قد يستغرب كثيرون، إذا عرفوا أن سكان منطقة الحدود الشمالية الذين كانوا قبل نحو 60 عاماً يتلقون رعاية صحية على مستوى راق، ويحظون بفرص علاج هي من الأفضل على مستوى المنطقة العربية، صاروا يقصدون الآن مدناً أخرى لتلقي العلاج، وتناقش"الحياة"في الحلقة الثانية من ملف"خط أنابيب الزيت الخام عبر البلاد العربية"التابلاين الخدمات الصحية التي وفّرتها الشركة المؤسسة للخط في 5 مدن تمر فيها ومن بينها عرعر عاصمة الحدود الشمالية، إضافة إلى تسليط الضوء على حرص الشركة على صناعة جيل من"رجال الأعمال"، إلى جانب ارتفاع عدد"الأميين"السعوديين الذين يتحدثون اللغة الإنكليزية. ويؤكد الدكتور عارف المسعر"أن مستشفى التابلاين في عرعر وفّر الخدمة الصحية على مستوى عالٍ، وكان يمثل معجزة في تلك الفترة، حيث تجرى فيه الجراحات الصعبة، ومزود بمختبر على مستوى راق". وأبدى محمد الرويلي 50 عاماً وهو أحد سكان عرعر أسفه على"تواضع مستوى الخدمات الطبية في مستشفيات منطقة الحدود الشمالية". وقال:"مَنْ كان يصدق أن مستشفيات التابلاين كانت مقصد طالبي العلاج من سكان المناطق الشمالية، أما اليوم فإن أهالي الحدود الشمالية يقاسون المشقة للبحث عن العلاج في مستشفيات متقدمة في الرياضوجدة". من جهة أخرى، أعطت شركة"التابلاين"فرصة لعدد من المقاولين الجدد، لتنمية أعمالهم التجارية واكتساب خبرات عملية، ليصبحوا تالياً من أثرياء العالم. ويعتبر البليونير سليمان العليان أول وأشهر هؤلاء المقاولين، وفي سيرته الذاتية"من عنيزة إلى وول ستريت"يروي قصة تكوين"إمبراطوريته"الذي لعب"التابلاين"دوراً رئيسياً في نشوئها. يفتخر محمد الرويلي 50 عاماً بأنه أحد مواليد مستشفيات"التابلاين"التي كانت متطورة جداً قياساً بمستوى نظيرتها في المنطقة العربية التي كانت غالبيتها خارجة من الاستعمار الأجنبي حينها. ويضيف:"حتى في سنوات طفولتي الأولى كنت أعالج في مستشفى التابلاين في عرعر، الذي كان يشرف عليه كادر أميركي وعربي". واعتبر الرويلي الذي انتقلت عائلته من منطقة الجوف إلى عرعر بعد تشغيل التابلاين،"أن الخدمات الطبية والأساسية المتوافرة في المحافظات التي يمر عبرها التابلاين، كانت عاملاً رئيسياً لدفع كثير من عائلات المنطقة للانتقال للسكن في تلك المدن". وأبدى أسفه على"تواضع مستوى الخدمات الطبية في مستشفيات منطقة الحدود الشمالية". وقال:"من كان يصدق أن مستشفيات التابلاين كانت مقصد طالبي العلاج من سكان المناطق الشمالية، أما اليوم فإن أهالي الحدود الشمالية يقاسون المشقة للبحث عن العلاج في مستشفيات متقدمة في الرياضوجدة". ويؤكد الدكتور عارف المسعر"أن مستشفى التابلاين في عرعر وفر الخدمة الصحية على مستوى عالٍ، وكان يمثل معجزة في تلك الفترة، حيث تجرى فيه الجراحات الصعبة، ومزود بمختبر على مستوى راق". وذكر أن المستشفى كان يرسل العينات الدقيقة إلى الجامعة الأميركية في بيروت بواسطة طائراتها،"لتعود بعد أسبوع حاملة نتائج المختبر