أقام منتدى حسن النخلي الثقافي في الرياض اخيراً، محاضرة للباحث فائز بن موسى البدراني بعنوان"حصار المدينة وترحيل الأهالي"من محافظ المدينة في العهد العثماني القائد فخري باشا. وذكر البدراني أن الباحثين الاكاديميين في بلادنا لا يعرفون عن هذا الموضوع سوى بعض الإشارات في مؤلفات متعددة، أما الكتابات غير الأكاديمية والمتحاملة منها على هذا القائد فقد بالغت في تضخيم هذه الحادثة، فقد اعتمدت على روايات شفهية معاصرة من أفراد لم يبلغ أحد منهم سن الرشد عند وقوع الحادثة، أو أنهم من المتأثرين بدعايات الثورة العربية وأمجادها المزعومة. وتابع:"عندما أتم الإنكليز خطة إسقاط الدولة العثمانية، لتحصل مواجهات عدة مع الثوار الذين استدرجهم الإنكليز للعمل معهم، إلى أن تم أخيراً تطويق المدينة من الجهات الأربع، ولكن قوات فخري باشا واجهت القوة العربية بضراوة، وقام فخري باشا بتعزيز خطوط دفاعاته وضبط الأمن داخل المدينة وبادر بتخزين المواد الغذائية، كما استفاد من موسم جني التمور، فأمر جنوده بجمعها وضغطها في قوالب صغيرة للمحافظة عليها واستخدامها خلال الحصار". واضاف:"من أجل تخفيف الضغط على أهل المدينة، ومن أجل الصمود أمام الأشراف، قام فخري بمهمة تنبيه أهل المدينة بالرحيل الذي كان في بداية الأمر اختيارياً ثم أصبح إجبارياً، عندما شحت المواد الغذائية وارتفعت الأسعار وفشت الأمراض وعاشت المدينة ثلاث سنوات شديدة القسوة 1334-1337ه عانى فيها أهل المدينة الجوع والمرض والفقر، ووصل الحال في المدينة إلى أكل الحيوانات النافقة، وهنا لم يكن أمامهم إلاّ خياران، إما القبول بهذا الوضع أو الهجرة خارجها، فكانت فكرة الترحيل". واستطرد:"جاءت مرحلة تسليم المدينة للأشراف واستسلام فخري باشا بعدما ظل يناضل بكل ما أوتي من قوة، على رغم ما تعرض له من الخسائر ونقص الإمدادات والأدوية والمجاعة والأمراض التي فتكت بأتباعه، إلى أن جاءته البرقيات من قيادة العثمانيين تخبره بهزيمة تركيا في الحرب وتطالبه بالاستسلام، فاستولت قوات الشريف حسين بمساعدة الإنكليز على معظم مدن الحجاز عدا المدينة التي ظلت تقاوم حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بشهرين، كما أن الحصار والحرب وارتفاع الأسعار وتعطل الأعمال وموت الناس جوعاً ونفاد الأدوية أسهم في لجوء أهالي المدينة إلى الخروج منها باختيارهم في البداية ثم لجوء فخري باشا إلى إخراجهم في النهاية، في حين يبالغ كثيرون من خصوم فخري باشا في اتهامه بارتكاب التهجير القسري، نجد أنه يعزو ذلك إلى قيام الشريف بمنع إدخال المؤن إلى المدينة، وأنه قام بذلك حفاظاً على الأهالي من أتون الحرب والحصار، كما أن معظم الاتهامات الموجهة إلى فخري باشا لا تعتمد على وثائق أو مصادر محايدة".