الجيش الأمريكي يقرر تقليص عدد قواته في سوريا إلى أقل من ألف    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الفيحاء    يايسله يتغنى في الأهلي بعد اكتساح الفيحاء    القصيم تحتفل باليوم العالمي للتراث    لاندو نوريس يتصدر التجارب الثانية بجدة وتسونودا يتعرض لحادث    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية بنسبة (50%) وعودتها إلى قيمتها الأساسية    انطلاق البرنامج التدريبي والتأهيلي ل "هاكثون التحوّل"    السعودية تنهى مشاركتها في ألعاب القوى الآسيوية ب"5″ ميداليات    «سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    القادسية يكسب النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله    إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة        قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    «حرس الحدود» بينبع يحبط تهريب (3.6) كجم "حشيش"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تربية الغابة
نشر في الحياة يوم 19 - 11 - 2008

في بدايات القرن الميلادي الماضي، كرّست أدبيات الرأسمالية شعارات لآلية العيش والتمكن والاستقواء في"غابة البشرية"، تبدّت في عبارات مثل:
- صراع من أجل البقاء.
- البقاء للأقوى.
- لا مكان للضعفاء.
وفي صغري، كنت أشاهد برنامجاً هوليودياً عن الحياة الفطرية اسمه:"صراع من أجل البقاء"، لم يكن عقلي الصغير ليدرك حينذاك الإسقاط الذي يحمله ذلك البرنامج الحيواني على الحياة بين البشر، حتى تفاقمت الرأسمالية، وأصابت أعراضها كل بني البشر: الوحوش والدواجن!
كان يمكن أن ينحصر تأثير تلك الشعارات الرأسمالية على المجال الاقتصادي والمالي للإنسان فقط، لكنها للأسف أرادت أن تبرهن، وتذكّر الغافلين، بأن الرأسمالية نظام اجتماعي شامل، أكثر مما هو نظام اقتصادي صرف، كما يظن البعض.
أصبح شعار"البقاء للأقوى"مفهوماً تربوياً يستند إليه بعض الآباء في تربية أبنائهم. وانتشرت فكرة التربية من أجل المنفعة، بدلاً من النسق التربوي"الأخلاقي"المستند على فكرة التربية من أجل التعاون. وأصبحت الحقيقة التي يجب أن يتشرّبها الأبناء قبل دخولهم غابة الحياة هي أنه:"إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب".
ونسي أولئك الآباء، القلقون على أبنائهم، أن"الغابة"الحيوانية الحقيقية كانت وما زالت مليئة بحيوانات متعددة ومتنوعة، ليست من فصيلة الذئاب، ورغم ذلك تعيش حتى الآن في الغابة نفسها التي تعيش فيها الذئاب والأسود والوحوش، من دون أن تنقرض أو تتلاشى تلك الحيوانات الأليفة الوديعة.
انقرضت الديناصورات ولم تنقرض الأغنام والعصافير!
***
من المقزز أن تستمع إلى إنسان يتحدث عن قيم العدل والتسامح والتعاون، ثم يلتفت في جهة أخرى إلى ابنه مرشداً له بالقول:"يا ابني... الحياة غابة"!
سواء أدرك أو لم يدرك ذلك الأب أو الأم أنه بشعارات التحذير من تلك الغابة، هو يربي"وحشاً"لا ابناً. وأنه حتى لو ظن أو زعم أنه يربي في ابنه عضلات الدفاع فقط، فإنه لا يضمن أن تتنامى تلك العضلات لترقى يوماً ما إلى عضلات هجوم.
الذين يربون أبناءهم على مبدأ الحذر من"غابة"البشر، هم الذين يُغذّون هذه الغابة دوماً بالأعضاء الجدد! فالذي يشغله هاجس توحش الآخرين، لا ينفكّ أن تتلبس نفسه صفات التوحش. وفي الحديث الشريف:"من قال هلك الناس فهو أهلكهم".
وإذا كنا دوماً متأهبين للوحوش البشرية التي ستنقض علينا يوماً ما، فإننا سنكون دوماً في وضع الاستعداد والتأهب بالأنياب البارزة والمخالب النافرة. وبذا سنكتشف فجأة أننا أصبحنا وحوشاً قبل أن تصل إلينا الوحوش التي نخشاها وننتظرها!
