إن سفارتي إيران وسورية في لبنان نشيطتان، الأولى بخطف سوريين معارضين في لبنان والأخرى بمنع وثائق عن واقع ما يجري في إيران. وإيران، كما سمعنا من احد وكلاء الحلف السوري الإيراني في الجبل الوزير السابق وئام وهاب، حريصة على مساعدته بمده بملايين الدولارات لبناء مستشفى في الجبل. وسمعنا أيضاً السفير الإيراني في لبنان يؤكد خبراً مناقضاً للحقيقة أن الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري اتخذت قراراً بإلغاء التأشيرات لدخول الإيرانيين إلى لبنان. وتناسى السفير الإيراني أن السلطات الإيرانية طلبت ذلك من الحريري عندما زار إيران لكن الحريري لم يتخذ القرار لأنه رفضه. فحكومة نجيب ميقاتي الحالية هي التي قررته لأن هيمنة إيران عليها أصبحت من دون حدود. وحكومة لبنان مثل حكومة المالكي في العراق تتحول إلى أداة في استراتيجية إيران لحماية باقي أوراقها في المنطقة في حال سقط حليفها السوري. فالنظام السوري يمثل بالنسبة إلى إيران جسراً لها في الشرق الأوسط. فكيف بإمكان إيران أن تستمر في مد أصدقائها في "حماس" و"حزب الله" بالسلاح إذا أغلقت أمامها طريق سورية؟ وعلى الصعيد العربي إذا فقدت إيران حليفها النظام السوري من يبقى لها في العالم العربي؟ فلبنان هو الموقع الحليف المؤكد لها. وهذا يجعل إيران تنشط بشكل كبير أولاً لمساعدة حليفها السوري عبر لبنان وأيضاً لتعزيز قبضتها على القرار والسياسة في لبنان عبر حلفائها "حزب الله" وأصدقائه في الحكومة. فما يجري في لبنان من تعزيز للتأثير الإيراني فيه مقلق جداً يستدعي يقظة قوية لمنع السيطرة الإيرانية على هذا البلد الصغير الذي كانت ميزته الحريات والديموقراطية والانفتاح على العالم. وإيران لا تتأخر في تقديم الأموال والمساعدات لوكلائها على الأرض في لبنان، في حين أن وضعها الاقتصادي الداخلي رديء جداً. فكثير من الإيرانيين الذين يزورون فرنسا يشكون من الأوضاع الداخلية في بلدهم كما يتوقعون عودة التظاهرات التي شهدتها إيران أثناء الانتخابات الرئاسية. وهم يتوقعون تدهور أوضاع النظام الإيراني لأنه يشهد انقسامات وتوترات ستؤدي إلى التدهور المرتقب. إلا أن النظام الإيراني الذي يعاني من مشاكل داخلية كبرى يضاعف جهوده لتعزيز قبضته على لبنان وحكومته.