ترجل صاحب السجل الإنساني المشرف من على صهوة العمل الرسمي بعد عقود من الزمن قضاها في دواوين الدولة، ابتداءً من وزارة المالية، مروراً بالخدمة المدنية والجمعية الوطنية للبيئة، وأخيراً في حقوق الانسان، فكان لا بد من كلمة حق"أريد بها وجه الحق وحده"عرفاناً وامتناناً لإنجازاته الموفقة لخدمة الدين ثم المليك والوطن الغالي. لا يربطني بتركي السديري صلة مصاهرة أو نسب سوى الانصهار في بوتقة العمل الوطني المخلص إيماناً بمبدأ الفعل لا القول فقط، فقد تعلمنا في مدرسته الشيء الكثير من خلال تشرفي بالعمل معه، ابتداءً بجمعية البيئة، التي أسسها قبل صدور الثقة الملكية السامية بتعيينه رئيساً لأول هيئة حكومية لحقوق الإنسان، بتاريخ 8-8-1426ه، لتبدأ مرحلة التأسيس الصعبة، مع ما يصاحب هذه المرحلة من تحديات جمة كجهاز حديث، فكان عليه البحث شخصياً عن المقر اولاً، ثم حسن اختيار الطاقم التنفيذي الذي يساعده على أداء مهمته الإنسانية، التي تكللت - ولله الحمد - بالنجاح والتوفيق بتعاون ودعم ومساندة المسؤولين في الجهات الحكومية ذات العلاقة... فعلى رغم حداثة التجربة في عالم حقوق الإنسان، إلا أن محبة وتقدير الناس له على المستويين الشعبي والرسمي ساعدت كثيراً على تجاوز الكثير من الصعوبات، وبذلك تقدمت الهيئة بخطوات واثقة نحو أداء رسالتها وتحقيق أهدافها في حماية وتعزيز حقوق الإنسان على الصعيد الداخلي، وكذلك على الصعيد الدولي، إذ نالت شرف عضوية مجلس حقوق الإنسان العالمي، وقد رأس وفد المملكة في الاجتماع التأسيسي الأول للمجلس في جنيف، إذ كنت ضمن الوفد المشارك. لا يتسع المجال للتحدث أو الكتابة عن مسيرة الهيئة خلال السنوات الماضية، خصوصاً لمن عمل عن قرب في معيته، فقد كان ولا يزال نعم القدوة الصالحة... مثالاً يحتذى به عملاً وأسلوب تعامل والتزاماً، فتجده أول من يدلف للهيئة وآخر من يخرج منها، يعمل بصمت لا يبحث عن المديح الزائف، يتميز بحس إنساني مرهب، قوي في كلمة الحق، لكنه ضعيف أمام الطفل والمرأة وكبار السن، يجمع بين النبل والثقافة وحسن الخلق وإغاثة الملهوف، يسعد كثيراً عند تفريج كربة مراجع أو بلسمه جراح الآخرين مع الكلمة الطيبة والصوت الهادئ وحسن التعامل مع الجميع دون تفرقة أو تمييز، يخدم الإنسان كونه إنساناً أولاً وأياً كان، باب مكتبه مفتوح على مصراعيه طوال ساعات الدوام الرسمي، كما هو باب منزله في مجلسه العامر كل يوم سبت منذ أكثر من عقدين من الزمن، يحرص على مشاركة الجميع أفراحهم وأتراحهم، مؤكداً بذلك على أهمية العلاقات الإنسانية في مجتمعنا المتسم بالوفاء ومكارم الأخلاق، والأمل بالله سبحانه وتعالى ثم في خلفه الدكتور بندر العيبان ليكمل المسيرة كخير خلف لخير سلف. حييت أبا زياد أينما كنت في المكتب أو في البيت... وبوركت أينما يممت وجهك المشرق بالأمل والتفاؤل، فستظل رمزاً لكل الأوفياء، وستبقى ذخراً للمجتمع وفخراً للإنسانية... ذلك فيض من غيض في حق هذا الإنسان الرائع الذي تعلمنا منه الكثير، ونهلنا من مدرسته الإنسانية وثقافة التسامح والكرامة والعدل والمساواة واحترام الآخر الكثير أيضاً، فمن يدلني على مدرسة شبيهة بمدرسة السديري؟ ممدوح بن محمد المشري المشرف على إدارة الرصد والمتابعة والتحقيق