قبل «الكريسماس» بأسبوعين وحتى الآن صحبناكم في الحديث عن «بشرية» المسيح في الأناجيل، وفي هذا الجزء الأخير نؤكد أن المسيح ابن مريم عليه السلام هو رسول الله عز وجل باعتراف الأناجيل الأربعة. والرسول غير المُرسِل الذي كلفه وأرسله، وكلاهما غير الطرف المرسل إليه، فإن الله عز وجل أرسل رسلاً كثيرين إلى خلقه ليبّلغوا رسالاته إلى عباده. فالمُرسِل هو الله عز وجل، والمرسل إليهم هم الخلق، والرسل أمثال: موسى عليه السلام، وعيسى بن مريم عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم. ولو أن الله جل جلاله تجسد وكان هو الشخص الذي يبلغ رسالاته لخلقه، لوجب أن يُصدَّق في كل ما يصدر عنه. لأن الله جل جلاله صادق. فكان ينبغي أن يُعرِّف خلقه بنفسه. فإذا قال: (أنا) فالواجب أن يتحقق صدقه في التعريف إذا قال: (أنا إله). أما أن يقول: (أنا إنسان)، وهو غير ذلك فيكون القائل كاذباً. ومادام المسيح عليه السلام قال في إنجيل يوحنا «أنا إنسان، قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله"؛ فيلزم تصديقه. والصادق لا يقول إلا الحق، فإذا قال أنا إنسان كان ذلك دليلاً على حقيقته الإنسانية، ولكن أن يُعرِّف بنفسه بنصوص تجعله رسولاً أرسله الله عز وجل في أكثر من موضع، فإن ذلك يؤكد أنه رسول الله عز وجل، وسأورد بعض النصوص التي وردت بالأناجيل التي تثبت أن المسيح إنما هو رسول الله عز وجل. وردت في إنجيل يوحنا لوحده النصوص التالية تؤكد أنه مرسل من الله عز وجل، ففيه 5/24: «الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كلامي يؤمن بالذي أرسلني». وفي 5/30 «لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الأب الذي أرسلني». وفي 5/36-37 «الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني. والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي. لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته». وفي 6/39 «وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني». وفي 7/28 «ومن نفسي لم آت بل الذي أرسلني هو حق». وفي 9/4 «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني». وفي 11/42 «ليؤمنوا أنك أرسلتني». وفي 12/49 «لأني لم أتكلم من نفسي ولكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول، وبماذا أتكلم». وفي 14/24 «الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني». وفي 16/5 «فأنا ماض إلى الذي أرسلني». وفي 17/8«وآمنوا أنك أنت أرسلتني». وفي 17/21 «ليؤمن العالم أنك أرسلتني». وفي 3/34 «لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله». وفي 6/29 «عمل الله أن تؤمنوا بالذي هو أرسله». وفي 7/18 «وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق». وفي 13/16 «الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله». وفي 6/57 «كما أرسلني الآب الحي». وفي 4/34 «قال لهم يسوع طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله». وفي 8/42 «لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني». وفي 7/15-19 «فتعجب اليهود قائلين كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلم، أجابهم يسوع وقال: تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني، إن شاء أحد أن يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي، من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه، وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم». وفي 12/44 «فنادى يسوع وقال: الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني». وفي إنجيل لوقا وردت الفقرة التالية التي تؤكد أيضاً أنه رسول من الله عز وجل، ففي 4/43 «فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأُخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت». أوردت الأناجيل فقرات عدة تفسر أن المعنى اللغوي لكلمة الآب في ذلك العهد تعني الله جل جلاله، فعلى سبيل المثال جاء في إنجيل يوحنا 8/ 42: «لنا آب واحد هو الله»، أي أنه ليس أباً بمعنى الأبوة الحقيقية للمسيح عليه السلام بل إن معنى الأب مجازي. إن المسيح ابن مريم عليه السلام عبد من عبيد الله عز وجل الطائعين لأمره، وقد اعترف عليه السلام بذلك في إنجيل متى 10/24 «ليس التلميذ أفضل من المعلم ولا العبد أفضل من سيده». وفي رؤية يوحنا 19/10 أن رجلاً قدم إلى المسيح عليه السلام، وترامى على قدميه فقال له المسيح عليه السلام: «لا تفعل! أنا عبدٌ معك ومع إخوتك الذين عندهم شهادة يسوع. اسجد لله، لأن شهادة يسوع هي روح النبوة". كما ورد في إنجيل متى 12/18 أيضاً : «هو ذا فتاي الذي اخترته. حبيبي الذي سرت به نفسي. أضع روحي عليه، فيخبر الأمم بالحق». وقد كانت كلمة (فتاي) في الأصل (عبدي) في الأناجيل جميعها، ولكنها حرفت فيما بعد في طبعات عدة وبقيت في بعضها. كما أن هناك من الأناجيل ما سلسل نسب عيسى عليه السلام سلسلة بشرية زوراً وبهتاناً. فقد ورد في إنجيل لوقا 3/23-38: «ولما ابتدأ يسوع كان له ثلاثون سنة وهو على ما كان يُظن ابن يوسف بن هالي بن منثاث بن ملكي بن ينا بن يوسف الخ». ومنهم من دعاه إلى نسب آخر، ففي إنجيل متى 20/31 قوله: «ارحمنا يا سيد يا ابن داوود». ونحن المسلمين نقول قول الله عز وجل في القرآن الكريم: إن مريم العذراء الطاهرة البتول عليها السلام «أَحصَنَتْ فَرجَهَا»، فلم يقربها بشر، لا قبل ولا بعد ولادة المسيح عليه السلام. ونعتقد بقوله عز وجل: «إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ». و«وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ». ونصدّق قول المسيح ابن مريم عليه السلام عن نفسه في القرآن الكريم: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِياً. وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً. وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً. وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً». باحث في الشؤون الإسلامية.