المطلوبة ليعمل المستشفى بمعالجة الحالة في ضوئها". من جانبه، قال رئيس المجلس البلدي لمدينة سكاكا الدكتور نايف المعيقل إن وجود"التابلاين"بما تحمله من إمكانات بشرية ومادية وخبرات طبية انعكس إيجاباً على أهالي المناطق الشمالية. وأوضح أن سكان تلك المناطق استفادوا من وجود مستشفيات"التابلاين"في إجراء الجراحات الصحية الصعبة،"لأنها كانت تضم كوادر وتجهيزات طبية مميزة، إذ كانت المستشفيات مرتبطة بالجامعة الأميركية في بيروت". وتسترجع هالة حداد وهي إحدى الممرضات اللبنانيات العاملات في مستشفى"التابلاين"في عرعر ذكرياتها حين عملت في المستشفى لمدة 30 عاماً وحتى نهاية التسعينات من القرن الميلادي الماضي،"كانت المدينة مكاناً حافلاً بالود، وحتى اليوم ما زال سكان من عرعر يتصلون بي في مقر إقامتي في الظهران". ولاحظت"أن المجتمع في عرعر كان مترابطاً في تلك الفترة وكان العاملون في المستشفى يشعرون بأنهم جزء من السكان المحليين". وأضافت:"كانت المدينة عبارة عن حي سكني مستقر يتضمن الكثير من الأنشطة تخدم كل سكان المدينة، وكانت الممرضات والسكرتيرات يعشن في مبنى يعرف ب"بانك هاوس"، حيث كان لكل واحدة منهن غرفة نوم خاصة، فيما كانت كل 4 منهن يشتركن في مطبخ وغرفة معيشة وغرفة جلوس واحدة". وأشارت إلى"أنه كان للحي مكتبة خاصة ومحطة تلفزيون ومدرسة ومتعهد تموين يعرف بالكانتين". وأضافت:"كانت عرعر تضم المرافق الطبية الوحيدة المتوافرة في المناطق الشمالية، وتقدم الرعاية الطبية للسعوديين كافة، إضافة إلى موظفي التابلاين وأفراد أسرهم ومقاولي الشركة". وأكدت"أن تلك الخدمات الطبية الراقية في مستشفى التابلاين في عرعر كانت تنسحب على مستشفياتها الأخرى في بقية المحطات". من جهته، يؤيد أحمد العرادي"جودة الأداء في مستشفيات التابلاين كافة. ويقول:"كان مستشفى التابلاين في رفحاء يضم مختبراً لفحوص الدم وآخر للأشعة، إضافة إلى أجنحة لتنويم المرضى". وذكر أن"العلاج لم يكن يتم بطريقة عشوائية، إذ كان لكل مريض ملف يضم كل البيانات الخاصة به، ويمنح بطاقة تحمل معلومات مختصرة عنه، ليقدمها إلى قسم الاستقبال عند كل زيارة يقوم بها إلى المستشفى". ظهور جيل من "رجال الأعمال" أعطت شركة التابلاين فرصة لعدد من المقاولين الجدد لتنمية أعمالهم التجارية، واكتساب خبرات عملية، ليصبحوا تالياً من أثرياء العالم. ويعتبر البليونير سليمان العليان أول وأشهر هؤلاء المقاولين، وفي سيرته الذاتية"من عنيزة إلى وول ستريت"، يروي قصة تكوين"إمبراطوريته"التجارية، التي بدأت بتأسيس شركة صغيرة سماها شركة"المقاولات العامة". ودخلت شركته في مناقصة لتنزيل مواد التابلاين من السفن في ميناء رأس مشعاب، وكان مبلغ العطاء الذي قدمه العليان في طلبه للحصول على مقاولة التنزيل أقل مبلغ. لكن شركة بكتل وقّعت العقد معه بزيادة 25 في المئة، وهو ما فسره العليان على"أنه جاء انطلاقاً من سياسة أرامكو، التي تهدف إلى تطوير الاقتصاد المحلي، وإيجاد