إن شريعة الغاب هي افتراس القوي للضعيف، وسيادة منطق القوة واستبعاد منطق العقل في سبيل أن يبقى الأقوى ويندثر الأضعف، فعلى سبيل المثال فإن السباع تتعاون وتنسق في ما بينها لاصطياد فرائسها، فنلاحظ أن ثلاثة من السباع فقط تستطيع أن تهاجم قطيعاً من حمر الوحش وتفترس إحداها، وتجد حمر الوحش تقف مشدوهة مسلوبة الارادة والحيلة مع كثرتها تتفرج على أخيها الذي تقطع السباع أوصاله، وليس في مقدورها غير النهيق والزعيق، مع انها لو اجتمعت وهاجمت السباع لما استطاعت السباع أن تقترب منها. إن العالم أمس ولا يزال حتى اليوم يعيش بمنطق"شريعة الغاب"، ولم يستعمل العقل، الذي ميزه الله به، في التعايش بل استعمله القوي ليفترس الضعيف، وخير برهان على ذلك ما يحدث الآن في قطاع غزة، إذ اجتاحت القوات الإسرائيلية القطاع"براً وجواً وبحراً"في مجزرة بشعة جديدة من مجازر إسرائيل التي ترتكبها في حق الشعوب العربية والإسلامية، لا تفرق بين المواطنين الفلسطينيين الأبرياء وبين أفراد المقاومة، وتشكلت الدول الاستعمارية و"إسرائيل"، التي هي بمثابة السباع في شريعة الغاب، تفترس الأمم التي رضيت أن تبقى ضعيفة، وصدقت أن الدول الاستعمارية تصادقها من أجل المصالح المتبادلة، ولم يرشدها عقلها أنها تسمنها لتفترسها متى ما أرادت ذلك. إن الدول الاستعمارية لن تقنع بصداقة الدولة الاسلامية الا في حالة واحدة، وهي أن تتبع الدولة المسلمة ملتهم، كما قال تعالى ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدي، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير سورة البقرة آية 120، ولن يتخلى المسلمون عن عقيدتهم، لذلك عليهم أن يضعوا ثقتهم ببعضهم البعض، ويتحدوا فإن في الاتحاد قوة، ويجب أن يعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة كما امرهم به ربهم عز وجل. إن القوي هو من أراد أن يكون سبعاً لتخافه السباع، ولن يرضى أن يبقى ضمن أحد القطاع التي تهاجمها السباع الواحدة تلو الأخرى، والمثل العربي يقول"إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب"... إن الدول الاستعمارية و"إسرائيل خصوصاً"تهاجم فرائسها كما تهاجم السباع فرائسها الضعيفة، ولن تهاجم الدول الاستعمارية وإسرائيل الدول القوية التي تستطيع أن تدافع عن نفسها، وخير مثال على ذلك الجمهورية الاسلامية الايرانية التي اعجزت الدول الاستعمارية والعصابات الصهيونية أن تنال منها عندما سلحت نفسها ذاتياً وصارت قوة لا يستهان بها في المنطقة تخيف الطامعين الاستعماريين وتسر الملمين اجمعين، وكذلك كوريا الشمالية التي عندما اظهرت قوتها استطاعت أن تسكت اصوات الدول الاستعمارية التي نعتتها بمحور الشر، وصارت تنحو إلى التحاور معها بدلاً من محاربتها. الملاحظ أن الدولة التي تريد أن تبني قوتها بثقة وثبات يجب ألا تكون علاقتها بالدول الاستعمارية وطيدة، لأنهم سيحاولون تثبيط همتها والايحاء لها بأنها في امان ما دامت علاقتها معهم جيدة، ولسان حالهم يقول كما قال الشاعر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي وان استطاعت دولة أن تبني قوتها مع وجود علاقات جيدة مع الدول الاستعمارية، كما حصل في الجمهورية الباكستانية التي غافلت الدول الاستعمارية، وطورت القنبلة النووية بمساعدة أصدقائهم الذين لا يضمرون وداً للدول الاستعمارية، ولأنها ظلت تحتفظ بعلاقات جيدة مع الدول الاستعمارية التي تعيش في مشكلات مستمرة، لأنهم لا يريدون لها أن تستقر وتزداد قوة، ولقد قال أحد السياسيين الباكستانيين:"إن التعامل مع الدول الاستعمارية كمن يتعامل مع بائع الفحم لا ينال منه سوى سواد الوجه واليدين". إن القادة الذين غالوا في علاقاتهم مع الدول الاستعمارية على حساب شعوبهم ومصالح بلدانهم، ثم تخلت عنهم لعجزها عن مقابلة شعوبهم أمثلة صادقة كانت نهايتها سواد الوجه واليدين. صالح محمد - الرياض [email protected]