بعد أن دوَّن الأديب الدكتور غازي القصيبي مقاطع من سيرة"التابلاين"في روايته"أبو شلاخ البرمائي"، كان من الأولى أن يستحوذ"التابلاين"على اهتمام المثقفين الذين عاشوا في المحافظات التي يمر من خلالها. ويعتزم الكاتب محمد الرطيان الذي ولد في مستشفى"التابلاين"في رفحاء وعاش فيها، إصدار روايته الأولى قريباً، وخصّ الرطيان"الحياة"بفصل من الرواية يتحدث عن"التابلاين". الورقة رقم"4" بالصدفة، كانت إحدى القوافل تمر من هنا، من هذا المكان. وبالصدفة، كانت معهم امرأة تحتضر... وماتت في هذا المكان. وبالصدفة، تم اختيار هذا التل الصغير، لتدفن بجانبه، ويصبح علامة لقبرها. كان اسم المرأة"رفحا". لاحقاً، صار اسم التل الصغير"رفحا". مع مرور الوقت، صار كل ما حول التل يحمل اسم"رفحا". في وقت ما، صار هذا المكان الذي لم يكن سوى نقطة صغيرة في صحراء شاسعة ولاسعة، مكاناً مفضلاً لبعض القبائل، تمره في مصيفها ومشتاها، وفي رحلات بحثها عن الماء والكلأ. هنا تقاتل البدو على بئر ماء. ومن هنا مرّت قوافل تجار"العقيلات"القادمة من قلب"نجد"وهي في طريقها إلى"بغداد"و"الشام". ومن هنا مرّ الفرسان، والشعراء، والغزاة. وهنا، وعلى أطراف"رفحاء"ترى"بركة زبيدة"هذا المشروع الذي قامت بإنشائه زوجة الخليفة العباسي"هارون الرشيد"لسقاية الحجاج من العراق حتى أطراف مكةالمكرمة. ومن هنا أيضاً، مرّت هذه الأفعى المعدنية العملاقة، ذيلها: في الخليج العربي ورأسها: في البحر المتوسط! في منتصف القرن الماضي، وتحديدا ً في عام 1948، وبأمر من الملك عبدالعزيز آل سعود، قررت شركة"أرامكو"أن تمد أطول خط أنابيب"التابلاين"لضخ النفط ونقله من مصادره في المنطقة الشرقية على الخليج العربي، وتحديداً من"بقيق"، إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط حتى ساحل"حيفا"الفلسطينية. وأتت الأحداث السياسية ومنها إعلان دولة إسرائيل لتغيّر مساره إلى سواحل"صيدا"اللبنانية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، لتنقله الناقلات من هناك ويباع إلى مستهلكيه في العالم الغربي. بالصدفة، يمر هذا الخط العملاق ب"رفحاء". ويقرر المسؤولون في شركة"أرامكو"وضع محطات ضخ وصيانة لخط الأنابيب كل 300 كيلومتر... وبالصدفة تكون المحطة اللاحقة في"رفحاء". وليست وحدها"رفحاء"فهناك في الجانب السعودي خمس مضخات: النعيرية، القيصومة، رفحاء، عرعر وكانت تسمى: محافظة خط الأنابيب وآخر محطة: طريف. ولا بدّ لهذه المحطات من مهندسين وعمال، وأمن لحمايتهم وحماية المحطة. ومستشفى صغير لعلاجهم، ومعدات حديثة لاستخراج الماء الصالح للشرب من باطن الأرض. وهكذا أتت الوجوه الغريبة من المناطق والجهات كافة، يحملون أسماء عائلات وقبائل لا يعرفها أحد. هناك من أتوا مع الشركة كعمال فيها، وهناك من أتى مع"الإمارة"، وهناك من استوطن في هذا المكان الذي صار آمناً، وهناك العائلات التي أتت من"القصيم"وما جاورها إلى هذه البلدة -التي بدأت تنمو- بحثاً عن الرزق والتجارة. تغيّر المشهد كثيراً: صارت هنالك بعض بيوت الطين بجانب الكثير من الخيام وبيوت الشعر. وفي وسط البلدة تم إنشاء أول مسجد، وحول هذا المسجد تشكلت نواة سوق"رفحاء"وذلك من بعض الدكاكين الصغيرة التي تناثرت حوله. أما في الجهة اليسرى من الجانب فكانت هناك"الوقفة"وهي سوق الغنم والإبل وصار البدو يأتون إليها من الجهات المحيطة ب"رفحاء"كافة ليقوموا بشراء وبيع المواشي... ويحدث أن يباع فيها ما هو أبعد من هذا! أما"أرامكو"فبناؤها مختلف، وحديث، وتحيط به الأشجار. ينظرون له البدو بذهول وإعجاب... ولا يستطيعون الدخول إليه باستثناء المستشفى يحيطه سياج حديدي، لا يدخله سوى العاملين فيه. صار في"رفحاء"مركز إمارة وشرطة وسجن... ولاحقا ً - بعد سنوات - مدرسة ابتدائية! ول"رفحاء"حديّن.. حد قديم رُسم قبلها، ويجعلها عراقية. وحد رُسم بعدها، ويجعلها سعودية. ولا تدري هل هي صدفة أيضاً، أم أنها مهارة السياسي، أم خطأ في رسومات الجغرافيين. بهذا الشكل نشأت"رفحاء"الحديثة. كأنها صدفة تاريخية جعلت الزمن ينتبه إليها، ويقف عندها قليلاً... أو كأن"رفحاء"ليست سوى خطأ مطبعي في وثيقة سياسية!