تحتفل الدول الغربية بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام في اليوم ال25 من كانون الأول ديسمبر من كل عام، وقد اختلفت المذاهب الثلاثة: الكاثوليكي، والبروتستانتي، والأرثوذكسي في حقيقة طبيعة المسيح عليه السلام، فمنهم من قال: إنه إله، ومنهم من قال: إنه ابن الإله، ومنهم من قال: إنه إله ولكنه في أقنوم بشر، إن من يستعرض نصوص الأناجيل الأربعة يتبين أنها ركَّزت بصفة أساسية على إثبات الصفات البشرية في حمل المسيح عليه السلام وولادته، وبشريته في جميع أطوارها، وكونه إنساناً ونبياً ورسولاً من الله عز وجل، بل إنها تنفي عنه صفة الألوهية كلياً، فكل إنجيل من الأناجيل الأربعة ذكر ما تعرضت له مريم بنت عمران من آلام المخاض، فقد ورد في رؤية يوحنا 12/2:"وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد"، والإنسانية واضحة من الحمل العادي المألوف لدى البشر. وجاء في إنجيل لوقا 2/6-7:"هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود"، أي أنها أكملت المدة التي لا تختلف فيها عن بقية النساء في الحمل. لقد رضع المسيح عليه السلام من ثديي أمه كبقية الأطفال، ولم يتميز بخاصية معينة في غذائه، إذ ورد في إنجيل لوقا 11/27:"وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة صوتها من الجمع، وقالت له: طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما". والمسيح عليه السلام بشر كسائر البشر، فقد اختتن كما هي العادة والشريعة بين أبناء اليهود. فقد ورد في إنجيل لوقا 2/21:"ولما تمَّت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سُمّيَ يسوع". ذُكر أيضاً المسيح عليه السلام في الأناجيل الأربعة بصفة إنسان وابن إنسان، فقد ورد في إنجيل يوحنا 3/13:"وليس أحد صعد إلى السماء إلا ابن إنسان". وكذلك ورد في إنجيل متى 12/32:"من قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له". كما ورد كذلك في الإنجيل ذاته 11/19:"جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون هو ذا إنسان أكول وشريب خمر". وفي إنجيل يوحنا 9/11:"أجاب ذاك وقال: إنسان يقال له يسوع". وفي الإنجيل ذاته 19/5:"فقال لهم بيلاطس: هو ذا الإنسان". وفي موضع آخر من الإنجيل عينه 18/29:"فخرج بيلاطس إليهم وقال: أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان". وفيه أيضاً 18/14 :"وكان قيافا هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب". ثم إن المسيح عليه السلام يتكلم ويعترف بنفسه أنه إنسان. يقول في لوقا 22/22:"وابن الإنسان ماض كما هو محتوم". وفي إنجيل يوحنا 8/40 يقول:"ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله". كما ورد في إنجيل لوقا 24/19:"فقال لهما: وما هي؟ فقالا: المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب". وفي إنجيل يوحنا 4/29:"هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح ؟". وفي الإنجيل ذاته 8/28"فقال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان". وفي إنجيل لوقا 23/47:"فلما رأى قائد المائة ما كان مجد الله قائلاً: بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً". وفي الإنجيل نفسه 17/24"كذلك يكون أيضاً ابن الإنسان في يومه". وفيه أيضاً 22/48"فقال له يسوع: يا يهوذا"أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟". وفي الإنجيل عينه 23/4"فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع: إني لا أجد علة في هذا الإنسان". وفيه أيضاً 23/14:"قدمتم هذا الإنسان كمن يفسد الشعب". لقد عبَّر المسيح عليه السلام عن ضعفه البشري التي تؤكد أنه بشر في مواضع عدة في الأناجيل، منها ما ورد في إنجيل يوحنا 8/42:"لأنني خرجت من قِبل الله وأتيت، لأنني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني". وورد في إنجيل متى 12/28:"أنا بروح الله أخرج الشياطين". وفي إنجيل يوحنا 5/30"أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً". ثم لقد ورد في إنجيل متى 27/46 جملة قالها المسيح عليه السلام عند صلبه المزعوم، تعبر عن ضعفه البشري أيضاً:"إيلي إيلي لما شبقتاني"، وفي إنجيل مرقس 15/33-41" ألوي ألوي لما شبقتني؟". أي معناها"إلهي إلهي لماذا تركتني". إن المسيح عليه السلام يتمتع بجميع الصفات البشرية التي يحملها كل البشر من جوع، وعطش، وتعب، ونوم، وبكاء، وضعف، وحزن، وصوم، وعذاب، وضرب، وموت، وفقدان، وتوبيخ، وتعلّم، وانزعاج، واشتهاء … الخ. فقد ورد في إنجيل يوحنا 19/28:"قال يسوع أنا عطشان". كما ورد في إنجيل متى 8/24:"وكان هو نائماً". وورد في إنجيل يوحنا 4/6:"فإذا كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر". وورد في إنجيل مرقس 14/33:"وابتدأ يدهش ويكتئب، فقال لهم: نفسي حزينة جداً". وورد كذلك في إنجيل متى 26/38:"فقال لهم: نفسي حزينة جداً حتى الموت". كما جاء في إنجيل يوحنا 11/35:"بكى يسوع". وورد في إنجيل يوحنا أيضاً 11/38:"فانزعج يسوع أيضاً". وورد في إنجيل لوقا 22/ 15:"وقال لهم: شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم". ويعبر المسيح عليه السلام عن طبيعته البشرية التي منها الخوف. فقد ورد في إنجيل يوحنا 11/53-54:"فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه. فلم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية". وفي إنجيل يوحنا أيضاً 12/27:"الآن نفسي قد اضطربت"، واضطرابه دليل واضح على بشريته، لأنه لم يك يعلم ما يخبئ له المستقبل. وذاك الاضطراب كان نتيجة لعلمه الآني بما كان يجهله أصلاً ولم يكن يتوقعه. والاضطراب هو نوع من الخوف. نكمل الاسبوع القادم... * باحث في الشؤون الإسلامية.