شهد القرن العشرين تحولات كبيرة في طريقة إدارة المجتمعات وعلاقة هذه المجتمعات بالدول والأنظمة الحاكمة، فقد أنشئت مؤسسات تدير مختلف جوانب الحياة الاجتماعية بطريقة تخلومن الفردية المتعسفة، وتبلور دور السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، إضافة إلى سلطة الصحافة. كما ظهرت مؤسسات غير حكومية أصبح لها دور متنام في عملية التنمية، وسميت مؤسسات المجتمع المدني. وهكذا أخذت مشاركة الفرد في الشأن العام تؤدي دوراً أكثر فاعلية، وفتحت الأبواب أمام إسهام الأفراد في الشأن العام، كل حسب إمكاناته وإرادته الحرة. شكلت هذه المشاركة المنظمة الأساس لأنظمة الحكم الديمقراطية الحديثة، وراعت مؤسساتها خصوصيات المجتمعات المختلفة دون الانتقاص من روح المواطَنة والمشاركة الحرة، كل ذلك تحت سقف دستور تنتج عنه قوانين منظمة ترسم هوامش الحرية والممارسة الديموقراطية. إن قليلاً من التأمل في واقع الأمة العربية كفيل بإظهار حجم التحديات والأخطار الداخلية والخارجية التي تواجهها الأمة، وهي تشمل كل مناحي الحياة، من اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية. وعلى الرغم من جسامة هذه التحديات وما تتطلبه مهمة التصدي لها من جهد واستعداد، فقد حرصت أنظمة الحكم القائمة وبدرجات متفاوتة على الانفراد بإدارة هذه المواجهة، وحرمت بذلك شعوبها من المشاركة الفعالة في هذه المهمة الوطنية. نتيجة لذلك، عانت الشعوب العربية من سلبيات ناجمة عن انفراد الحكام في هذه المواجهة، وتجلت المعاناة فشلاً وتخلفاً في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والوطنية. تعرض العديد من المفكرين وعلماء الاجتماع لهذه المسألة، واقترحوا حلولاً للمساعدة في تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمشاركة الشعبية في الشأن العام، بما يساهم في تحول المجتمعات نحو التعددية والديموقراطية والحكم الرشيد. وقد لخص عبد الغفار شكر في كتابه عن المجتمع الأهلي الصادر عن دار الفكر عام 2003 تلك المهمات بالآتي: 1 – إشاعة الثقافة المدنية الديموقراطية في المجتمع. 2 - الاهتمام بتربية المواطنين لتظهر هذه الثقافة في حياتهم اليومية وفي علاقتهم بالآخرين. 3 – تدريب المواطنين عملياً على الممارسة الديموقراطية. ومن هنا برز دور مؤسسات المجتمع المدني بأشكالها ومجالاتها المختلفة، بوصفها وسيلةً مهمة لإنجاح صناعة الكفاءات والكوادر القادرة على العطاء والبناء. تعمل مؤسسات المجتمع المدني على تدريب الأفراد على العمل المشترك بغية تقديم خدمات ايجابية للمجتمع، كما تساعد تلك المؤسسات في كسب الخبرة الإدارية اللازمة لتسيير شؤون المجتمع بشكل ناجح. ولا شك في أن الانخراط في مثل هذه النشاطات سوف يصقل الخبرات ويساعد في تطوير الكوادر القيادية التي يمكنها أن تؤدي دوراً أكبر في إدارة هذه المؤسسات والجمعيات المختلفة لما فيه مصلحة المجتمع والوطن. إن الإسهام ولو بجزء يسير في الشأن العام وصياغة العقد الاجتماعي وبالتالي محاولة صناعة مستقبل الفرد والجماعة، لا بد أن ينمي روح المشاركة والشعور بالقيمة الذاتية والمواطَنة والولاء لوطن ومجتمع من الأحرار في ظل حكم رشيد.