يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في إحدى روائعه: أي شيء في العيد أهدي إليكِ يا ملاكي وكل شيء لديكِ أسواراً أم دملجاً من نضار؟ لا أحب القيود في معصميك ويختم قصيدته بالقول: ليس عندي شيء أعز من الروح وروحي مرهونة في يديكِ باختصار أبو ماضي ضحك على من يحب ببيتين من الشعر. وجاء من بعده ناظم الغزالي وتغنى بتلك القصيدة، ويبدو انه مارس اللعبة ذاتها. وإن كان الغزالي ختم بأن روحه مرهونة لدى العشيق، فإن راشد الماجد فعل أكثر من ذلك فهو وضع قلبه بين يدي عشيقته في أغنيته"بحط قلبي بين ايدينك هدية"! عموماً أبو ماضي والغزالي والماجد من بعدهما يجسدون حالة مزمنة يعيشها المتزوجون تحديداً، تلقي بظلالها في كل مناسبة تكون الزوجة طرفاً فيها، فالمتزوج مطالب بهدية في يوم زواجه يقدمها لزوجته احتفالاً في هذا اليوم"قمة التناقض"، والويل له إن نسي الموعد، فسيلاقي أشد أنواع التقريع، ومن ثم عليه تذكر يوم ميلادها، والحذر الحذر من نعمة النسيان، فهنا ستصبح نقمة، وطبعاً لا بد ان يتذكر يوم"الملكة"، وإذا كان لديه أبناء فهناك يوم الأم، وطبعاً غير الهدايا العابرة، لا سيما بعد كل"زعل"في المنزل، أي باختصار هدايا يومية."يبدو أننا نعمل لتوفير قيمة الهدايا فقط". لكن والحق يقال فإن الهدية بغض النظر عن قيمتها يبقى لها سحر عند المتلقي رجلاً كان أو امرأة أو حتى طفلاً، والهدايا أنواع، فمنها مثلما ذكرنا في بداية حديثنا، وهذه لم تعد تنطلي على النساء تحديداً، ومنها ما هو مادي وملموس ومحسوس ومشموم، وإذا كنا نتفق على أن الهدية هي تعبير من أي نوع للطرف الآخر فإن الهدايا ترفرف على الكثيرين من حولنا. ودعونا نستعرض الهدايا ومستحقيها. فهي إن كانت لموظف حكومي فستكون رشوة، وإن كانت لموظف أهلي فهي هدية، وإن كانت لإعلامي حتماً هي دعاية، وإن كانت لرجل أمن فمصيبة. هل لاحظتم كيف تم التحول من جهة لأخرى. هذه التصنيفات ليست من وحي الخيال، بل هي متداولة بين الناس، يصنفونها بحسب أهوائهم، وبعيداً عن تلك الأهواء. وهناك فعلاً من يستحق هدية، فهناك رجال الأمن الذين يطرزون المنشآت والمدن وطرقاتها بتضحياتهم وبعملهم الدؤوب. وهناك الموظف الذي يحرص على عمله ويخلص له، وهناك التاجر الذي يعمل انطلاقاً من مصلحة وطنه، وليس انطلاقاً من مصلحته فقط، وهناك الطالب الذي يعيش في بلاد الغربة ويتحمل تبعاتها على أمل ان يعود إلى وطنه محملاً بشهادته وخبرته، وبالمثل أيضاً الشاب الذي يبحث عن عمل شريف يقتات منه، لا عن أغنية يرقص على أنغامها منافساً فيفي عبده بحركاتها في الطرقات وبين جموع السيارات. نعم هناك الكثيرين ممن يستحقون ان نقدم لهم هدية تتناسب مع ما يقدمونه أو ما يسعون إليه. لكن شيئاً واحداً يستحق ان نقدم له كل ما نملك من هدايا، وهو الوطن، ترى ما الذي يمكن أن نقدمه لهذا الوطن؟ أقل شيء أن نكون مواطنين صالحين، وهذا يعادل كل ما سبق. [email protected]