جيل من رجال الأعمال". وبعد الانتهاء من العمل في مقاولة التنزيل، فاز العليان بعدد من المقاولات الأخرى، مثل توفير الطعام لعمال المشروع، وبناء معسكرات الشركة، وحفر الخنادق لدفن"البيب"، وتصنيع دعامات الحديد والاسمنت لتدعيم الأجزاء الطويلة من"البيب"، والتي تُمدَّد على سطح الأرض. كما شارك العليان مع شركات أميركية في عمليات"تلحيم"الأنابيب. وخلال المراحل الأخيرة من مشروع التابلاين، شارك في عملية تطوير مدن التابلاين في السعودية، ويقول العليان عن تلك المرحلة:"إن الملك عبدالعزيز كان يتوقع تطور تلك المدن حين تتوافر فيها المياه ووسائل الحياة الحديثة فيها، لذلك أكد في الاتفاق الموقع مع التابلاين على تأسيس الشركة إدارة جديدة لإمارة الحدود الشمالية، تضم قوة للشرطة وخدمة هاتف ومدارس، وكذلك انشاء مبانٍ لهذه المصالح، كما أُلزمت الشركة بإنشاء طريق بري موازٍ للبيب". ويعتبر العليان أكبر مقاول سعودي تعاملت معه شركة بكتل، وبلغت أرباحه من تلك المقاولات أكثر من 100 ألف دولار، واستطاع أن يسدد قرضه الأول، الذي استدانه لتأسيس شركته من مردود الأعمال التي نفذها. "أميون" يجيدون الإنكليزية ... تحدثاً وكتابة على رغم أن غالبية السعوديين العاملين في شركة"التابلاين"أميون لا يجيدون اللغة العربية تحدثاً وكتابة، ألا أنهم كانوا يتحدثون"الإنكليزية"، وبعضهم يجيدها كتابة أيضاً. فالتعامل المباشر مع العاملين الأميركان في"التابلاين"أكسب الرعيل الأول مهارة التحدث باللغة الإنكليزية، وتحديداً بلهجة سكان ولاية صناعة النفط الأميركية تكساس. وحوّرت مفردات إنكليزية إلى عربية، وانتشر استخدامها بين سكان المناطق التي يمر بها التابلاين. فأصل اسم سيارة النقل الصغيرة التي يطلق عليها اسم"وانيت"، يعود إلى مصادفة لا علاقة لها بالأسماء ولا الصفات، إذ إن"التابلاين"كانت تستخدم شاحنات نقل صغيرة من نوع"دودج"، لنقل المؤن إلى العاملين في الخط، وكانت لتلك الشاحنات أرقام تسلسلية تبدأ بالرقم 18. وفي البداية كان الموظفون يطلقون على هذه الشاحنات مسمى"ون إيت"الذي يعني الرقم 1 والرقم 8 باللغة الإنكليزية، ويُنطقان تباعاً بلا فاصل لتمييزها عن غيرها، إلا أن الاستخدام المتكرر للكلمة ذاتها وبالشكل الصوتي نفسه حوَّل تجاور رقمين إلى اسم خاص بالشاحنات الصغيرة. كما أن كلمة"وَايِت"التي تعني"صهريج"في اللغة العربية، تم إطلاقها على السيارة التي تنقل الماء للموظفين والعمال في"التابلاين"، وصادف أن كان لون السيارة المخصصة لذلك أبيض، فصار يُطلق على كل صهريج اسم"وَايت"التي تعني اللون الأبيض White في اللغة الإنكليزية. أيضاً هناك كلمات إنكليزية كان يستخدمها موظفو"التابلاين"حوّرت إلى اللغة العربية، مثل: Check يتفقد، فيقال"شيّك، يشيّك، تشييك". في المقابل، توجد كلمات إنكليزية احتفظت بسلامتها الصوتية كما هي في الاستخدام المحلي، مثل: Ok حسناً، Light ضوء، Bus باص، gas غاز، Wire سلك، Hose خرطوم، Tanker ناقلة.