التفجيرات التي حصلت قبل يومين في قلب العاصمة المصرية القاهرة، ذات دلالات تتجاوز الجغرافية المصرية عموماً، لتصل إلى قلب الخليج، وإلى قلب كل عاصمة عربية تظن نفسها في منأى عن تكرار الأمر نفسه في شوارعها، فالمتتبع لسير الأحداث الأخيرة، خصوصاً الموقف المصري منها، وتحجيمه علناً لبعض الأدوار غير الشرعية في المنطقة، يجعلنا نتجه بالظن مباشرة نحو دول أو جماعات بعينها، تقف خلف هذا التفجير، أو حتى أية تفجيرات مستقبلية، قد تستهدف عواصم مهمة في المنطقة، وهو اسلوب وتكتيك عصابي معروف عفا عليه الزمن، ولا يتضرر منه سوى بسطاء أو مواطنين من بلدان أجنبية، يتم رصد أماكن تواجدهم وتحركاتهم بعناية، لإصباغ شيء من العالمية على الحدث، وإثارة الرأي العام العالمي ضد العاصمة أو الدولة التي وقع فيها الانفجار. إنني هنا أزعم بأن انفجار حي الحسين بالقاهرة ما هو إلا مجرد عنوان عريض لأحداث سيئة قادمة، فهو انفجار سياسي أكثر منه مرتبطاً بالناحية الأمنية، لأنه وباختصار شديد لا يحمل سوى رسالة واحدة مفادها أن"من يقف خلف الانفجار"قادر على الوصول إلى عمق أكثر عاصمة عربية، تقود حراكاً ضد بعض الأجندات في المنطقة، بأسلوب"إياكي أعني واشهدي يا جارة"، كما أن توقيت الانفجار ومجيئه بعد زيارة مسؤول لبناني كبير للقاهرة، وتصريح الرئاسة المصرية، نقلاً على لسان الرئيس حسني مبارك، أن مصر ستقف وستدعم بقوة الجيش اللبناني، ربما أساء للبعض أو ربما حمل رسالة خفية للبعض بكف أيديهم عن المنطقة ورفعها وعدم محاولة العبث باستقرارها أو أمنها أو أمن شعوبها، وهو ما يجعل التوجه قائماً نحو كل متضرر من هذه التصريحات، تحسباً لأي تحرك مشابه يطال عاصمة هنا أو هناك. إننا جميعاً نتابع التصريحات الإيرانية الأخيرة، وفي الوقت نفسه نتابع التحركات الفلسطينية المختلفة التي تقودها جماعات الفرقة في هذا الشارع، وأيضاً تابعنا قبل أيام خروج حسن نصر الله من مكمنه، وادعاءه الساذج بأن لغة التطرف هي الأقرب للصراحة، وبأنها لا تحمل كذباً ولا خداعاً، في فتوى علنية لمريديه في الشوارع العربية باتباع نهج التطرف لأنه، وعلى حسب قول نصر الله، الطريق الأقرب إلى الصدق والأقرب للصراحة والشفافية، وأنا هنا لن أناقش السيد نصر الله بإعلانه المبكر الذي قرأته في خطابه عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية، أو معرفته المسبقة بفوز المتطرفين في الشارع الإسرائيلي الذين باركهم وغازلهم في كلمته، وأظهرهم على أنهم أهل شجاعة وصراحة، وليسوا أهل كذب ونفاق، لكن ما أود أن أشير إليه أن كل كلمة ألقاها في خطابه، أو أية كلمة عموماً أو تصريحاً يخرج الآن في هذا المحيط هو في الأخير، بصورة او بأخرى، رسالة موجهة إلى هذا البلد أو ذاك. الخوف الأكبر ان تتحول المنابر السياسية وتختطف لتصبح ورقة وأداة استخباراتية بحتة، تستغل في لعبة تكسير عظام مهولة بكل تأكيد ستشهدها المنطقة، بين طرفين لا ثالث لهما، الأول تمثله الدول المعتدلة، بما فيها السعودية، التي التقطت مبكراً هذه التحركات وقادت مسيرة تبناها خادم الحرمين شخصياً في إعادة سورية إلى الصف العربي، ومنحها مكانتها العربية الحقيقية في الصف العربي، ومباركة دول كثيرة لهذه الخطوة على رأسها مصر، والطرف الثاني يكشف بين فترة وأخرى عن وجهه الحقيقي، عبر تصريحات يطلقها زعماؤه بشكل سلبي تجاه بعض الدول أو القضايا في المنطقة، وإن كان من نجاح يذكر لمواجهة هذا الطرف فهو تحرك خادم الحرمين الشريفين الذي قاده في قمة الكويت، وفاجأ به المراقبين كافة من توجهه بيد السلام مدعومة بإيمان شعبي كبير في الشارع السعودي نحو سورية وقطر، ويذكر لهما، خصوصاً سورية، سرعة التقاطها للتحرك السعودي، وتعاطي الرئيس بشار الأسد لهذا التحرك السعودي بذكاء، وحرصه على تفعيله للوصول به إلى المستوى اللائق بالقضايا العربية واللائق بمكانة البلدين وما ينتظره الشارع العربي منهما. طبيعي أن عودة سورية لبيتها الحقيقي وعمقها الأمني والاجتماعي والتاريخي اصاب دولاً أخرى وأطرافاً أخرى بارتباك، لأنه في الأخير بعثر أجنداتها في المنطقة، مما جعلها على ما يبدو تعود لعاداتها القديمة في تحريك أذنابها، لإثارة الفوضى من جديد في الشوارع العربية المهمة، بدءاً من القاهرة، ومروراً بأين أو انتهاءً لأين؟... هذا هو السؤال المرتقبة إجابته خلال الفترة المقبلة. [email protected]