صديقة سألت بعفوية، في جلسة نسائية:"لماذا لا يحق لنا التعدد، كما يحق للرجل"؟ فأجبتها بعفوية وبسؤال أيضاً: من قال إنه لا يحق لك ذلك؟ وقصدتُ بذلك: الزواج أكثر من مرة، خمس مرات مثلاً... فبدأ نقاش حامي الوطيس. قالت إحداهن شاهقة:"أمي كانت تقول: إذا تزوجت امرأة خمس مرات فلا يجوز أن نكشف عليها"! وهذا القول كان شائعاً بين نساء أمياتٍ، في إشارة إلى أن المرأة المعددة هي أشبه بالرجل. كما اعتبر البعض ? في الجلسة النسائية ? أن آية:"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"21 - الروم، تدلل على أن الأصل في الزواج"الأبدية"، وأن الطلاق"خراب بيوت"! واعتبرن أيضاً أن تعدد الزواج للرجل، لا"يخرب البيوت"، لأن ذلك يسنح للأطفال بالبقاء تحت ظل والديهما، حتى إذا تزوج والدهم ثلاثاً على أمهم! فما كان مني إلا أن شمرت عن ساعدي وبدأت أحاضر فيهن، وهنا مقتطفات مما قلت: إن بعض الآباء والأمهات والإخوة، يحولون بشدة دون طلاق"ابنتهم"، فذلك ? طلاق المرأة - عار بالنسبة إلى كثيرين! ويساعدهم على ذلك أن بعض الدعاة الحاليين يتجاهلون الإشارة إلى سلوك صفوة مختارة من المسلمين والمسلمات الصحابة. كما يظن البعض أن الطلاق لا يكون إلا في حال ثبوت الضرر من الزوج، وحتى في حال ثبوته يحاولون أن يتغاضوا عنه، حتى تصل ابنتهم إلى حالة نفسية تحتاج على إثرها إلى علاج يطول سنوات. وأولئك يتناسون أن الشرع سمح للمرأة بطلب الطلاق في حالات أخرى غير ثبوت ضرر الزوج، مثل كراهية الزوجة لزوجها، ومن دون أدنى ضرر من الرجل، وما يؤكد ذلك حديث المرأة التي قالت لرسول الله، بما معناه: إن زوجها من أروع الرجال، وليس به عيب ولكنها تكرهه وتخاف على نفسها الفتنة، فقال لها: ردي إليه حديقته واتركيه. بهذه البساطة، انتهى الأمر. وإذا عدنا إلى سيرة الصحابة سنجد أن قيد الوقوف عند أربع زوجات، في الإسلام، لم يكن عائقاً أمام تجاوز هذا العدد، فكان الصحابة يطلقون ويتزوجون، ويطلقون ويتزوجون. وعلى سبيل المثال: تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه 9 نساء. وكذلك فعل عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله. أما الزبير بن العوام فتزوج ست نساء. وتزوج عبدالرحمن بن عوف عشرين امرأة. وتزوج سعد بن أبي وقاص إحدى عشرة امرأة. ولم يذكر بدقة عدد زوجات سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، لكنه خلف 31 ولداً منهم ثلاثة عشر ذكراً والباقي إناث. وربما كان ذلك ليس جديداً في ثقافتنا الاجتماعية، لكن كان الشائع أيضاً في زمن الرسول أن تكون النساء مُثلثات"يتزوجن ثلاث مرات"، بل كانت نسبة غير قليلة مُربعات"تزوجن أربع مرات"، وحكت لنا كتب السيرة عن"المُخمسات". ومن المخمسات: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، ابنة عم عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأسماء بنت عميس الخثعمية. ومن المربعات: أم كلثوم بنت عتبة بن أبي معيط، وسهلة بنت سهيل بن عمرو، ومن المثلثات: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وأسماء بنت عميس، وأم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله. وهكذا تمكنت المسلمات، منذ فجر الإسلام، تجاوز قيد الرجل الواحد، كما تمكن الصحابة من تجاوز قيد الأربعة المنصوص عليه في القرآن، عن طريق الطلاق، ومن ثم الزواج. وقد اكتفيت هنا بالتطرق إلى أشهر الصحابة ولم أتطرق لعامة الناس، والسلوكيات هنا على درجة من الأهمية، لأنها لم تصدر عن عوام المسلمين، بل عن الصحابة. [email protected]