منذ أن أودعني أهلي «القبر» وأنا أنتظر. أتشبث بخيوط الشمس. أمسك بأطراف كفني بكل قوتي، على رغم الظلام الدامس «أنتظر وأنتظر» أن أسمع منكم يا أهل الدنيا خبراً يجعلني أرقد آمنة مطمئنة، أو على الأقل راضية. لم أكن أنتظر بعد كل هذه المدة الطويلة التي مرت علي ما سمعته أخيراً وما شعرته بقلبي الذي كان يرفض التصديق وخذلتموه بحكمكم! لن أتحدث عما فعله بي ولا عن الحياة التي سُلبت مني غيلة، لن أحكي لكم كيف ألقاني أرضاً بسيارته، وأنا أسير في الشارع والدموع تغرق وجهي، رغبة في الوصول للمنزل حتى أرى أولادي، ولأقوم بتحضير وجبة الغداء لهم، فهم ينتظرون عودتي منذ الصباح، بل اعتادوا أن ينتظروني عند نافذة غرفتهم، ليلوحوا لي بأيديهم الصغيرة. سرت وأنا أتمسك بعباءتي، وأتمسك معها بالأمل، أكتم بها الحيرة التي تجتاح عقلي بين حين وآخر، وعلى رغم دموعي الكثيرة التي حجبت عني الرؤية، سرت حتى كدت أوصل منزلاً احتواني واحتوى آلامي، وستر على زفرات قلبي الذي يملؤه الخوف والرعب، لأفيق على صوت عربته تتجه بأقصى سرعة إلى حيث أقف، سقطت أرضاً فلربما لحظة انفعال موقتة أو خطأ إنساني غير مقصود، أو ربما الفرامل التي لم يقم بإصلاحها، أو ربما السيارة اللعينة سارت بمفردها، وقامت بدهسي (انحيازاً له لأنه ذكر له قداسة معينة في مجتمعي)! أو ربما هي مخاوفي فقط من هيأت لي أن أضع رأسي بجانبه كل ليلة، ومن أرعى شؤون بيته ومن أصرف كل راتبي عليه وعلى حاجات منزلنا وأطفالنا ينوي التخلص مني. ضايقته أنفاس أخطفها على عجل. أذاه صبري وتكتمي وخوفي على أطفالي منه، شجعه خضوعي وحلمي أن يتحسن الوضع كما تربيت وكما سمعت منذ نعومة أظافري. لم أصدق كل ما عايشته للوهلة الأولى لم أصدق وأنا أراه يهبط من سيارته ليلف حبلاً سميكاً حول عنقي ويقوم بسحب جسدي لمسافة 700 متر، ثم يعود لدهسي مرات عدة لم يهتم لعباءتي التي تمزقت، ولا لشعري الذي انتفض وتطاير في الهواء، لم تزعجه الدماء ولا صوت عظامي التي تتكسر تحت عجلات سيارته. لم يتوقف هذا الذي ارتبط اسمي باسمه إلا بعد تأكده من وفاتي وبعد أن تجمع حوله المارة، وهم لا يصدقون ما الذي شاهدوه للتو. اعتقد بعضهم أنه يدهس دمية، واعتقد البعض أنه يصوّر لقطة للكاميرا الخفية لعله يعرضها في رمضان شهر الرحمة، الذي لم أرها ولم استشعرها، بل لم أحلم بها. تعرفت علي أمي من ملابسي ومن عباءتي الممزقة، ولم تتعرف على تفاصيل وجهي الذي أصبح بلا ملامح، كنت أحدث قلبها وأخبرها همساً «بأن تربط على قلبها. سيطبق شرع الله فيه، وستأخذ أطفالي لتكون هي أمهم البديلة بعدما رحلت أمهم (الجوهرة المكنونة) دهساً في الشارع العام»! كنت أطلب منها ألا تبكي، مر شهر وشهران حتى امتد بي وبها الانتظار عامين ونصف العام ليصدر الحكم الصادم على قاتلي ب12 عاماً فقط، اليوم سأطلب منها أن تكف عن الحلم، فأرواح النساء باتت رخيصة، واليوم سأسمح للنوم بأن يتسلل إلي. سأطفئ نور الشمس، لأنتظركم وأنتظر القاضي، الذي حكم عليه «ليوم لا ريب فيه». [email protected] twitter | @s_almashhady