التربية على منطق"الغابة"تستهلك طاقة الإنسان في الحذر والتحفز بدلاً من العمل والإنتاج، وتستهلك مشاعر الإنسان في التشكيك والريبة في الآخرين بدلاً من الثقة والطمأنينة كمبدأ أصلي يجب البدء به في التعامل حتى يثبت العكس.
كما أن أصحاب مبدأ"تربية الغابة"لا يكونون عادة قادرين على"التسامح"مع الخطأ الذي لا بد أن يقع من كل إنسان في هذه الحياة، لأن تحفزهم منذ البدء لمواجهة الخطأ والخطر الآتي من الآخر يجعلهم غير متقبلين لفكرة"الخطأ العفوي"بسهولة، فأبجديات"منطق الغابة"المهيمن تجعل الأخطاء كلها أو معظمها أخطاء متعمدة ضدنا. وهنا يصبح من المتعذر تمرير فكرة التغاضي أو التسامح مع المخطئ أو من نظن أنه مخطئ.
***
الحياة ليست قصراً مخملياً... لكنها أيضاً ليست غابة.
وإذا كنا نوقن بأننا سنتعرض لخديعة أو هجوم، على الأقل مرة واحدة"كل سنة"، فإننا لا يجب أن نكون متحفزين ومتأهبين"كل يوم"لصدّ الهجوم المنتظر.
فخيرٌ لي أن أبذل جهدي وطاقتي في أن أتسامح مع خطأ أو اعتداء ضدي مرة كل عام، من أن استهلك جهدي في التحفز والحذر كل يوم في انتظار هجوم أو اعتداء مرتقب... قد يأتي وقد لا يأتي!
هذه ليست دعوة للضعف أو الهوان أو الغفلة، لكنها دعوة للراحة والطمأنينة والاسترخاء في التعامل والعيش المشترك.
القوة ليست هي المصدر الحقيقي للسعادة، فالغزال وهو يتقافز في الغابة يبدو لنا أكثر سعادة من الأسد.. المتربص دوماً. والطيور الزاهية وهي تغرد بالألحان تبدو أكثر طرباً وفرحاً من النسور الصامتة.. بانتظار الفريسة أو الجيفة. والأسماك الرشيقة وهي تتراقص في مياه البحيرات تبدو أكثر جمالاً واسترخاءً من التمساح الرابض الحزين... بسبب تأخر الفريسة.
ورغم هذا التضاد والتربص والاختلاف في القوة بين الفريقين، فإن الغابة مازالت مليئة بالغزلان والطيور والأسماك الجميلة والسعيدة كل يوم، رغم الخطر المحدّق بها في أي لحظة.
ولو أن الغزال الأب ربى الغزال الابن وشجعه أن يكون ذئباً لانقرضت الذئاب والغزلان معاً.
حياة البشر لا تخلو من ذئب ونسر وتمساح، لكنها أيضاً لا يمكن أن تخلو من غزلان وطيور وأسماك تضفي على حياتنا البشرية جمالها وبهجتها.
إذا كنت مصّراً أن تصف حياتنا هذه بأنها"غابة"فحدد نوع الفصيلة التي تنتمي إليها:
كن غزالاً أو ذئباً في هذه الحياة...
كن نورساً أو كن تمساحاً...
كن ما كنت، أو ما تشاء أن تكون.
***
هل أنت غير قادر على تصنيف نفسك، من أي الفريقين أنت: الوديع أم العدواني، المتسامح أم المنتقم؟
حسناً، ضع نفسك أمام موقف افتراضي ثنائي فقط لا يقبل حلاً ثالثاً أو وسطاً..
في هذا الموقف ستفترض أنك في مواجهة أمام إنسان آخر، ومخيّر فقط في هذه المواجهة معه في أن تكون: ظالماً أو مظلوماً...
ماذا تختار أن تكون؟!
* كاتب سعودي
[email protected]
نشر في العدد: 16665 ت.م: 19-11-2008 ص: 17 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.